نشرت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية تقريريا مطولا كشفت فيه بالتفصيل أبعاد الدور الإيراني بدعم الجماعات الإرهابية في البحرين. ونقلت الصحيفة اعترافات ادلى بها معتقلون في البحرين للصحيفة شرحوا فيها تلقيهم التدريبات في إيران والعراق، وكيف يتلقون الأوامر من طهران بتنفيذ عمليات إرهابية. وقال تقرير الصحيفة الذي كتبه ثلاثة من محرريها ان الدور الإيراني في دعم الجماعات المسلحة في البحرين يمثل تحديا للإدارة الأمريكية في اطار سعيها لمواجهة المليشيات العميلة لإيران في المنطقة. وذكر تقرير الصحيفة أن إدارة ترامب تعهدت باتخاذ إجراءات صارمة ضد دعم إيران للمليشيات المسلحة عبر الشرق الأوسط، لكن التمرد في البحرين يمثل تحديا مختلفا للولايات المتحدة التي ترصد زيادة حجمه خلال العام الماضي. وألقى التقرير الضوء على الدعم الإيراني للجماعات المسلحة في البحرين، ومحاولات طهران عن طريق مليشياتها التي تتزايد قوتها، رغم ضربات السلطات، إزاحة النظام السني من الحكم والسيطرة على البلاد بأقل تكاليف ممكنة، عن طريق دعم لمليشياتها ليس كبيرا كما الحال في الدول الأخرى، لكنه ثابت ودائم. وينقل عن المسؤولين الأمريكيين قولهم إن البحرين بقوتها الأمنية تعتبر «بيئة غير مواتية للجماعات المرتبطة بإيران»، التي تتمتع بحرية أكبر في البلدان الأخرى. ونقلت الصحيفة عن «مايكل نايتس» الباحث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى قوله: «ما تظهره البحرين أن إيران تستخدم صيغًا مختلفة لدعم وكلائها في كل بيئة.. الأساليب الإيرانية المتكيفة في كل منطقة تعني أن الولايات المتحدة تحتاج إلى الاستجابة بمرونة لتحدي طهران». وقال السفير الأمريكي السابق في البحرين «توماس كراجيسكي»، الذي كان في المنصب منذ عام 2011 حتى 2014، إن المسؤولين الأمريكيين اكتشفوا في البداية الدور الإيراني عندما بدأت قوات الأمن تستهدف بهجمات منعزلة شملت قنابل محلية الصنع. وفي السنوات التي تلت ذلك، تحركت البحرين لعرقلة الخلايا المشبوهة ومنع النشطاء والأسلحة من التدفق إلى البلاد، ويقول المسؤولون الأمريكيون والبحرينيون إن المزيد من المضبوطات الأخيرة شملت كميات كبيرة من المتفجرات من طراز «سي -4» وأسلحة متطورة شبيهة بالأسلحة التي تدعم بها إيران مليشياتها والمستخدمة ضد الأمريكيين في العراق بعد عام 2003. وأوضح مسؤولون أمريكيون، أن التوجيه الإيراني ربما ساعد في ضمان عدم استهداف المصالح الأمريكية في البحرين، التي تعد موطنا لأسطول البحرية الأمريكية الخامس وآلاف من أعضاء الخدمة الأمريكية، وهو مؤشر محتمل على رغبة إيران في تجنب المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة. وذكر التقرير ان الجماعات المسلحة تعمل في إطار «خلايا سرية، ومنفصلة»، من أجل تنفيذ «هجمات محدودة» ضد القوات الأمنية البحرينية، وذلك خلافًا لواقع الحال في سوريا والعراق ولبنان، حيث «تتمتع القوات الكبيرة (للجماعات) المدعومة إيرانيًّا، بأسلحة ثقيلة، وتمارس نفوذًا سياسيا متزايدًا». وأضافت «واشنطن بوست»، أن المسؤولين الأمريكيين يرون أن «دعم (طهران) للمسلحين البحرينيين، يوفر فرصة منخفضة الكلفة لإيران الشيعية، من أجل تحقيق أهدافها، في وقت تتولى فيه توجيه جهدها العسكري الرئيسي إلى أمكنة أخرى»، في إشارة إلى دور إيران في سوريا والعراق واليمن ولبنان. ففي لبنان بات «حزب الله، القوة الأكثر فاعلية» في البلاد، و«الوكيل (الإقليمي) الأكبر» لإيران، في ظل حيازته «ترسانة ضخمة من الصواريخ»، و«جيش متفرغ، يبلغ عديده 6 آلاف جندي على الأقل». وفي سوريا المجاورة، فقد «أسهم نشر إيران لعناصر الحرس الثوري الإسلامي، إلى جانب شحنات الأسلحة التي قدمتها، في دعم تحويل مسار الحرب الأهلية لصالح الرئيس بشار الأسد». كذلك، في العراق، «فقد تمكنت المليشيات، المدعومة من إيران، من حصد نفوذ سياسي أكبر». أما في اليمن، فإن «عددًا قليلاً من المستشارين العسكريين التابعين لإيران، وحزب الله، يساعدون قوات الحوثي على استخدام أسلحة إيرانية متطورة، مثل صاروخ قيام»، الذي استخدم في ضرب المملكة العربية السعودية. ومن هذا المنطلق، أفاد الباحث في «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»، مايكل نايتس، بأن «ما تظهره (حالة) البحرين، هو أن إيران تستخدم صيغًا مختلفة، لدعم وكلائها في كل بيئة عملياتية»، مضيفًا أن «مناهج وأساليب إيران التكيفية للعمل بحسب ظروف كل بلد، تعني أن الولايات المتحدة بحاجة إلى الاستجابة بشكل مرن، إزاء التحدي الإيراني»، ولا سيما أن الإدارة الأمريكية تضع ملف إيران، ودورها العسكري خارج الحدود في صلب استراتيجيتها الشرق أوسطية، وباتت توجه اهتماماتها للتعامل مع «شبكة الوكلاء الإقليميين» لطهران. واعتبر نايتس، أن أسلوب المسلحين البحرينيين، القائم على تنفيذ الهجمات باستخدام الأسلحة الخفيفة، والعبوات المرتجلة، «يشير إلى لعبة إيران، الطويلة الأمد في البحرين، مشيرا إلى أن السلطات اكدت وقوع 22 قتيلاً، وزهاء 3500 جريح، منذ عام 2011. وتتحدث الصحيفة الأمريكية عن مقاربة كل من المنامة وواشنطن للدور الإيراني في البحرين. ونقلت عن مسؤولين أمريكيين وبحرينيين قولهم إن «عناصر الجيش الإيراني لم يشاهدوا علانية في البحرين، كما ظهروا في سوريا والعراق»، معتبرين أن أسلوب إيران في العمل على الساحة البحرينية «يعكس الكيفية التي عمدت من خلالها إيران إلى تكييف نهجها في العمل داخل المملكة، المحكمة أمنيًّا»، ذلك أن طهران لجأت إلى «تدريب المسلحين خارج البلاد، غالبًا على مدار عدة أيام في كل من العراق وإيران». وأوردت الصحيفة حديث مسؤول أمريكي، رفض الكشف عن اسمه، عن «علاقة مرنة»، تجمع بين إيران والمسلحين البحرينيين على صعيد القيادة، والسيطرة. ونشرت «واشنطن بوست»، إفادة عدد من المعتقلين البحرينيين، على ذمة قضايا أمنية، ممن سمح لها بإجراء مقابلة معهم، مشيرة إلى ان تلك المقابلات تمت من دون حضور موظفين حكوميين، أو محامين، علما أن البعض من هؤلاء المعتقلين تمت إدانته والبعض الآخر مازال قيد المحاكمة. وعلى هذا الأساس، أوردت الصحيفة قصة أحد المعتقلين، والذي طلب التعريف عن نفسه باسم إبراهيم، حيث أقر بأنه «سافر إلى إيران لمدة أربعة أيام من أجل التدرب (على استخدام الأسلحة)»، إثر تجنيده من قبل أحد أصدقائه في عام 2011، مضيفًا أنه «تلقى اتصالاً، وبعد مرور نحو ست سنوات على عودته إلى البحرين في عام 2017، حثه على القتال»، وقال انه سافر إلى إيران في عام 2017، حيث أمضى جزءًا من فترة إقامته هناك، في منشأة تدريب عسكري صغيرة، أتقن فيها طريقة تركيب المتفجرات، واستخدام البنادق من طراز Ak-47. (كلاشينكوف)، إلى جانب استخدام القذائف الصاروخية، وأسلحة أخرى»، قبل أن يعود إلى البحرين، حيث عمد إلى استئجار شقة سكنية، وتأسيس ورشة صغيرة لتصنيع القنابل فيها، بالتعاون مع جهات داخل إيران، كان قد تواصل معها، وصولاً إلى تنفيذ سلسلة من الهجمات ضد إحدى دوريات الشرطة البحرينية، أسفرت عن مقتل شرطي على الأقل. وذكرت «واشنطن بوست» أن «معتقلين آخرين، أفادوا بروايات مشابهة» لتلك التي رواها إبراهيم، مشيرة إلى أوجه تقاطع في تلك الروايات، لناحية ورود عنصر «التجنيد عن طريق جهات من خارج البحرين»، وعنصر «التدريب (العسكري) في إيران والعراق، الذي يتم غالبًا خلال رحلات تتزامن مع مناسبات الحج السنوي (إلى عدد من المقامات الدينية)، التي تجتذب إليها المسلمين الشيعة من كافة أرجاء المنطقة». وقال أحدهم إنه «تلقى تدريبًا من قبل جماعة مسلحة عراقية، تُدعى كتائب حزب الله، في مدينة كربلاء في عام 2016، شارحة أن معظم المعتقلين قالوا «إن الرجال الذين تدربوا على أيديهم، لم يعرفوا عن أنفسهم بشكل كامل، بحيث لم يكن واضحًا ما إذا كان هؤلاء الرجال مرتبطين بالحكومة الإيرانية، أو الحرس الثوري الإيراني»، وإن «المهام التي أوكلوا بها لم تكن مهامًا قاتلة، وقد شملت إيصال المعدات، ونقل الأسلحة، والأموال، والرسائل».
مشاركة :