ساراييفو - حاول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خلال زيارة إلى البوسنة انتهت مساء الأحد، تقديم نفسه باعتباره “زعيم المسلمين” في أوروبا، مستخدما لهجة حادة خلال خطاب جماهيري انتقد خلاله معاملة الحكومات الأوروبية للأتراك المقيمين في أوروبا. وخلال حشد من أكثر من 15 ألفا من المناصرين لأردوغان، تم شحنهم في حافلات من ألمانيا وهولندا وسويسرا، تبنى أردوغان نهجا عاطفيا كان واضحا من خلاله أنه يحاول ضمان أصوات الناخبين الأتراك الأوروبيين، الذين يرى الكثير منهم في أردوغان، على حدّ تعبيرهم، “زعيم العالم” كله. ولا تخفي دوافع الرئيس التركي في إظهار تمتعه بشعبية بين الأتراك الأوروبيين الانقسام الحاد الذي تظهره استطلاعات الرأي في الداخل التركي حول مواقفه. وظهر هذا الانقسام في الاستفتاء على تعديل الدستور، الذي أجري في أبريل 2017، وحقق خلاله معسكر أردوغان فوزا ضئيلا دفعه إلى القلق على مستقبله السياسي. وفي كل عمليات التصويت التي قادها أردوغان، منذ توليه رئاسة الوزراء عام 2003، لعب الأتراك المقيمون في أوروبا، الذين يزيد عددهم على 6 ملايين شخص، دورا حاسما في مساندته. وخلال عطلة الأسبوع الماضي، حاول أردوغان استثمار علاقة ملتبسة تحكمها الريبة بين شريحة واسعة من المسلمين غير القادرين على الاندماج في المجتمعات الأوروبية، وبين الحكومات التي تنظر إلى أردوغان باعتباره قوة دافعة لعودة الدكتاتورية والحكم المستبد مرة أخرى إلى تركيا. وقال أردوغان إن الأتراك الذين حصلوا على جنسيات دول أوروبية وصاروا يشغلون مناصب رفيعة في الطبقة السياسية في هذه البلدان “خانوا تركيا”، ودعا أنصاره إلى احتلال مناصبهم في البرلمانات وبين أروقة الحكومات “لأن الأوروبيين الذين يدعون أنهم حماة الديمقراطية فشلوا”. Thumbnail ويستعد أرودغان، الذي اضطره الوضع الاقتصادي الصعب في تركيا إلى الدعوة إلى انتخابات مبكرة في أواخر يونيو المقبل، إلى اكتساب الكثير من الصلاحيات التي ما زال يمارسها رئيس الوزراء وفقا للدستور. وانتقد أردوغان، خلال المؤتمر الحاشد الذي عقد في الملعب الأولمبي في ساراييفو، ألمانيا التي منعته هو ومسؤولين آخرين من إقامة فعاليات مماثلة على أراضيها استعدادا للانتخابات. وقال إن وكالة تي.آر.تي الرسمية، ستوسع من تغطياتها في أوروبا لمواجهة “الدعاية” التي تبثّ ضد المسلمين. وإذا كان أردوغان يبحث عن نفوذ في أوروبا فلن يواجه عناء كبيرا. حيث يعمل تنظيم الإخوان المسلمين، الذي يشترك أيديولوجيا مع حزب العدالة والتنمية الإسلامي الذي يتزعمه أردوغان، منذ عقود على السيطرة على الجاليات المسلمة في أوروبا. ويقول مراقبون إنه نجح إلى حدّ كبير في إنشاء بنية تحتية عبر منظمات خيرية ومساجد وشبكة اقتصادية ضخمة، في تحويل مسار المسلمين غير القادرين على الاندماج تجاه التشدد. وتبدو مقاربة أردوغان كلعبة تبادل أدوار مع قطر، التي لطالما حاولت تبني الكثير من هذه التنظيمات بحثا عن نفوذ بين المسلمين في أوروبا. لكنها تجد نفسها اليوم عاجزة تماما عن الاستمرار بالقيام بهذا الدور، إذ تخضع لمقاطعة صارمة فرضتها عليها السعودية ومصر والإمارات والبحرين في يونيو 2017، ساهمت في تراجع حاد في نفوذها الخارجي عموما، وأنشطتها المثيرة للريبة بين الجالية المسلمة في أوروبا على وجه الخصوص. وكان اختيار أردوغان للإعلان عن رغبته في تزعم المشهد الإسلامي في أوروبا للبوسنة، التي يسكنها غالبية من المسلمين، رمزيا ومعبرا عن تطلعاته السياسية والشخصية والأيديولوجية أيضا. وبدلا من دعوة الأتراك من الفقراء الذين يعيشون في الأماكن النائية على أطراف برلين الذين قدم آباؤهم وأجدادهم ضمن موجة العمالة التركية في ستينات القرن الماضي، للاندماج والتحول إلى جزء حقيقي من المجتمع، يسهم خطاب أردوغان بتصوير أوروبا باعتبارها “قوة صليبية” تحاول اضطهاد المسلمين، وأنه قائد العالم “العثماني” المسؤول عن حمايتهم.
مشاركة :