عندما تتخلى سويسرا عن حيادها!

  • 5/22/2018
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

د. فايز رشيد مع أن جهد الفلسطينيين مُكرّسٌ دوماً للحصول على أكبر تأييد دولي لقضيتهم العادلة وحقوقهم الوطنية المشروعة، ومنها حقّ العودة الذي نصّ عليه قرار واضح يحمل الرقم (194) للأمم المتحدة، لكنهم يقبلون بالمواقف المحايدة في صراعهم ضد عدوهم، فالمهم ألا تكون دولة في صفّ أعدائهم. لكن «إسرائيل» وحليفتها الاستراتيجية الأمريكية لا تقبلان مبدأ الحياد، بل تريدان لدول العالم أن تكون ببغاء لهما، ولذلك فإن الطرفين يمارسان الابتزاز السياسي حتى مع هذه الدول، الأمر الذي بدأ يؤثر على حياديتها. في هذا السياق يأتي تصريح وزير الخارجية السويسري ايناسيو كاسيس (الخميس17 مايو/أيار الحالي) لمجموعة من الصحف السويسرية قال فيه: «إن وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) تطرح «مشكلة» من خلال تمسكها بحلم «غير واقعي» حول عودة جميع اللاجئين، الأمر الذي من شأنه أن يفاقم النزاع في الشرق الأوسط». واستطرد كاسيس: إن «اللاجئين يحلمون بالعودة إلى فلسطين. لم يعد هناك 700 ألف لاجئ فلسطيني في العالم فقط إنما خمسة ملايين. من غير الواقعي أن نتخيل عودة للجميع لكن «الأونروا» تحتفظ بهذا الأمل». بدايةً، لا نعرف الضغوط التي مورست على سويسرا لتعلن هذا الموقف المؤيد لـ «إسرائيل» وأمريكا في إنكارهما لحق عودة اللاجئين الفلسطينيين المكرّس كحق شرعي من الأمم المتحدة، وإلا لم يكن الوزير السويسري ليضرب مبدأ «حياد» دولته! ثم إن تصريحاته تأتي وسط مرحلة تتعرض فيها «الأونروا» لحملة شرسة من أجل إفلاسها مالياً بتقليص التبرعات لها على طريق محو «حق العودة» من أجل تصفية القضية الفلسطينية. هذا مع العلم أن هذه الوكالة الدولية يرأسها السويسري بيير كرنبول !. ورداً على سؤال بهذا الخصوص أجاب كاسيس: «إن سحب الدعم المالي يمكن أن يؤدي إلى حراك في بعض الحالات»، وأوضح أنه في هذه الحالة هناك مخاطر كبيرة: فقد ينزل ملايين الفلسطينيين إلى الشوارع. وإذا رفضت كل الدول منح أموال لـ«الأونروا» فإن هذه الآلة التي توفر بعض الاستقرار ستنتهي. وهذه مخاطرة لا تستطيع سويسرا تحملها خلافاً ربما للولايات المتحدة». يلاحظ القارئ الموقف المتناقض للوزير السويسري، وبخاصة عندما دعا إلى دمج اللاجئين في البلدان التي يقيمون فيها. وعلى سبيل المثال قال الوزير: إنه «بدلاً من دعم المدارس ومستشفيات «الأونروا»، يمكننا مساعدة المؤسسات المعنية في الدول التي يتواجد اللاجئون الفلسطينيون فيها بما يعزز اندماجهم».. إنه منطق «إسرائيل» بعينه!.نعم، إن الحيادية هي الصفة القانونية لبلد ما يمتنع عن المشاركة في أية حرب أو نزاع بين البلدان الأخرى، ويلتزم مسافة واحدة من جميع الأطراف المتحاربة مع ضرورة اعتراف الدول الأخرى بنزاهة وحيادية ذلك البلد، وهذا ما مثّلته سويسرا. فمن الناحية التاريخية فإن حقوق البلدان الحيادية تضمنت عدم استخدام أو احتلال أراضيها من جانب أي طرف متحارب، وعلى استمرار العلاقات الدبلوماسية مع الدول الأخرى المحايدة منها والمتناحرة، وأيضاً على حرية مواطني البلد المحايد في متابعة أعمالهم وعلى احترام إرادتهم في البقاء كدولة حيادية. خلال الحرب العالمية الأولى وأيضاً الثانية لم تُحترم بشكل عام المعايير الأساسية للحياد الدولي. فبعض الدول الحيادية تراجعت عن حيادها وبعضها الآخر تم اجتياح واحتلال أراضيها أو استخدامها لمهاجمة دول أخرى. ومع نهاية القرن العشرين تقلصت حرية الدول الحيادية بشكل حاد.لعل الوزير السويسري يعرف أو لا يعرف أن اتفاقية 18 تشرين الأول/ أكتوبر 1907 التي وقّـعت في مؤتمر لاهاي الثاني تحدِّد حقوق والتزامات الدول المحايدة، وينص أحد بنود تلك الاتفاقية على أنه لا يحق لدولة محايدة المشاركة المباشرة في نزاع مسلح أو مساعدة أحد الأطراف في النزاع. كنا نحترم حياد الدولة السويسرية الذي عرف منذ أوائل القرن الـ 19 على شاكلة جميع الدول الأوروبية المحايدة آنذاك لكن في العصر السياسي الحديث، كانت التجربة السويسرية الأكثر نجاعة لأسباب ربما تعود إلى الثقافة والتاريخ والاحترام الدولي لحياديتها، لكن مع مضي السنوات فشلت حيادية العديد من الدول إلا أن سويسرا ظلت تمتلك السمات التي مكنتها من تحقيق النجاح والازدهار في ظل الحياد خاصة تبني ثقافة وقف التسلح، ناهيك عن التاريخ الطويل لذلك الحياد الذي يمتد لحوالي قرنين من الزمان. نعم، تصريحات الوزير السويسري أفقدت بلاده الحيادية التي طالما عُرفت عنها. Fayez_Rashid@hotmail.com

مشاركة :