صعود وهبوط النفط على وقع انسحاب ترمب من الاتفاق النووي مع إيران

  • 5/18/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

صورة أرشيفية من المعرض الدولي الـ21 للنفط والغاز والتكرير والبتروكيماويات الذي عقد مايو عام 2016 في طهران، إيران عقدته إيران بعد التوصل إلى اتفاق نووي مع دول 5 + 1 ورفع العقوبات الدولية قبل تراجع ترمب عن الاتفاق مطلع الشهر الجاري. (غيتي) القاهرة: حسين البطراوي* ارتفاع أنشطة الحفر الأميركية… وإنتاج النفط الصخري يصل إلى 12 مليون برميل يومياً في 2019. * العقوبات الأميركية على فنزويلا وإيران تحد من معروض النفط العالمي. * موقف آسيا وأوروبا من إيران يحدان الإنتاج الإيراني… والإمارات والسعودية تطمئنان الأسواق. * توقعات بخفض إمدادات إيران ما بين 300 إلى 500 ألف برميل يومياً. والعقوبات تجمد الخطوات الإيرانية لدعم طاقتها الإنتاجية من النفط والغاز الطبيعي لفترة طويلة. صعود وهبوط في أسعار النفط على وقع انسحاب الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، من الاتفاق النووي مع إيران، وفرض عقوبات على ثالث أكبر دولة منتجة للنفط في «أوبك»، واستمرار ارتفاعٍ في أنشطة الحفر الأميركية، فيما ظهرت مقاومة في أوروبا وآسيا للعقوبات الأميركية على إيران، لتخفض توقعات أسواق النفط العالمية من تأثر الأسواق بفعل العقوبات الأميركية، على إمداد إيران من مليون برميل إلى ما ببن 300 إلى 500 ألف برميل يوميا. وتدور أسعار النفط العالمية حاليًّا عند مستويات قياسية جديدة، فقد يدور سعر خام برنت حول 75 دولارًا للبرميل، وسعر خام غرب تكساس الأميركي حول 70 دولارًا للبرميل، وهو الرقم الأعلى منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2014. تحديات كبيرة أمام «أوبك» في اجتماعها في يونيو (حزيران) المقبل بشأن المعروض النفطي، وسط تطمينات من الإمارات والسعودية، ويدرس الاجتماع المستوى الملائم للمخزونات، ويرى أعضاء في «أوبك» أنه ما زال هناك فائض في إمدادات النفط. لكن تأثير العقوبات الأميركية قد يساعد على الحد من هذا الفائض. ووضعت «أوبك» هدفا لنفسها بخفض المخزونات في الدول الصناعية إلى متوسط خمس سنوات. وقال مسؤولون في «أوبك» إن المنظمة بحاجة إلى تحديد حجم المخزون المستهدف في يونيو لتقيس مدى نجاح الاتفاق. وسيقود تراجع صادرات النفط الإيراني إلى ضغوط أكبر على الأسعار التي ارتفعت هذا العام بسبب اتفاق خفض الإمدادات المبرم بين «أوبك» ومنتجين مستقلين. وبدأت أوبك وروسيا ومنتجون آخرون في خفض إمدادات النفط اعتبارا من يناير (كانون الثاني) 2017 في محاولة للتخلص من تخمة المعروض ورفع الأسعار. ومدد المشاركون في الخفض هذا الاتفاق حتى ديسمبر (كانون الأول) 2018 وسيلتقون في يونيو من أجل مراجعة سياستهم.آسيا وأوروبا سيتوقف الأثر الواقع على صادرات النفط الإيرانية على كيفية تعاطي المشترين في آسيا وأوروبا مع العقوبات الأميركية، والتي قد تظل غير واضحة لأشهر. لكن محللين يتوقعون أن إنتاج إيران النفطي قد يهبط بما يتراوح بين 300 ألف ومليون برميل يوميا من نحو 3.8 مليون برميل يوميا. ومن المتوقع أن تسد السعودية جزءا كبيرة في تلك الفجوة، فقد أوضح مسؤول سعودي في قطاع الطاقة أن الرياض ربما تزيد إنتاجها لتعويض أي نقص في المعروض. يذكر أن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على طهران أوائل عام 2012 بسبب برنامجها النووي تسببت في انخفاض صادرات النفط الإيرانية من ذروة بلغت 2.5 مليون برميل يوميا قبل العقوبات إلى ما يزيد قليلا على مليون برميل يوميا. لكن إيران برزت من جديد كإحدى الدول الكبرى المصدرة للخام في يناير (كانون الثاني) 2016. عندما جرى تعليق العقوبات الدولية مقابل فرض قيود على برنامجها النووي، إذ وصلت صادراتها في أبريل (نيسان) الماضي إلى 2.6 مليون برميل يوميا. مما يجعل إيران ثالث أكبر مصدر للخام داخل «أوبك» خلف السعودية والعراق. وتقول إيران إنها تسعى إلى زيادة طاقتها الإنتاجية النفطية إلى 4.7 مليون برميل يوميا خلال السنوات الأربع المقبلة.أزمة فنزويلا وتزامنًا مع ذلك، فإن هناك أزمة أخرى متصاعدة في فنزويلا التي تشهد تراجعًا شديدًا في إمداداتها النفطية، إذ إن الأزمة الاقتصادية المعقدة التي تعانيها تسببت في عدم قدرة الحكومة على ضخ الاستثمارات اللازمة في القطاع النفطي الوطني خلال الفترة الماضية، وهو ما لم يُمكنه من إحلال آبار نفطية جديدة محل الآبار متراجعة الإنتاج. وتسبب ذلك في تراجع إنتاج النفط الفنزويلي بمقدار النصف منذ نهاية العقد الأول من الألفية الجديدة. وتتصاعد هذه المظاهر السلبية بشكل لافت في الوقت الراهن، في ظل التوترات السياسية التي تشهدها البلاد، بجانب تهديد الولايات المتحدة بفرض عقوبات نفطية عليها، بسبب خلافاتها السياسية مع الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو. وكل ذلك يجدد المخاوف من إمكانية حدوث انخفاض قياسي في إنتاج النفط الفنزويلي في عام 2018.توقعات متباينة أما ستيفن إينز، رئيس التعاملات التجارية لآسيا والمحيط الهادي لدى أواندا للوساطة في العقود الآجلة في سنغافورة، فيقول إنه نظرا لأن الولايات المتحدة تحركت من جانب واحد، فإن جزءا كبيرا من تحركات أسعار النفط تم أخذه في الاعتبار. لكننا الآن عدنا إلى قصة التوازن الدقيق للإمدادات، وهو جزء لا يتجزأ من الاتفاق بين أوبك ومنتجين آخرين، ومتانة القوى المحركة للطلب العالمي. فيما توقعت «جيه بي سي» هبوطا حادا في مشتريات النفط الخام الإيراني من جميع الأطراف على مدى الشهرين القادمين، بمجرد أن تصل أسواق الخام إلى ذروة النقص الموسمي للمعروض. ومن المرجح أن تفقد السوق إمدادات إيرانية من 500 إلى 700 ألف برميل يوميا على مدى الأشهر المقبلة. أما بنك غولدمان ساكس، فيرى أن الإعلان بشأن إيران وارتفاع المخاطر الجيوسياسية في دول أخرى رئيسية منتجة للنفط مثل السعودية وفنزويلا تهدد جميعها بفقدان المزيد من الإنتاج في الوقت الذي تستنزف فيه المخزونات. ويتوقع أن يصل سعر البرميل من خام القياس العالمي مزيج برنت إلى 82.5 دولار في فصل الصيف، مشيرا إلى أن فقدان 500 ألف برميل يوميا من الإمدادات الإيرانية حتى نهاية العام سيدعم الأسعار بنحو 6.2 دولار للبرميل. وتوقع بنك باركليز تأثيرا محدودا على إنتاج إيران العام الحالي، بخفض إنتاجها 150 ألف برميل يوميا، وقال البنك: «هي كمية نتوقع أن تعوضها السعودية وحدها بزيادة إنتاجها مجددا إلى مستوى حصتها البالغ 10.1 مليون برميل يوميا، أو من خلال إعادة صياغة إعلان التعاون المشترك بين أوبك والمنتجين الآخرين». أما كومرتس بنك، فيشير إلى أن الفترة التي سبقت بداية عام 2016، فقدت فيها السوق نحو مليون برميل يوميا من النفط الإيراني بفعل العقوبات في ذلك الوقت. وكانت نصف تلك الكمية بسبب حظر كامل من الاتحاد الأوروبي، لكن هذا من غير المرجح أن يحدث هذه المرة، حيث ألغت الولايات المتحدة الاتفاقية من جانب واحد وضد رغبة معظم الدول الأخرى. ومن ناحية أخرى فإن السعودية أشارت إلى استعدادها لتعويض أي نقص محتمل في الإمدادات من إيران بسبب عقوبات.الصين والهند ومع ذلك، يُمكن أن يتلاشى أثر خفض الإمدادات الإيرانية لبعض الأسواق إذا أقبلت الصين والهند على استقبال فائض إنتاج النفط الإيراني في الفترة المقبلة، بما يجعل إمدادات هذا النفط تسير بشكل طبيعي في الأسواق الدولية مع تغير في اتجاه تدفقات الإمدادات وليس في الكميات ذاتها، لكن يبقى مرهونًا برد الفعل الصيني إزاء فرض أي عقوبات أميركية على إيران. وإذا لم تتجه الصين لاتخاذ مثل هذه الخطوة، فذلك يعني تقلص الإمدادات العالمية بآلاف البراميل من النفط، في الوقت الذي ستتصاعد فيه المخاطر الجيوسياسية بمنطقة الشرق الأوسط أيضًا بالتزامن مع الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي، بما سيؤدي حتمًا إلى ارتفاع كبير في أسعار النفط. فالتهديد الأساسي للعقوبات الأميركية المقبلة على قطاع النفط الإيراني لا يتمثّل في خفض إمدادات النفط للأسواق الدولية، وإنما تجميد الخطوات الإيرانية نحو دعم طاقتها الإنتاجية من النفط والغاز الطبيعي على حد سواء ولفترة طويلة.النفط الصخري وفي دلالة أخرى على أن الإمدادات العالمية قد تواصل الارتفاع، أضافت شركات الطاقة الأميركية حفارات نفطية للأسبوع السادس على التوالي مع استمرار صعود أسعار الخام إلى أعلى مستوياتها في أكثر من ثلاث سنوات، بعد توقعات بأن عقوبات جديدة على إيران ستحجب بعض الإمدادات عن السوق، وهو ما يعطي المزيد من الدعم لأنشطة الحفر النفطي في أميركا ويرفع الإنتاج إلى مستويات قياسية. وقالت شركة «بيكر هيوز لخدمات الطاقة» إن شركات الطاقة أضافت 10 حفارات نفطية في الأسبوع الماضي، ليصل العدد الإجمالي إلى 844 حفارا وهو الأعلى منذ مارس (آذار) 2015. وهي المرة الأولى منذ أوائل مارس الماضي التي تضيف فيها شركات الطاقة الأميركية حفارات نفطية لستة أسابيع متتالية. وأكثر من نصف إجمالي الحفارات النفطية موجودة في حوض بيرميان في غرب تكساس وشرق نيومكسيكو، أكبر حقل للنفط الصخري في الولايات المتحدة. وزاد عدد الحفارات النشطة هناك بمقدار 5 حفارات ليصل إلى 463. وهو الأعلى منذ يناير 2015. وتتوقع الحكومة الأميركية أن إنتاج النفط في بيرميان سيرتفع إلى مستوى قياسي قرب 3.2 مليون برميل يوميا أو نحو 30 في المائة من مجمل إنتاج النفط الأميركي. وتوقعت إدارة معلومات الطاقة الأميركية أن يرتفع المتوسط السنوي لإنتاج النفط الأميركي بمقدار 1.37 مليون برميل يوميا إلى مستوى قياسي قدره 10.72 مليون برميل يوميا في 2018 وإلى 11.86 مليون برميل يوميا في 2019.مكاسب سياسية مع ارتفاع أسعار النفط، يبدو أن الدول العربية الكبرى في منطقة الخليج وخاصة المملكة العربية السعودية تتجه لتحقيق مكاسب مالية وسياسية من قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، بحسب وكالة «رويترز». وقال دبلوماسيون إن السعودية كانت ترغب في هبوط أسعار النفط في ظل تخمة المعروض عام 2014. لأسباب من بينها أن انخفاض سعر الخام يقلص دخل خصمها اللدود إيران ويحد من قدرة طهران على تمويل حروب بالوكالة ضد مصالح المملكة في المنطقة. كانت تلك مفاضلة صعبة أضرت أيضا بالاقتصاد السعودي. أما الآن، فقد بات الوضع مثاليا للرياض، إذ إن قرار ترمب سيقلص على الأرجح دخل إيران النفطي، في الوقت الذي سيفسح فيه المجال أمام دول الخليج العربية لتعزيز صادراتها من الطاقة. وقالت مونيكا مالك، كبيرة المحللين الاقتصاديين لدى بنك أبوظبي التجاري، إن فرض العقوبات على إيران قد يعود بالنفع على برنامج الإصلاح السعودي الطموح، الذي يهدف إلى خلق فرص عمل وصناعات جديدة فضلا عن خفض عجز ضخم في موازنة الدولة. وأضافت: «ربما تتمكن السعودية من البدء في زيادة إنتاجها النفطي في وقت أضحت فيه أسعار النفط مرتفعة بالفعل، هذا يوفر لهم مزيدا من الأموال لدعم برنامجهم الاستثماري بينما يتقلص العجز». وفي الإمارات قال مسؤول اقتصادي إن قرار ترمب قد يساعد الاقتصادات العربية المصدرة للنفط. مشيرا إلى أن ارتفاع الدخل النفطي من شأنه تعزيز السيولة في القطاع المصرفي الإماراتي، وهو ما يساعد القطاع المالي. وبناء على تلك التقديرات، من المفترض أن يبلغ متوسط إنتاج النفط السعودي 10.20 مليون برميل يوميا هذا العام بدلا من 9.94 مليون برميل يوميا، وأن تؤدي التوترات الجيوسياسية المتزايدة إلى ارتفاع متوسط أسعار الخام هذا العام ثلاثة دولارات للبرميل.الحفاظ على الأسعار وتشير دراسة لمركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أعدها الباحث علي صلاح، تحت عنوان «هل تستطيع أسواق النفط الحفاظ على صعود الأسعار؟»، إلى أن التطورات التي تشهدها أسواق النفط حاليًّا تمثل مظهرًا لأهم تحول في مسيرة وتطور أدائها منذ منتصف عام 2014، إذ إنها تضع نهاية حقيقية للأزمة التي عانتها الأسواق على مدار السنوات الماضية، والتي كانت سببا في تدهور الأسعار إلى مستويات متدنية استثنائية، ومن ناحية أخرى فهي تؤكد على أن الوضع الذي وصلت إليه الأسواق مبني على قواعد صلبة وقابلة للاستمرار في معظمها، بما يرجح بقاء الأسعار عند مستوياتها المرتفعة في الأجل المنظور على أقل تقدير، مع إمكانية ارتفاعها إلى مستويات قياسية جديدة أيضًا. وتزداد فرص حدوث ذلك في ظل النمو المتوقع في الطلب العالمي على النفط في عام 2018، الذي تتوقع منظمة أوبك أن الطلب سينمو بنحو 1.5 مليون برميل يوميًّا، وترجح وكالة الطاقة الدولية أنه سينمو بنحو 1.7 مليون برميل يوميًّا في نفس العام. ويبقى التساؤل الآن حول مدى تأثير التطورات التي تشهدها أسواق النفط الآن، ومستقبلها، على العلاقة بين منتجي النفط التقليديين داخل «أوبك»، وأعضاء المنظمة وغيرهم من المنتجين، وهي العلاقات التي يمثل استقرارها شرطًا لتمكين الأسواق من تحقيق المزيد من المكاسب، لا سيما أن ما حققته الأسواق من مكاسب حتى الآن، هو ثمرة لتعاون «أوبك» وحلفائها، ومكاسب صافية لهم أيضًا. وتخلص الدراسة إلى أنه بشكل عام، فإن تحقيق المزيد من المكاسب خلال الفترة المقبلة قد يؤدي إلى خلخلة علاقات الاتفاق التي جمعت هؤلاء المنتجين تحت مظلة واحدة خلال الفترة الماضية، لا سيما أن الشعور باكتمال المهمة قد يدفع بعضهم إلى التصرف باستقلالية ومن دون تنسيق مع الآخرين، بما يضر بالأسواق ويعيدها إلى المربع الأول. وهو ما يجب أن يسترعي انتباه «أوبك»، صاحبة الفضل الأول فيما آلت إليه الأسواق، حيث يجب عليها أن تستمر في ممارسة نفس الدور، مع توجيه اهتمام خاص لعدة أمور مهمة، أولها ضرورة المحافظة على العلاقات الجيدة التي جمعت المنظمة بروسيا خلال الفترة الماضية. وثانيها، مراقبة السياسات النفطية الإيرانية في ظل العقوبات النفطية الأميركية المزمع فرضها على إيران. وثالثها، التعامل بحذر مع الزيادات المتتالية في إنتاج النفط الأميركي، الذي يتوقع أن يصل إلى 12 مليون برميل يوميًا خلال عام 2019. وفقًا لآخر التقديرات الصادرة من إدارة معلومات الطاقة الأميركية.

مشاركة :