في سياق هذه الدراسة، التي تناولناها في مقالنا المنشور على هذه الصفحة في 25 /3، وفي عرضنا لحالات التعارض التي يرزأ بها هذا القانون، دون تحديد للأفعال التي يعاقب عليها، الأمر الذي ينتفي معه الركن المادي للجريمة فإنه لا عقاب إلا على الأفعال وفقا لنص المادة (32) من الدستور. ولئن كانت الأفعال المعاقب عليها في هذا القانون يفترض أن تكون عملا يرتكبه الخاضع للقانون في حالة من حالات التعارض في المصالح، أو امتناعا عن عمل توجبه عليه واجبات وظيفته لحماية المال العام فيتخلف عن أدائه، وهو في حالة من هذه الحالات، بقصد أن يؤدي هذا العمل أو الامتناع عنه تحقيق كسب غير مشروع له أو لغيره، إلا أن ما يوجبه القانون على الخاضع من التزامات عرضنا لبعضها فيما تقدم من هذه الدراسة وهي لا تمثل إلا حالات تنقصها أفعال. ويستوقفنا من مواد هذا القانون المادة 5 منه، والتي هي المحور الأساسي فيه، والتي بدأنا بها هذه الدراسة، فيما تنص عليه من أنه: "في حالة قيام إحدى حالات تعارض المصالح يتعين على الخاضع الإفصاح عن هذه الحالة وفقا للضوابط المبينة في هذا القانون، وله في ذلك إزالة هذا التعارض إما بالتنازل عن المصلحة أو ترك المنصب أو ترك الوظيفة العامة". ومؤدى أحكام هذه المادة أنها فيما أوجبته على الخاضع لأحكام هذا القانون من التزامات هي الإفصاح عن حالة من حالات التعارض الواردة في القانون أو في غيرها مما ينطبق عليه تعريف هذه الحالات الواردة في المادة الأولى منه. مفهوم القانون للإفصاح حيث تعرف المادة الأولى من قانون حظر تعارض المصالح الإفصاح في تطبيق أحكام هذا القانون بأنه: الكشف عن أية معلومات أو حقائق أو تفاصيل من قبل الخاضع عند قيام حالة من حالات تعارض المصالح. وتعهد المادة (6) من القانون إلى اللائحة التنفيذية بتحديد الجهة المنوط بها تلقي الإفصاح من الخاضع وتحديد طرق الإفصاح ووسيلته وتوقيته، وكذا إجراءات تقديمه مع مراعاة سهولة هذه الإجراءات والحفاظ على سرية محتواه. وتوجب المادة (7) من القانون عرض حالة تعارض المصالح التي تقوم عليها دلائل كافية على لجان الفحص المنصوص عليها في القانون رقم 2 لسنة 2016 في شأن الهيئة العامة لمكافحة الفساد. خلط مع الكشف عن الذمة المالية ويكشف تعريف المادة الأولى من القانون رقم 13 لسنة 2018 للإفصاح عن حالة تعارض المصالح، ونص المادتين 6 و7 من هذا القانون، أن القانون يصدر في فكره الجزائي عن فهم مختلف لصحيح فكرة تعارض المصالح، فهو يخلط بينها وبين جريمة الكسب غير المشروع، فالتعارض أمر ليس مدانا في ذاته كما قدمنا في صدر هذه الدراسة في سياق عرض مدونة الأمم المتحدة والمدونة الأوروبية عن سلوك الموظفين. وبالتالي فإن تعريف الإفصاح في هذا القانون يختلف اختلافا كاملا عن الكشف عن الذمة المالية، في تطبيق القانون رقم 2 لسنة 2016 المشار إليه، بما يجعل تجريم القانون رقم 13 لسنة 2018 عدم الإفصاح في ذاته ودون اتصاله بفعل يجرمه القانون أو بقصد إجرامي هو إفراط في المساءلة الجنائية يتأبى على مبدأ شرعية التجريم والعقاب. ولارتباط تعريف الإفصاح بحالة تعارض المصالح فقد ألزم المشرع نفسه في المادة الأولى بتعريف لحالات التعارض في تطبيقه فيما نصت عليه من حالتين اعتبر القانون كل حالة منهما مستقلة عن الحالة الأخرى. الحالة الأولى: كل حالة يكون للخاضع منفعة أو فائدة أو مصلحة مادية أو معنوية. الحالة الثانية: كل حالة تكون سببا لكسب غير مشروع لنفسه أو لغيره، والواقع من الأمر أن الحالتين ترتبطان ارتباطا لا يقبل التجزئة أو الفصل بينهما، فتعريف حالة التعارض لا يستقيم إلا بارتباطهما على خلاف ما ورد في القانون من الفصل بينهما باستخدام (أو). ولهذا أرجو من الحكومة والمجلس استدراك الأمر بتصحيح يصدر به استدراك في الجريدة الرسمية. فالتعارض كما قدمنا أمر عارض ليس مدانا في ذاته، يحدث للموظف العام في أي وقت وربما عشرات المرات، وما يستوجبه الأداء النزيه لوظيفته، هو تنحي الموظف العام عن التصرف محل التعارض ليتولاه غيره، بعد أن يفصح لرئيسه أو للجنة أو المجلس الذي يضمه وآخرين عن حالة التعارض التي توجد لديه والتي تمنعه من المشاركة في الفصل في المسألة محل التعارض. ولعل أفضل تعريف لتعارض المصالح هو ما عرفته به لجنة وزراء مجلس أوروبا في المدونة النموذجية لقواعد سلوك الموظفين العموميين بقرار المجلس الصادر في 11 مايو سنة 2000، بأنه "الناشئ عن حالة يجد فيها الموظف أن له مصلحة خاصة أو يبدو أنها تؤثر على الأداء النزيه الموضوعي لواجبات وظيفته". وما عرفته الاتفاقية المشتركة بين الدول الأميركية لمكافحة الفساد التي اعتمدتها منظمة الدول الأميركية في الثالث من مارس، عام 1996 في فنزويلا، بأن تعارض المصالح يتمثل في أي فعل أو إغفال في أداء واجباته من قبل موظف عمومي أو شخص يؤدي وظائف عمومية لغرض الحصول على فوائد غير مشروعة لنفسه أو لطرف ثالث. وإن تعارض المصالح يحدث عندما تتأثر موضوعية قرار موظف عام واستقلاليته بمصلحة شخصية له مادية أو معنوية، تهمه هو شخصيا أو أحد أقربائه أو أصدقائه المقربين، أو حين يتأثر أداؤه للوظفية العامة باعتبارات شخصية مباشرة أو غير مباشرة. التداعيات الدستورية لتجريم عدم الإفصاح وهي التداعيات على حقوق دستورية كفلها الدستور للناس كافة، منها ما تنص عليه المادة (30) من أن الحرية الشخصية مكفولة، وهو ما يوصم تجريم عدم إفصاح الموظف العام أو من في حكمه عن أموال زوجته أو الزوجة عن أموال زوجها بالعدوان على الحرية الشخصية، فضلا عن أن الزوج قد لا يعلم بما لدى زوجته من أموال، وقد لا تعلم الزوجة كذلك بما لدى زوجها من أموال بما ينطوي إلزام أيهما بالإفصاح عن أموال الآخر، على مخالفة لأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية التي تجعل للزوجة ذمة مالية مستقلة، وفي هذا السياق يقول الرسول- صلى الله عليه وسلم-: "لا يؤخذ الرجل بجريرة أبيه ولا بجريرة أخيه". فضلا عما ينطوي عليه ذلك من مساس بالحرية الشخصية التي صانها الدستور في المادة (30) والتي يتفرع عنها الحق في الخصوصية في الروابط الأسرية، التي يحرص المشرع العقابي أيضا على احترام خصوصياتها، حتى أنه يجعل هذه الروابط مانعا من العقاب في بعض الجرائم التي تقع بين الزوجين عندما يجعل قيام الجريمة رهنا بشكوى من المجني عليه، كما تنص عليه المادة 14 من قانون الإجراءات الجزائية على عقاب من يمتنع عن التبليغ عن جريمة شهد ارتكابها أو علم بوقوعها ممالأة منه للمتهمين بعقوبة الامتناع عن الشهادة، فقد نصت هذه المادة على عدم جريان هذا الحكم على زوج أي شخص له يد في ارتكاب هذه الجريمة وعلى أصوله أو فروعه. وهو ما يطرح سؤالا هو: هل عدم الإفصاح يعتبر في ذاته فعلا إجرامياً ولو لم يرتبط به قصد جنائي؟ وهو سؤال مشروع يحسن أن تكون الإجابة عنه واضحة.
مشاركة :