كتب رمضان.. "غريب كامو" (2-30)

  • 5/19/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تبدأ أحداث رواية "الغريب"، الصادرة في عام 1942، للكاتب الفرنسي ألبير كامو، بوفاة والدة البطل الذي يُدعى "ميرسو"، بمشهد يقول فيه السارد المتكلِّم بضمير الأنا: "اليوم ماتت أمي، أو بالأمس، لست أعرف، لقيت تلقيت من الملجأ الذي تقيم فيه برقية هذا نصها: أمكم توفيت، الدفن غدًا، أخلص تعازينا، ولم استطع أن أفهم شيئًا، ربما تكون قد توفيت أمس". منذ البداية رسم كامو ملامح بطله العدمي، الذي لا يعبأ بميعاد وفاة أمه، كما لا يعبأ بالحياة أو الموت، فقد وقف بجوار قبر أمه ينفث دخان سيجارته ويحتسي القهوة، وقد قابل خبر الوفاة بمنتهى البرود واللا مبالاة، حتى إنه لم يتذكر موعد وفاتها على وجه الدقه، ورفض رؤيتها قبل أن يتم دفنها. ومن خلال الأحداث يقوم كامو بإبراز المزيد من المعلومات حول شخصية ميرسو، الذي يتميز بصدق مشاعره وأنه لا يخاف أحدًا، كما أنه غير مهتم بالمجتمع أو بالتواصل والتحدث مع الآخرين، ولا يتمكن من التظاهر بعكس مشاعره الحقيقية، حتى وإن كان الأمر يتعلَّق بأعراف اجتماعية أو إنسانية، فقد تعرَّف على فتاة تدعي "ماريا"، وذلك بعد وفاة والدته، وتعلَّق بها بشكل عاطفي. بعد ذلك تتوالى الأحداث ويظهر "ريموند" الذي يقترب من ميرسو، ويطلب منه أن يساعده في الانتقام من عشيقته العربية التي قامت بخيانته، وبعد أن يقوم بمساعدته، يفاجأ بسعي إخوة العشيقة العرب للانتقام منهما، وفي الوقت الذي كان يقضيه ميرسو على الشاطيء رفقة ماريا ويموند، ينشب شجار بين ريموند وشقيق عشيقته، ينتهى بطعن الأول بسكين، قبل أن يقوم ميرسو بإطلاق الرصاص على أخ العشيقة، وذلك بفعل وهج الشمس الذي التمع في وجهه، فبدا قتلًا عبثيًا، غير مقصود، ولا هدف منه. ويغوص الكاتب في نفسية ميرسو ليكشف أن الحياة والموت لا يعنيان له أي شيء، وأنه على أتم استعداد لارتكاب أي جريمة قتل من أجل لا شيء، لينتهي هذا الأمر بسجنه والحكم عليه بالإعدام، وذلك لعدم شعوره بالذنب وبالتعاطف الكافي إزاء المجتمع. وتعد الرواية في مُنطلقها، وموضوعها، منتمية لتقليد وتيار أدبي برز في النصف الأول من القرن العشرين، هو الأدب العبثي، أو أدب اللا معقول، الذي كان نتاجًا لتغلغل النزعة العدمية في الفكر الغربي، تلك النزعة التي تجسَّدت في المشهد السياسي بحربين عالميتين راح ضحيتهما ملايين البشر، قبل أن تسيطر على المشهد الأدبي، الذي حاول تصوير ملامح الإنسان المعاصر الذي يواجه الضياع والتيه منفردًا.

مشاركة :