أبوظبي: سلام أبوشهاب شهد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، المحاضرة التي ألقاها، مساء أمس، فضيلة عمر حبتور الدرعي مدير إدارة الإفتاء في الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف بعنوان: «اختطاف الدين وسبل استعادته»؛ وذلك بمجلس سموه بقصر البطين في أبوظبي. وحضر المحاضرة إلى جانب سموه، الدكتورة أمل عبدالله القبيسي رئيسة المجلس الوطني الاتحادي، وسمو الشيخ نهيان بن زايد آل نهيان رئيس مجلس أمناء «مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية والإنسانية»، والفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الداخلية، وسمو الشيخ حامد بن زايد آل نهيان رئيس ديوان ولي عهد أبوظبي، وسمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي، والشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التسامح، إلى جانب عدد من الشيوخ والوزراء وكبار المسؤولين وأعضاء السلك الدبلوماسي في الدولة.بدأ المحاضر حديثه بالقول: «سيدي يا صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، يا فخر البلاد وعزها، يا من به فرحة الأيام تكتمل، أنت الملاذ وأنت الذخر والأمل». وقال: «قبل سنتين وفي هذا المجلس ذكرتم ما كان الآباء والأجداد يوصون أبناءهم بالقول «اللي يخاف الله لا تخافه»، ومن هذه العبارة ننطلق بها في معالجة موضوع المحاضرة، وتعد هذه العبارة ثقافة من ثقافاتنا الدينية السليمة الخالية من الأفكار المتطرفة؛ لأن الدين الإسلامي هو دين الرحمة والسلام والتسامح، ومصدر الأمان والاستقرار؛ ولكن هناك من يوظف هذه المقولة توظيفاً سلبياً، ممن يتظاهرون بأنهم يخافون الله إلا أنهم يمررون أفعالهم تحت شعارات دينية، فما معنى أن يقوم المختطفون للدين بعمليات تفجير تحت شعارات دينية، مثل هؤلاء حاولوا اختطاف الدين وفق مراحل وخطوات معلومة». دولة مضيئة وأكد المحاضر الدرعي، أن دولة الإمارات دولة مضيئة في كل مجهوداتها، وما تتخذه من خطوات، كما أنها من الدول التي قامت بجهود مبكرة في تبني استراتيجيات ضد اختطاف الدين؛ وذلك بتبني صياغة مفاهيم جديدة؛ وبناء فكر جديد يركز على الاعتدال والمفاهيم المعتدلة، وأن المغفور له، بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، أول من التفت إلى خطورة مختطفي الدين، فكان يمتاز بعبقرية فذة؛ فهو الذي وجه بضبط الخطاب الديني منذ وقت مبكر، وكان دائماً يؤكد أن الإسلام هو دين المحبة والغفران والتسامح والرأفة، والمسلم لا يجوز أن يقتل أخاه مسلماً كان أو غير مسلم، وأن ما تنعم به دولة الإمارات من الاستقرار والتسامح والتعايش ما هو إلا نتيجة لتلك الرؤية وبجهود القيادة الرشيدة والمؤسسات الوطنية المختلفة، التي كانت جهودها بفضل الله حصناً مكيناً لثقافتنا واعتدالنا من اختطاف المختطفين. اختطاف الدين وأضاف أن مواجهة الإمارات، للمتطرفين واختطاف الدين، كانت مواجهة استراتيجية شاملة ومدروسة وصريحة، مؤكداً أن الإمارات عادلة في مواجهة من يحاولون اختطاف الدين، مشيراً إلى أن استراتيجية الإمارات في مواجهة اختطاف الدين تمتاز بالشمولية، وكان أبرزها التركيز على الفكر الديني؛ حيث تعاملت الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف والجهات الأخرى مع الموضوع من خلال تفكيك الفكر المتطرف، وتقديم بدائل على مستوى الخطب والبحوث والمؤلفات، واستخدام كافة وسائل النصح والإرشاد؛ من خلال استخدام مختلف الوسائل بما فيها الإعلام، فتم إنشاء مركز «هداية» ومركز «صواب»، كما تم التركيز على التربية والتعليم وتنقية واختيار أصحاب الفكر المعتدل. وقال: اشتملت استراتيجية الإمارات على الاهتمام بالجانب التنموي، إلى جانب الاهتمام بالشباب؛ فجاء إقرار الخدمة الوطنية، التي تحمل الجانب الفكري، وجانب الإعداد البدني؛ لحماية الأوطان. استعادة الاعتدال وأشار إلى أهمية استعادة الاعتدال، والرصد المستمر للتحديات الفكرية والتحصين الفكري، وخاصة في دولة الإمارات، التي تعد نموذجاً رائداً في الاعتدال والتسامح، كما أن مجتمع الإمارات مجتمع نقي ومتلاحم، ويرفض أي شكل من أشكال التطرف والإرهاب، منبهاً إلى أنه لا يمكن استعادة الاعتدال بدون التركيز على هدم مفاهيم قائمة، والإحلال محلها مفاهيم أخرى نابعة من تعاليم الدين السمحة. وتحدث المحاضر عن أشكال اختطاف الدين؛ ومنها الخروج على الثوابت الوطنية والتشكيك بالموروث، والوصول إلى درجة إقصاء الآخرين، لدرجة أن بعض الشباب ممن يتبعهم يصل إلى مرحلة إنكار كل ما هو موجود؛ بحيث تتبلور لديه شخصية قلقة تبحث عن تبريرات شرعية، ثم الإنكار المجرد من كل القيود، والاستهتار بالعادات والتقاليد واتباع موجبات الولاءات الخارجية. وتطرق المحاضر إلى جذور اختطاف الدين، مؤكداً أن قضية اختطاف الدين ليست حكراً في المسلمين؛ بل كانت وسيلة ومآرب موجودة عند غير المسلمين، مشيراً إلى أن محاولات اختطاف الدين بدأت مع القرن الأول، وكانت محاولات عند الخوارج في هذا الجانب إلا أنه يوجد تشابه في منطلقات الاختطاف الأول مع الاختطاف الراهن في عدد من القضايا؛ منها: الاختطاف التاريخي وهو الحاكمية والخروج على الحكام اعتماداً على مبدأ «لا حكم إلا لله»، الأمر الثاني هو «التكفير» من مبدأ تكفير مرتكب الكبيرة، وبالتالي تقسيم المجتمع إلى قسمين «دار إسلام» و«دار كفر» وبعد ذلك استباحة دماء أهل «دار الكفر»، والأمر الثالث التستر والتخفي؛ وهو ما يتمظهر اليوم في الخلايا النائمة، حتى إذا وصلت إلى التمكن، خرجت على الناس، وقامت بقتل الناس. وقال المحاضر من الوثائق التاريخية لاختطاف الدين؛ قيام الخوارج بصك عملات تروج لمفهومهم كما في شعار «لا حكم إلا لله» في عملة الخوارج في القرن الثاني الهجري، وعندما اختطفوا السلطة والأوطان روجوا بأن لهم الحق في الحكم والسلطة، وبالتالي فإن الاختطاف المعاصر أبشع وأسرع وأشمل وأخطر من الاختطاف التاريخي، الذي كان جزئياً؛ حيث إن الاختطاف التاريخي يتلون ولا يتغير، بينما أخذ الاختطاف المعاصر شكل التستر والتخفي، إن الاختطاف المعاصر أصبح يغزو كل واحد، كما أن الاختطاف المعاصر وظف وسائل عصرية وأساليب متطورة مكنت المختطفين من نشر رسائلهم بسهولة. صور الاختطاف وأكد عمر حبتور، أن الاختطاف الذي يواجهنا اليوم أوسع بكثير من صور الاختطاف التقليدية السابقة، وأن المختطفين باختلاف أنواعهم سواء أحزاب الإسلام السياسي الإرهابية، أو الجماعات الإرهابية أو من يروجون للفكر الأيدولوجي هدفهم الأساسي هو اختطاف الأوطان، ونسف كل ما يخدم المواطنة الصادقة، ولهذا كانت هذه الفرق عائقاً أمام تنمية المجتمعات واستقرارها وتعايشها.وتحدث المحاضر عن المختطفين المعاصرين قائلاً: إنهم أربع مجموعات؛ وهي: أحزاب الإسلام السياسي ويتزعمها جماعة «الإخوان» الإرهابية، الذين جعلوا من شعارهم: «الإسلام هو الحل» للوصول للحكم والسيطرة على الأوطان، والثانية أصحاب الفكر المتشدد، الذين يحملون معول الهدم تجاه كل ما ثقافي ووطني، فسلطوا التحريم والتشدد على المجتمعات، والمجموعة الثالثة الجماعات الإرهابية التي حوّلت فكر الإسلام السياسي إلى تطبيق؛ فسفكت الدماء وشردت الشعوب، والمجموعة الرابعة هي الأيولوجيات الفكرية الصحوية، التي تعمل في محافل مختلفة من أجل التأثير على الشباب خاصة، وجعلهم لقمة سائغة للثلاثي المتقدم، وبالتالي فإن هذا الرباعي من المجموعات هم رعاة اختطاف الدين في العصر الراهن. الأصول الفكرية وتطرق إلى الأصول الفكرية للاختطاف، وتشمل نسف كل ما يمت للوطن بصلة، وإقناع الشباب على الهجرة، ووجوب هجرة الأوطان؛ لإقامة الدين ونصرة المستضعفين، واعتبار أن الانتماء للوطن عند هذه الجماعات من الجاهلية والشرك بالله تعالى، وهذا أنتج مفهوم الهجرة من الأوطان ومفارقتها من أجل إقامة الدين، والأصل الثاني هو جعل الدين سيفاً يبترون به حبال التقدم، من خلال محاولة جعل الإنسان المسلم غير فاعل في مجتمعه، والعمل على تسليط الدين على كل جديد بديع بحجة مخالفته للدين، والأصل الثالث إقصاء الآخر واحتكار الصواب؛ وذلك من خلال اعتبار أن التسامح والتعايش عندهم من الميوعة، والكراهية، والغلظة على الآخر هي عمليتهم، وأخطر ما يصل إليه الإقصاء هو التكفير الذي يؤدي بالضرورة للقتل، أما الأصل الفكري الرابع للاختطاف فهو التأصيل لفتاوى العنف والإرهاب، مشيراً إلى أن جماعة «الإخوان» هي التي ابتكرت كثيراً من أساليب التدمير والتفجير والتفخيخ كالأحزمة الناسفة والسيارات المفخخة والعمليات الانتحارية، وفتاوى مرجعياتهم ما زالت شاهدة تدفع بصناعة العنف واحترافه، موضحاً أن الإحصاءات تشير إلى أن العمليات الإرهابية في تزايد خلال السنوات الماضية؛ حيث ارتفعت إلى 4151 عملية في العام 2016 بعد أن كانت 3600 في العام 2015. الذكاء الاصطناعي وأكد أنه في ظل تطبيق الذكاء الاصطناعي فإن الإرهاب يفرض علينا تحديات كبيرة ولا بد من الانتباه لذلك، ومواجهة هذه التحديات، داعياً إلى أنه لا يمكن علاج هذا الاختطاف دون تنظيم العلاقة بين المتلقي ووسائل الاختطاف المتنوعة ومراقبتها، وتشمل هذه الوسائل تشويه المفاهيم، واستغلال الخطاب الديني، واختطاف الأجيال من خلال التعليم بأنواعه وتخصصاته المختلفة، وأن كثيراً من المناهج التعليمية مصممة وفق استراتيجية المختطفين، ثم اختطاف وسائل الإعلام وكذلك الكتّاب ووسائل التواصل الاجتماعي، فكل هذه الوسائل آلات مدمرة في يد هذه الجماعات التي غزت بها المجتمعات. وتطرق إلى استراتيجية استعادة الاعتدال، والتي تشمل تفكيك الألغام المفاهيمية بحصر هذه المفاهيم ومعالجتها بمادتها، فإذا لم نحفظ الدين سنشهد المزيد من القتل، مشيراً إلى أن أكثر من نصف مليون لاجئ ذهبوا إلى أوروبا، واصطفاف أكثر من 5 آلاف أوروبي مهاجر لاستعادة الدين، والأمر الثاني هو الرصد المستمر للتحديات الفكرية، مشيراً إلى أن تنظيم «داعش» الإرهابي من أكثر التنظيمات التي تركز على الفكر، وبالتالي لا بد من وجود مراصد دقيقة للتوجهات الفكرية ومستجداتها وأجندة الخاطفين، ووجود منصات تستشرف مستقبل هذه الجماعات وتفتت أفكارهم، أما الأمر الثالث فهو التحصين الفكري؛ بإقامة التحالفات الدولية الفكرية والتعاون الداخلي للتكامل، مشيراً إلى أن استراتيجية التحصين في تجربة الإمارات ضرورية؛ لأن اختراق الجماعات المتطرفة للمجتمعات لا تتوقف، فهي لا تكل ولا تمل في البحث عن ثغرات تصل منها لأعماق المجتمع، والأمر الرابع هو صياغة المفاهيم؛ ببناء فكر جديد. محاور المحاضرة ركز المحاضر في محاضرته على خمسة محاور؛ وهي: قيم الدين الإنسانية وتعاليم الرحمة والتسامح والاعتدال، الواقع توصيف وتكشيف، وأساليب الجماعات المتطرفة ووسائلها في دس ألغامها من خلال تشويه المفاهيم واستغلال كافة الوسائل، وسبل استعادة الاعتدال، وتجربة الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف كنموذج لاستعادة الدين من المختطفين. المحاضر في سطور المحاضر عمر حبتور ذيب سيف الدرعي حاصل على ماجستير في خصائص الخطاب الشرعي وأهميته في الحوار، ويشغل عدة مواقع إلى جانب منصبه مديراً لإدارة الإفتاء في الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف منذ العام 2016، ومنها رئيس لجنة اختبارات المفتين والخطباء والباحثين والوعاظ، وهو خطيب لعدد من الجوامع في إمارة أبوظبي، وعضو لجنة تطوير مناهج التربية الإسلامية، وله عدة إصدارات منها كشف الحجب في حكم استمطار السحب، ورعاية المسنين في الشريعة الإسلامية وتطبيقها في دولة الإمارات، والموقف الفقهي من نقل الأعضاء وغرسها في الشريعة الإسلامية.
مشاركة :