اعتاد المشاهد العربي، على مفردات اللهجة المصرية المحببة والتي يسمعها في الأفلام والمسلسلات، وحفظ الكثير منها، وبات يتقنها نطقاً ويعرف معناها المتداول. إلا أن الكثير من هذه المفردات المصرية، والتي ظنّها البعض عامية، هي في الحقيقة من قلب اللغة العربية الفصحى.
ومن الكلمات التي اعتادها المشاهد العربي لدى متابعته الأعمال الدرامية المصرية منذ عقود، نجد كلمة "برطم وبيبرطم". فسنجد أن البرطمة في اللغة العربية الفصحى، تشير إلى الغضب والغيظ.
بُص.. والبسيسة والبرطمة
وبرطم، البراطم والبرطام، الرجل الضخم الشفة، والبرطمة انتفاخٌ في عبوس وغيظ. والبرطمة الانتفاخ من الغضب. وتبرطم الرجلُ أي تغضّب من كلام، وكذلك إذا أدلى شفتيه من الغضب.
ومن الكلمات المصرية واسعة الانتشار، نجد "البسيسة" وهي من الأكل الحلو المذاق، وتسمى في الشام "النمّورة" أو "الهريسة". فسنجد أن البسيسة المصرية قادمة من قلب الفصحى.
البسيسة من بسّ الدقيق، خلطه. والبسّ اتخاذ البسيسة، وهي عجينة مؤلفة من دقيق وزيت أو سمن. ومن أسماء مكة المكرمة "الباسّة" لأنها تحطّم من أخطأ فيها، ينقل لسان العرب. وترد في العامية المصرية قولة: "إنتا بتبسبسلي؟" من البسبسة، وهي من أرض العربية الفصحى أيضاً.
وبس بس، ضرب من زجر الإبل. وبسستها إذا سقتها وزجرتها وقلت لها: بِس بِس!
وأبسست الناقة عند حلبها، وهو صوت الراعي تسكن به الناقة عند الحلب. ومنه ناقةٌ بسوسٌ، استجابت للبسبسة، فدرّت (حليبها). وقيل إنها الناقة التي لا تدرّ إلا بالبسّ. والبسوس ناقة تدرّ عند البس بها، ولهذا سميت البسوس. والإبساس هو مسح ضرع الناقة، فتسكن وتدرّ. ومن أسماء الرعاة، البسس، تبعا لهذا. بسّ الإبل بساً، ساقها.
ولعل من أشهر العاميات المصريات، كلمة "بُص" بمعنى انظر وتمعّن. وهي غاية في الفصاحة أيضاً.
فبصّ، بصّ القوم، وبصّ الشيء، برق وتلألأ. والبصاصة العين في بعض اللغات، يقول لسان العرب. وبصّص: فتح عينيه.
ويقال في المصرية، عن الشيء المتقن، "معمول بالبكلة" أو على البكلة. وهي من الفصيح الصحيح.
فالبكل هو الخلط، الجمع، ومنه البكيلة، أكل مخلوط. وبكل يبكل بكلاً، ويقال للغنم إذا خالط غنماً أخرى. وبكل علينا حديثه خلطه وجاء به على غير وجهه. وتبكّل الرجل، خلط في كلامه. والمتبكّل، هو الذي يخلط في كلامه. وتستعمل للدمج والإدخال الدقيق، كما في المكان الذي يستقر به زرّ القميص، وهو البكلة الدارجة التي يجب أن تكون بحجم يمنع من خروج الزرّ، بسهولة. ومن هنا تعبير الشيء المعمول بدقة: "معمول بالبكلة أو على البكلة".
خُش والخرابيش والدبلة
ومن المصريات العاميات الشهيرات، الخربشة والخرابيش، وتقال عادة في الخط المكتوب غير المنتظم، وهي قادمة من أرض الفصحى، هي الأخرى.
والخربشة، خربشَ الكتاب خربشة، أفسده. وخربشة العمل، إفساده. وخرابيش الخط: ما أفسد منه.
ثم أشهر فعل نسمعه في الدارج المصري، وهي كلمة تقال بقصد إدخال شخص إلى البيت، وهي كلمة "خُش" أي ادخل. ولها مصدر فصيح كامل.
خش: المخشّ: هو الذي يخالط الناس، ويأكل معهم، ويتحدث. وخششت البعير: جعلت في أنفه الخشاش، والمخشوش: مشتق من خشّ الشيء إذا دخل فيه. وخشّوا في كذا وكذا، أي أدخِلوا.
وكلمة "الدبلة" المصرية التي يشار بها إلى خاتم الخطوبة والزواج. فلها أصل في الفصيح، ويعني الجمع والتدوير والتكبير، عبر فعل يقترن عادة بحركة الأصابع.
دبل الدبلة: ضرب دبلاً، جمعه كما يجمع اللقمة بأصابعه، والتدبيل الجمع. دبلت الشيء، كتّلته. ودبل البعير إذا امتلأ شحماً ولحماً.
صايع وهُسّ ويتقصّع
وكلمة "صايع" التي تعوّدها المشاهد العربي، في المحكية المصرية، قادمة من أصل فصيح يحمل معنى الاضطراب والتفريق والضياع.
صايع، والصيع من قولهم: تصيع الماء، إذا اضطربت على وجه الأرض. وتصيّع النبات، هاجَ. أصيّعه صيعاً: فرّقته. وصاع الغنم: فرّقها. صعتُ القوم صيعاً: حملت بعضهم على بعض. وصاع يصيع.
ثم: "هُس" بمعنى أمر بإيقاف الصوت، وترد كثيرا في المحكي المصري القادم من عمق الفصحى.
فهس يهسّ بالكلام، أخفاه. والهسّ زجر الغنم. والهسيس: الكلام الخفي الذي لا يفهم. والهسهسة صوت حركة الرِّجل.
وتأتي عبارة كثيرا ما نسمعها في الدراما المصرية، وهي تعبير ينتقد أسلوب حياة شخص ما، فيقال له: "ماشي بيتقصّع" أو لها: "ماشية بتتقصّع" كدلالة على حركة مشي يقصد منها الاعتراض على أسلوب حياة الشخص. وهي من الفصحى.
فقصع فلاناً يقصعه قصعاً، صغّره وحقّره، وقمعه قمعاً. وقصع الغلام، ضربه. وغلام مقصوع وقصيع، لا يشبّ ولا يزداد. وقصيع تقال للصبي إذا كان بطيء الشباب. وقصعه قصعة: دفعه وكسره.