تأتي المجموعة الشعرية الثانية للشاعر المغربي حسن الفطاح بعنوان “تراتيل الروح” لترسخ قدم الشاعر في أرض الشعر مترامية الأطراف والأدراج. يتجلى هذا الاعتبار من خلال آليات الاشتغال لدى الشاعر، منها الإبداع بالصورة، حيث نجد أنفسنا أمام تناسل الصور حتى في النص الواحد، إلى حد تحوله إلى صورة واحدة مركبة. ويغلب ظني أن الصورة الشعرية التي ينحتها الشاعر بهذا الشكل تقتضي مجهودا مضاعفا من طرفه، لسبك فواعل شعرية عديدة عاطفية، لغوية، تخييلية وغيرها، في صياغة لغوية إيحائية، أحكم الفطاح سبكها تركيبيا وسياقيا. في الصور/ الإطار الفني، نجد علاقة الذات بآلام وطنها وأمتها جلية، وبالتالي فقصائد هذه المجموعة مشبعة بأنفاس حرّى أو قل زفرات والتي سماها الديوان بـ”تراتيل الروح”، لكنها تراتيل محكومة بخيط تراجيدي، يوحدها في نغمة المأساة التي تلفحك وأنت تتصفح نصوص هذا الديوان. نقرأ من المجموعة، الصادرة عن مطبعة الورود بانزكان بأكادير، في نص “هتاف رمادي”: ورحيق النار يلفح ذاكرة العشق برنين/ الغصة/ وهمس/ الغضب يسل شعرة معاوية من/ خجل/ الشيطان/ ليأتي الماء متلذذا/ وليسكن في نفسه/ صولجان/ الروح… تربط الذات وجودها بوجود الآخر الذي تنتمي إليه تاريخيا وثقافيا. وحين يستلب ويحتل هذا الآخر، يقتضي الأمر البحث عن صيرورات الوجود ولو في الشعر وبه. لهذا نرى الذات سابحة كبوصلة في الزمن، وبالأخص ما يتعلق بشرخ الذاكرة الذي يمتد إلى حاضر لا ملمح له. هنا يطلع سؤال الكينونة لامعا من الألم، الشيء الذي أفرز في هذا الديوان غنائية متشظية، ضمن أنفاس متعددة منها الحوارية بشكل شعري. في هذا الجدل الشعري بين الأنا والآخر، تتخلق القصيدة كلمسات ألم، استنادا على شرارات رؤيوية، أي أن الذات ترقب ذاتها والعالم من نقطة إحساس وإدراك ما. فلنقول إنها الحسرة المتعددة ولو من الذات نفسها التي لا تتجزأ عن محيط عام يسعى إلى قولبتها على غرار مقاساته ومساحاته المعطوبة. ورد في نفس المجموعة، في نص “عبور ولون” قول الشاعر: سآتي/ وأنادي/ بصوت الفوارس/ بحثا عن كل جالس/ أو دامس…/ أو كابس.. أو مختلس/ بلون العيد/ سآتي/ لأعزف النشيد..؟ وعلى الرغم من ذلك، الشاعر في أناه الشعري مصر على القدوم والتحدي دوما عبر احتمال مستقبلي. فالأمل هنا يولد من الجفاف الروحي والمعاناة التي تفضي جدلا إلى الاغتراب، الغربة في واقع يتفتت باستمرار، مما أدى إلى تشكيل هذه الغربة كسمفونية تؤسس لنغمة الفقد والأسى عبر دوال عديدة؛ منها كما أسلفنا الصورة والسياق الشعري، إضافة إلى كيفية توزيع الكلام داخل بياض الصفحة كمكان أيضا يمكن أن يساهم في بناء الدلالة، من خلال تبئير بعض الكلمات تبعا للفيض الشعوري والشعري أيضا. لهذا يبدو أن للذات فضاءها الخاص الذي تتناثر ضمنه كلمحات وإشارات، تأسيسا لمقام البوح. يمتلك الشاعر حسن الفطاح آلياته، تأسيسا لخصوصيته في الكتابة الشعرية المفتقدة اليوم؛ من خلال علاقته بالكلمات التي تغدو كائنات شعرية يخرجها من رتابة وابتذال الاستعمال لتغدو مدهشة ضمن سياق ومجال آخر، فتبزغ الصورة التي تسوق المختلف، ليغدو مؤتلفا أكثر في الصياغة الشعرية. ولي اليقين أن الشاعر سيتوغل أكثر في جملته الشعرية، لينفضها من الزوائد والحواشي التي لا تقول شيئا، وقد تشوش على النفس الغنائي الصافي.
مشاركة :