يترأس النائب الثمانيني (87 عاماً) ميشال المرّ اليوم الأربعاء جلسة التسلُّم والتسليم بين رئيس البرلمان المنتهية ولايته نبيه بري ورئيس البرلمان المنتخَب حديثاً نبيه بري، وهي المشهدية التي تتكرّر منذ سنة 1992 أي في 6 مجالس نيابية متتالية يُمْسك بمطرقتها «المايسترو» البارع الذي فرض نفسه على الجميع على طريقة «أنا ولا أحد غيري».وتشهد الجلسة نفسها وهي الأولى للبرلمان الجديد الذي وُلد من الانتخابات التي جرت في 6 مايو الجاري، إحياء «ثنائية» بري ونائبه إيلي الفرزلي العائد الى هذا المنصب الذي تولاه بين 1992 و2005 أي إبان فترة الوصاية السورية على لبنان، قبل أن يطوي اغتيال الرئيس رفيق الحريري (كان خلالها الفرزلي وزيراً للإعلام في حكومة الرئيس عمر كرامي) وانسحاب الجيش السوري مسيرته النيابية التي استعادها في الانتخابات الأخيرة.وعشية هذا الاستحقاق الذي يأتي بعد نحو 36 ساعة من انتهاء ولاية برلمان 2009 الذي يُعتبر «الأطول عمراً» منذ انتهاء الحرب الأهلية (مُدِّد له 3 مرات متتالية)، سُجّلتْ تطوراتٌ بارزة وخصوصاً على صعيد فتْح «صفحة جديدة» في العلاقة بين «التيار الوطني الحر» (حزب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون) وبين الرئيس بري وذلك تحت سقف قرار من الرئيس عون الراغب في أن تكون الانتخابات النيابية وصولاً الى تشكيل الحكومة الجديدة نقطة الانطلاقة الفعلية لعهده الذي علِق في الأشهر الـ 17 الأخيرة «في شِباك» اشتباكات سياسية داخلية أنذرتْ بإفشال مسيرة «الرئيس القوي» - رغم بعض الإنجازات التي تحققت - ناهيك عن «المتاعب» الخارجية التي واجهها بفعل احتدام الصراع في المنطقة ووقوف لبنان على حافة «خط النار» الإقليمي من خلال أدوار «حزب الله» العابرة للحدود. وجاءت الزيارة التي قام بها ظهر أمس وفد من تكتل «لبنان القوي» (كتلة التيار الحر وحلفائه) ضمّ النواب ابراهيم كنعان، الياس بو صعب وآلان عون، لتعطي إشارة مبكّرة، سبقت اجتماع التكتل عصراً، الى اتخاذ قرار بالتصويت لمصلحة بري (أو ترْك حرية الاختيار لبعض أعضائه) لرئاسة البرلمان التي سيفوز بها بأكثرية تفوق المئة صوت وسط شبهِ إجماعٍ على معاودة انتخابه لم يَسِر به حزب «القوات اللبنانية» وكتلته (الجمهورية القوية) التي أعلن باسمها رئيس الحزب الدكتور سمير جعجع أن 14 من أعضائها الـ 15 سيصوّتون بورقة بيضاء «تعبّر عن موقفنا الاستراتيجي وليست بأي حال بوجه الرئيس بري الذي يعلم الجميع مدى احترامنا له وتناغمنا معه في العديد من المواقف».وعَكَس كلام النائب كنعان بعد زيارة بري عن «ان الايجابية سمة التعاطي واليد ممدودة للجميع لتعاون مثمر لنجاح العهد»، وتشديده على ان «الاستعداد موجود عندنا وعند الرئيس بري لتعاون مثمر... ومتّجهون الى تعاون واحترام الاقوياء في طوائفهم»، رغبة «التيار الحر» في تفكيك ما أمكن من «الألغام الموروثة» في طريق مرحلة ما بعد الانتخابات لا سيما تشكيل الحكومة التي يرغب الرئيس عون في ان تولد خلال فترة تكون أقلّ من التي استغرقها تأليف حكومة الرئيس سعد الحريري الأولى في عهده وكانت شهراً ونصف الشهر، وذلك بما يوفّر الزخم المطلوب للاستفادة مما أمّنته المؤتمرات الدولية من رزمة قروض ومساعدات تضع البلاد على سكة النهوض الاقتصادي وتحمي «خاصرته الرخوة» مالياً، وأيضاً يشكل مظلّة داخلية بوجه التحديات الهائلة التي تطلّ برأسها من الوقائع المتسارعة في المنطقة وليس آخرها إعلان واشنطن «الحرب الاقتصادية» على إيران وتوعُّدها بـ «سحق وكلاء ايران وأعوانها من حزب الله في جميع أنحاء العالم».وفي السياق نفسه جاء إعلان النائب بو صعب «أنني لم أطرح نفسي مرشحاً لمنصب نائب رئيس مجلس النواب... ويمكن أن أعطي في أماكن أخرى» ليعطي إشارة إضافية الى رغبة الرئيس عون في «تسليف» بري إيجابية جديدة، باعتبار أن رئيس البرلمان يرتاح الى العمل أكثر مع الفرزلي (عضو تكتل لبنان القوي) الذي تعاون معه لأكثر من 20 عاماً في منصب نائب رئيس مجلس النواب، وذلك بعدما كان مطروحاً إمكان ترشيح بو صعب لهذا الموقع المكرّس عُرفاً للروم الأرثوذكس والذي سيشهد تَنافُساً غير متكافئ عليه بين الفرزلي المضمون فوزه وبين مرشح «القوات» النائب أنيس نصار الذي يُرجّح أن يحظى بدعم كتلة الرئيس الحريري وبعض المستقلّين. وفي حين لا تُسْقِط هذه الإشارات «التبريدية» العقبات الماثلة أمام قطار ولادة الحكومة وكيفية توزيع الحقائب وتقاسُم الحصص وفق الأحجام وإيجاد مَخارج لعقدة وزارة المال (يتمسك بها الرئيس بري للمكوّن الشيعي) ولسبل التوفيق بين قرار «حزب الله» بالدخول الى العمل الحكومي بحقائب «دسمة» وبين «الخطوط الحمر» الخارجية التي تحاصره بعد اندفاعة العقوبات الأميركية - الخليجية ضدّ قيادته ووضْعه من خلال خطاب وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في نفس «فوهة» المواجهة مع ايران، فإن الخطوة التالية بعد انتخاب رئيس البرلمان ونائبه وهيئة مكتب المجلس ستكون بتحديد الرئيس عون (يقيم اليوم إفطاراً رئاسياً جامعاً)، الذي طلب أمس من الحكومة الحالية تصريف الأعمال، موعداً للاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس الحكومة الجديدة الذي سيكون حكماً الحريري. علماً ان تقديراتٍ اشارت الى إمكان عدم تحديد موعد الاستشارات قبل مطلع الاسبوع المقبل بسبب عطلة «عيد المقاومة والتحرير» الجمعة واحتمال قيام رئيس حكومة تصريف الأعمال بزيارة للرياض.
مشاركة :