لا يقتصر دور الباحث في مجال جمع الشعر القديم على جمع قصائد الشاعر من مصادرها المتفرقة وترتيبها، فمهمّته مُركبة من أدوار مُتنوّعة يؤدّي الإخلال بأحدها إلى وجود نقص في العمل وفي قيمته الأدبية والمعرفية. فدور الشارح، وهو أحد الأدوار فقط، يتطلب الإلمام به مهارات مُتعدّدة وثقافة واسعة لا يُلم بها إلا قليل من الباحثين، فالقدرة على شرح الألفاظ شرحاً لغوياً ليست هي المهارة الوحيدة التي يحتاجها الشارح، بل يحتاج إلى العديد من المهارات التي تمكّنه من فهم الصور الغامضة وتوضيحها للقارئ ولو بشكل موجز، وتحليل الصور الشعرية وتوضيح جمالياتها دورٌ مُهم يتقاطع فيه الشارح مع دور الناقد الأدبي. ومن الصعوبات التي تعترض طريق شارح الشعر الشعبي القديم على وجه الخصوص لجوء الشعراء إلى استخدام أساليب رمزية تُحقق أغراضهم، كاستخدامهم لنظام التلغيز بالرمز في قصائدهم الغزلية، فالشاعر يُخفي اسم محبوبته لأسباب مُختلفة تاركاً بعض الرموز التي قد تُعين المتلقي على استنباط الاسم، وهذا النظام كما ذكر الشيخ عبدالله بن خميس (تـ1432هـ) رحمه الله: "قلّ من يُعنى به، أو يشغل نفسه بمعرفته، إلا شاعراً أو راوية للشعر، أو ذا ولع به"، ونُضيف إليهم الشارح الذي تسلّم الراية وأخذ دور راوي الشعر بعد شيوع التدوين. فعندما يقول الشاعر محسن الهزاني في إحدى غزلياته: اسمها في سوق هجرٍ ريح عود فصّ ياقوتٍ ثمين الفٍ وزود بلادها الحوطة عسى سيله يجود فوقها ينهلّ وبل المرزمات سيجد القارئ صعوبة في تخمين اسم محبوبة الشاعر، لكن جامع الديوان وشارحه الأستاذ إبراهيم الخالدي يكفيه مشقة البحث فيقول في شرح البيت: "من البيتين السابقين استنتجت أنه يتغزل بفتاة تدعى مريم، فالميم من كلمة هجر وهي مدينة، والراء من ريح عود وهو من الرياحين، والياء من كلمة ياقوت، والميم من الحوطة وهي مدينة، وهذا النوع من التلغيز يسمى لدى البدو "الريحاني". وقد يرد في قصائد الشاعر ذكر لأعلام ومواضع جغرافية وأحداث تاريخية، كما قد ترد مصطلحات تراثية مندثرة يؤدي تجاوزها دون توضيح لنقص في عمل الباحث، يُضاف لها العديد من المصاعب التي لا يلتفت لها الباحث عندما يشرع في جمع المادة الشعرية، كما لا يُعنى أدنى عناية بالإشارة إلى المنهجية التي سيتبعها في شرح قصائد الديوان، وينتج عن كل ذلك خروج عمل ذي مستوى ضعيف. أخيراً يقول عكاش العتيبي: يا صاحبي في وقفتك كيف أجازيك وأنا أدري إنك ما تدوّر عوضها ما يجعل الأحرار مثل المماليك إلا معاريف الرجال فـ بعضها