بيروت: فيفيان حداد في أجواء تعبق برائحة البخور الهندية، وبومضات أقمشة الساري المتلألئة تحت الأضواء، ودّعت بيروت معرض «داستكاري» من بلاد الهند. فعلى مدى أربعة أيام متتالية، أقيم هذا المعرض المستقدم مباشرة من الهند والذي نظّم برعاية سفارتها لدى لبنان وبالتعاون مع شركة «سوليدير». معروضات حرفية وأشغال يدوية وفنية صنع بعضها استثنائيا لهذه المناسبة، تضمنها المعرض الذي أقيم في سوق «الأروام» المتفرع من مركز «أسواق بيروت» التجاري. اختيرت هذه السوق بالتحديد لأنها ترمز في لغة «الأوردو» الهندية إلى ما معناه المهارات اليدوية، والتي بدت جليّا في أصناف السلع المعروضة. التجوّل في هذا المعرض كان بالنسبة لزواره بمثابة رحلة اختصرت المسافات ما بين الهند ولبنان، فشعروا وكأنهم سافروا إلى بلاد «تاج محل» وعادوا منها إلى بيروت في لمح البصر. ما إن تطأ قدماك أرض المعرض حتى تتسلل إلى أنفك رائحة عيدان البخور المستلقية تحت أقدام تمثال لـ«بوذا» هنا، أو على صحن مزخرف ومطعّم بالصدف هناك. أما المضيفات في المعرض واللاتي جئن خصيصا من بلادهن بهدف التعريف بصناعاتها الشهيرة، فقد بدون سعيدات فرحات وهنّ يستقبلن الزوّار الذين جاءوا من كل حدب وصوب، وبينهم إضافة إلى اللبنانيين بريطانيون وروس وفرنسيون وغيرهم من البلدان الغربية والعربية. وتقول إحداهن وتدعى «ناميتا بهتناجر» وهي المسؤولة عن بيع شلحات الحرير التي استقطبت زوار المعرض من النساء بالدرجة الأولى، إنها تفاجأت بشهرة النسيج الهندي بشكل عام في لبنان، لا سيما أن هذا القسم الذي تديره شهد إلى جانب قسم المطرّزات المنزلية واليدوية نجاحا كبيرا في المعرض. وأضافت في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «لاحظت مدى انجذاب اللبنانيات لهذا الفن الهندي، حتى إن إحدى السيدات حملت أكثر من 20 قطعة منها لتوزعها كهدايا في مناسبة الأعياد المقبلة». أما سفيرة الهند لدى لبنان أنيتا نايار، التي كانت موجودة في المعرض في معظم أيامه، فأكدت لـ«الشرق الأوسط» أنها «سعيدة جدا بهذه الخطوة التي عززت التبادل الثقافي والتجاري ما بين البلدين». وأضافت «نحن بلدان متشابهان في نقاط عدة فنيا أو ثقافيا، ولذلك نجحنا في ترجمة هذه العلاقة الوطيدة في ما بينا من خلال هذا المعرض». وأضافت «لقد اقترحت استقدام أصناف عدة عرفت أنها تهّم اللبنانيين بشكل عام، كما قمنا بصناعة أشغال استثنائية لهذه المناسبة، وهي هندية المنشأ لكنها تحمل رموزا من لبنان، كالأرزة، أو خريطة لبنان أو كلمة (Lebanon)، وذلك من أجل المزج بين الحضارتين». ومن بين المعروضات التي يتضمنها «داستكاري» قطع حرفية كالصناديق الخشبية الذهبية أو الفضيّة، المرصعة بأحجار هندية عريقة، والتي يمكن أن تستعمل لتقديم مغلّفات الشاي أو حباّت الشوكولاته. فيما حملت رفوف أخرى صناديق خاصة لحفظ المجوهرات والمطعمة بالصدف الهندي الشهير. ولاقت الأشغال اليدوية المصنوعة من النسيج الهندي كمفارش الأسرة والموائد، وأغطية الوسادات الخاصة بتزيين الصالونات أو غرف الجلوس، إقبالا لدى السيدات اللاتي وقفن يخترن أجملها وأبهاها لتزيين منازلهن بها. أما ركاوي القهوة وفوانيس علاء الدين، وشمعدانات نحاسية وأخرى فضّية، فقد لفتت روّاد المعرض لأشكالها الصغيرة الحجم المستوحاة من فن «المينيماليسم» والخارجة عن المألوف، والتي كُتبت على بعضها عبارات بالهندية أو اللبنانية لإبراز التماهي بين البلدين. عامر الطرطوسي، أحد اللبنانيين المشاركين في المعرض من خلال مخازنه التي تبيع بالجملة أدوات وأغراضا مستوردة من الهند، اعتبر أن هناك علاقة وطيدة بين اللبنانيين والأشغال اليدوية الهندية، فهي تشكّل نقطة التقاء حسب قوله ما بين هذين البلدين الشهيرين في حرفيتهما. وقال «انظري هنا إلى هذا الطقم من السكاكين والشوك المصنوع من معدن الاستانلس، والتي زيّنت قبضاتها بالزجاج الملوّن، فهي شبيهة إلى حدّ ما بتلك التي تصنعها بلدة جزين الجنوبية، وكذلك الأمر بالنسبة لهذه الأدوات النحاسية (جرن الثوم والمكواة على الفحم وجرّة المياه) والتي بمجملها نجدها في لبنان ولكن بصناعة مغايرة». قطع من السجاد والمجوهرات والمفروشات وإكسسوارات ديكور المنزل تضمنها معرض «داستكاري» الهندي أيضا، إضافة إلى أغطية وبياضات منزلية اختارها بعض زوار المعرض كهدايا للأصدقاء والأحباء. وتشير «ليلي» إحدى السيدات الروسيات التي كانت ابتاعت أكثر من قطعة وهي تتنقل بين أقسام المعرض، إلى أن أكثر ما لفتها في أقسامه تلك المختصة بشلحات الحرير، والعقود والأساور الهندية المصنوعة من الخرز ومن أحجار الغرانيت. وقالت «لقد ابتعت بعضا منها لبناتي ولشقيقاتي اللاتي لديهن شغف كبير بالمصنوعات الهندية». أما ليزا، وهي سيدة إنجليزية تعيش في لبنان، فقد اختارت قطعة قماش من نسيج الساري لترتديها في السهرات كما قالت، وتمنت أن تقام دائما معارض هندية مشابهة في بيروت ليتسنى للجميع الاطلاع على هذه الصناعة الراقية والخارجة عن المألوف معا». «داكستاري» هو أول معرض من نوعه يقام في لبنان كما ذكرت لنا سفيرة الهند أنيتا نايار، ففي عام 2008 أقيم نشاط خجول في هذا الإطار لا يشبه الحالي لا في مساحته ولا في الأشغال اليدوية المعروضة فيه، وهي أكدت أن سفارتها ستعيد الكرة مرة ثانية بعد النجاح الذي حققه هذا المعرض.
مشاركة :