يحلو لمحبيه ولأصدقائه تسميته بـ«شاعر الفل»، فطالما تميزت أبياته بالجاذبية التي وصل عبق أريجها إلى سامعيها وقرائها، بدأ حياته معلماً الى أن تقاعد بعد حياة مهنية استغرقت ردحاً من الزمن، تفرغ بعدها لموهبته الشعرية والكتابية، التي كان نتاجها مجموعات شعرية، هي على التوالي: رحلة الأمس، والصوت والصدى، تلتهما يوم كنا - أوراق متناثرة من تقويم قديم - فوقفات على عقارب الزوال، ومزاز الخلخال، وأخيراً مسامرات أدبية تحمل عنوان «نخر السيل». الحربي قال في حوار مع «الحياة» إنه لم يسبق له أن كتب الشعر في رمضان، ويبتسم وهو يتحدث عن الأسباب التي يتوقعها لذلك، قائلاً: «ربما شيطان شعري مصفد»، فإلى الحوار: > شهر رمضان.. ما بين كونه شهراً ذا روحانية خاصة، وما بين تعزيز للتقارب وقيمة التسامح، إلا أنه محطة للذكريات، ما الذي يحمله هذا الشهر في ذاكرة الشاعر أحمد الحربي؟ - كثيرة هي الذكريات في شهر رمضان المبارك، سأذكر موقفين طريفين وأعتبرهما مدخلاً باسماً لبقية المحاور. الموقف الأول عندما كنت طالباً في الصف الرابع الابتدائي، وبدأ والدي يعلمنا الصوم، صمت من بعد السحور حتى منتصف النهار، ثم أفطرت على بسكوت وماء من دون أن يراني أحد وأكملت صومي حتى المغرب. الموقف الثاني عندما كنت في الولايات المتحدة الأميركية، في أول يوم صمته هناك لم نكن نسمع الأذان فأفطرت عند سماع أذان المغرب من مكة المكرمة، غير أن صديقي الذي يسكن بالجوار ذكرني بأن الشمس في رابعة النهار ومتبقٍ على غروبها حوالى ثلاث ساعات. > التعليم في المملكة تحت المجهر ما بين تنظير ونقد وانتقاد.. ما الأمر الذي يتبادر إلى ذهنك حين تسمع أو تقرأ أمراً عن التعليم لدينا؟ - التعليم في المملكة يمر بمراحل انتقالية بحثاً عن التقدم والتطور في البرامج التعليمية والاندماج مع الدول المتقدمة تعليمياً وتربوياً، للاستفادة من التجارب الناجحة، لكن سوء التطبيق أحدث خللاً كبيراً في الأداء والتلقي، فجاءت المخرجات هزيلة لا ترضي طموحات القائمين على العملية التعليمية، لذا عندما نقرأ أو نسمع نقداً أو انتقاداً للتعليم نحنّ إلى نظام المعارف القديم ومناهجه التي استطاعت أن تثقف الأجيال الأولى، الذين حملوا على عاتقهم بناء المؤسسة التعليمية في المملكة. > كتابة التاريخ واستعراض أحداثه وتوثيق ما جاء فيه عادة - إن لم تكن غالباً - تركن الى العاطفة وتخلو من التعامل معها من باب علمي.. تعليقك؟ - للتاريخ قدرة عجيبة على مخاتلة القارئ العادي، وله قدرة فائقة على مخادعة المعجبين به من المؤرخين، والكتاب، والمؤلفين، وفطرتنا الإنسانية دائما تحنّ إلى الماضي لنستعيد منه بعض لحظاتنا الهاربة متمنين أن تعود بنا الحياة إلى الوراء قليلاً، وهذا الأمر له ما يبرره من الناحية النفسية والعاطفية، فالتاريخ ذاكرة الشعوب التي تتكئ عليها المجتمعات في معرفة هويتها وثقافتها وعاداتها وتقاليدها وأعرافها، فضلاً عن القيم الرمزية التاريخية التي يمثلها في وجدان الأمم، فمن المهم أن يعود الإنسان إلى الماضي ويهتم بتاريخه، ويدونه للرجوع إليه كلما احتاج ذلك، ولا ننفي أهمية الحاضر الذي نعيشه بكل حالاته، فضلاً عن التأثر به والتأثير فيه ثقافياً واجتماعياً، وعلى قدر الشكر الذي يستحقه المؤرخون المنصفون المتجردون من الأهواء لحفظهم التراث الإنساني وتاريخ البشرية قديمه وحديثه، إلا أن بعض المؤرخين - للأسف - يجنون بأهوائهم على بعض التاريخ في مصنفاتهم التي امتلأت بالمغالطات المقصودة وغير المقصودة، ولا تخلو الحال من أقلام المنصفين الذين يحاولون تنقيته مما علق به من كذب وزيف وهوى. > على رغم كونك شاعراً، إلا أن لك إسهامات في كتابة المقالة.. متى يجد الشاعر أن المقالة تستحق التعبير عنها شعراً؟ ومتى يختار الكلمات بدلاً عن الشعر؟ - الشاعر ضمير المجتمع، وعندما يكتب المقالة تطغى على كتاباته النثرية طبيعته الشعرية التي تذهب به إلى سماوات الإبداع، لكنه يفرّق جيداً بين المتخيل والواقع، ولا ينسى ما تحتاجه الكتابة النثرية عند رصد الأحداث والتعبير عن المجتمع ومطالبه وبث رسائل مهمة لحل مشكلاته من خلال المقالة، وهي أحد الأجناس الأدبية التي تعبّر عن وجدان الكاتب وتوجهاته السياسية والاجتماعية. > قال كافكا: «إن الكتاب الجيد كمعول يحطم الجليد بداخلنا»، ما الكتاب الذي غيّر في حياتك؟ ولماذا؟ - ليس هناك أهم من (القرآن الكريم)، من قرأه بتدبر لا بد أن تتغير حياته للأفضل، وهناك كتب قيمة تسهم في تشكيل وجداننا وتعزز ثقافتنا، وتعلقت بكتب الفلسفة في بداياتي، ودخلت من خلالها إلى الفكر الإسلامي والعربي، ولن أحدد كتاباً بعينه، بل هناك مجموعة من الكتب أحدثت نقلة نوعية في نمط حياتي. > كيف تقضي يومك الرمضاني كشاعر، أو كاتب؟ - أقضي يومي بصورة اعتيادية كما في غير رمضان، لأنني لست من هواة السهر، فأنام جزءاً من الليل ما يجعلني أستيقظ مبكراً، فأقرأ ما تيسر من القرآن، وأتصفح الصحف اليومية وأتابع الأخبار، وبعد الظهر آخذ قسطاً من الراحة (القيلولة) إلى العصر، ولا أذكر أنني كتبت شعراً في رمضان، فربما شيطان شعري يصطف مع المصفدين، لكنني أقرأ كتباً أدبية وتاريخية مع قراءة القرآن الكريم. > رمضان كريم لمن تقولها؟ - أقولها لكل المجتمع المسلم المسالم المتصالح مع نفسه والبعيد عن الطائفية والعنصرية، وأقولها لكل الأحباب في مختلف البلدان العربية والإسلامية الذين تهفو قلوبهم إلى مكة، وأقولها لك يا صديقي. > هل تنتظر شيئاً من المؤسسات الثقافية؟ - المؤسسات الثقافية بشكلها العام مازالت محط أنظار المثقفين وينتظرون منها الكثير، لكنها في شكلها الحالي تحت مظلة هيئة الثقافة والترفيه مازال الوقت مبكراً على الحكم القطعي، وإن كانت هناك إضاءات بسيطة مثل كوة مفتوحة في آخر النفق، لعلها تزرع أملاً في المؤسسات الثقافية لتقوم وتنهض من جديد وتقدم ما يشفع لها بالبقاء. > هل كتبت شعراً في رمضان؟ - شهر رمضان من أحب الشهور إلى قلبي، يكثر فيه نشاطي، وتزيد فيه ساعات عملي، وتتعدد فيه قراءتي، ومهما سهرت لياليه لا أنام النهار، فدائماً أصحو مبكراً في وقتي المعتاد أو قريباً منه، المدهش في الأمر أني طوال حياتي الأدبية لم أكتب شعراً في رمضان، ربما يعود ذلك لإيمان عقلي الباطن بأن شياطين الشعر مصفدون، أو لأن قراءتي في رمضان بعيدة عن الأدب، فهي تقتصر على القرآن والتفسير والسيرة النبوية. > ما تأثير الثقافة في رمضان وما تأثير رمضان في الثقافة؟ - شهر رمضان له عالمه الخاص، وله ثقافته الخاصة في كل البلاد الإسلامية، لما يقدم فيه من برامج دينية تثري أيامه ولياليه، وتأثير رمضان الإيجابي في الحركة الثقافية قليل جداً لا يكاد يذكر، ولن نقول له تأثير سلبي في الثقافة والفنون بصفة عامة، لأن هناك جانباً فنياً يتكرر كل عام، كالمسلسلات التلفزيونية التي تقدم أعمالاً درامية فنية تجذب عدداً كبيراً من المشاهدين. > و ما الذي تبقى من شهر رمضان في ذاكرة الشاعر أحمد الحربي؟ - من المواقف الخالدة التي لا تنسى رؤيتي أمي رحمها الله وهي عاصبة رأسها وتعد الإفطار في بناية من الطين، بلا سقف، والطقس حار جداً، وأحياناً يدهمها الغبار قبل أن تغطي التنور (الميفا).
مشاركة :