استمعشيخة الجابري حين كنّا صغاراً، أذكر أننا كنّا نتسابق إلى المطبخ قبل الإفطار، نساعد أمهاتنا، نقف على تنظيم السفرة البسيطة التي تضمّنا، تحتوينا حولها بحب، نتزاحم لكأن المكان لا يتسع لنا، والمكان شاسع جداً، لكنه الدفء الذي يختزل المسافات ليحط في القلوب.كنّا نتشاكس، نشاغب بعضنا، نتسابق إلى الصلاة التي ربما نجهل بعض اشتراطاتها، أطفالٌ لا نملك من الدنيا سوى براءتنا وتقليد الكبار حين يصومون لنصوم مثلهم، بعضنا يسرق من الوقت قطرة ماء، بعضنا ينزوي بعيداً ليروح نحو البواقي من السحور يلتهم لقمة صغيرة ويركض، بعضنا يتماسك جداً، فيكون أفضلنا حين يدعو الداعي إلى الإفطار، الذي عنده تتكشف كل الأسرار، من الذي صام، ومن الذي سرق الوقت، كنّا صغاراً.نحمل كل ذكرياتنا معنا، أطباق جيراننا، توزيعاتنا المسائية، خطواتنا في الفرجان نتبادل الهدايا عند العصر، والوقت سحرٌ هواء عليل، وأرض طيبة، وقلوب يا الله كيف هي تبرق لشدة البياض في داخلها، وابتسامات الأمهات، ودعوات الكبار بأن يحفظنا الله ويعود الشهر علينا سنين وسنين، ثم يردفون هو سيعود، ندعو الله بأن نعود نحنُ نصومه، ونحيي لياليه بالذكر والحب. أيامنا تلك مضت في الفرجان، وفي الضواحي التي هي المزارع حيث الحقول كانت هي الأخرى زاهية، خضراء تبسمُ للغريب وللقريب، تحتوي بيوتنا بضيوفها في رمضان، كل شيء كان كثيراً، النفوس غنيةٌ، والقلوب رطبة بمحبة الله التي تظلل كل شيء، رمضان كان له طعم آخر، كان له وهج خاص، كانت له رائحة النخل، ووهج الصيف، وقطرات المطر.عالمنا كان حكايات الجدات، رواياتنا كانت عن يومياتنا عند المطوع وآخر سورة حفظناها، ومتى سنختم القرآن، الحارات القديمة الآمنة، المطمئنة كانت مياديننا التي تحتوينا بالحب، جارنا كان يعلّمنا، جاراتنا كنّ يتبادلنَ تربيتنا، كنّا قلوباً واحدة، ذهبت تفاصيلنا الفخمة، الفاخرة، الأثيرة، جئنا إلى زمن ليس فيه سوانا نلتقي عند الإفطار، لا جارنا يهدينا، ولا يمر بنا، تهانينا باردة، باهتة تتسلل عبر شاشات ثلجية لا روح فيها، ولا حياة.رمضاننا كان أجمل، ولكل زمن معطياته من الجمال، تقبل الله طاعتكم، ومبارك عليكم حلول الشهر العظيم، وكل عام وأنتم ونحنُ في خير وسعادة، وهذا الوطن العظيم في أمن وأمان. آمين.Qasaed21@gmail.com
مشاركة :