بدا فينغر في قيادته الأخيرة لفريق آرسنال، الذي سيطرت على وجهه دوماً أمارات التوتر والضغط العصبي خلال الفترة الأخيرة قبل إعلان موعد رحيله عن الملاعب، وكأن سنوات بأكملها سقطت من على وجهه وعاد إليه ربيع عمره.خرج أرسين فينغر من المباراة الأخيرة في مسيرته في الدوري الممتاز مكرماً، وقبل خروجه من أرض الملعب التفت يميناً نحو جماهير آرسنال وعندما وقف أمامهم، انحنى اعترافاً وتقديراً لقصة الكفاح التي جمعتهم معاً. بعد ذلك، عاود أدراجه بخفة نحو المكان المخصص له على طرف الملعب. في تلك اللحظة، بدا كل شيء مختلفاً تماماً، ذلك أن الجماهير التي كثيراً ما أعربت عن سخطها تجاه أداء فينغر ولاعبيه أغدقت عليه المديح والثناء ومشاعر الامتنان. في المقابل، بدا فينغر، الذي سيطرت على وجهه دوماً أمارات التوتر والضغط العصبي خلال الفترة الأخيرة قبل إعلان موعد رحيله عن الملاعب، وكأن سنوات بأكملها سقطت من على وجهه وعاد إليه ربيع عمره.في الواقع، عايش فينغر قدراً كبيراً من السخاء والحفاوة على امتداد المباريات الأخيرة التي كانت بمثابة جولة وداع من جانبه للدوري الممتاز، وترحيباً حاراً بالمدرب الفرنسي لدرجة أنه مزح حول هذا الأمر بقوله إنه كان يتعين عليه الرحيل عن آرسنال كثيراً من قبل. وقال: «كان ينبغي أن أعلن اعتزالي كل أسبوع. لقد أصبح الناس يعاملونني بلطف جم منذ إعلاني نيتي الاعتزال». المؤكد أنه بعد فترة سيتطلع نحو الهدية التي أهداها إياه سير أليكس فيرغسون داخل استاد أولد ترافورد خلال آخر مباراة له أمام «الفريق الذي لا يقهر». وسيتذكر كذلك اللافتات التي رفعتها جماهير بيرنلي وليستر سيتي وحملت عبارة «هناك آرسين فينغر واحد»، وكذلك التحية التي عرضتها عليه جماهير هدرسفيلد في الدقيقة 22 من المباراة الأخيرة عندما وقفت الجماهير الحاضرة داخل الملعب عن أكملها لتحية فينغر. وعليه، شعر الرجل الذي عادة ما يميل نحو مشاهدة المباريات جلوساً بأنه يتعين عليه النهوض ورد التحية. وقد سارعت الكثير من أطراف كرة القدم الإنجليزية للمشاركة في الإشادة بفينغر ومسيرته اعترافاً بإنجازاته، الأمر الذي يعكس التأثير الذي خلفه فينغر على كرة القدم الإنجليزية.داخل مدينة هدرسفيلد، ثمة مشاعر إعجاب بالغ تجاه ديفيد فاغنر باعتباره مصدر الإلهام لصحوة كروية كبيرة بالمدينة. كان فاغنر مدرباً أجنبياً يحمل أفكاراً كبرى ومبادئ قوية واستعداداً لأن يلقي نفسه في مكان جديد ويهديه قلبه وروحه - اليوم، أصبحت هذه الفكرة جزءً لا يتجزأ من نسيج الحياة داخل الدوري الممتاز. كان فينغر قد فتح هذا الباب عام 1996 أمام جميع الآخرين القادمين من مختلف أرجاء العالم كي يسيروا على نهجه. ومن خلال فوزه ببطولة الدوري الممتاز خلال أول موسم كامل له، نجح في ترسيخ اسمه داخل بيئة رياضية ظلت محكمة الإغلاق على نفسها من قبله، الأمر الذي بدأ بدوره يفتح آفاقاً أوسع أمام آخرين.وبدا من المناسب أن يأتي وداع فينغر للملاعب في المكان الذي شهد مولد مكانة هربرت تشابمان في عالم التدريب. من جانبه، لاحظ فينغر وجود صورة كبيرة لأول رجل عظيم نجح في تحديث كرة القدم الإنجليزية بحق خارج غرفة تبديل الملابس. وعن الصورة، قال المدرب الفرنسي: «لقد ابتسم لي. أتي هربرت تشابمان، الذي ربما يعتبر المدرب الأعظم لدينا، من هنا. لذا، فإن قدومي هنا حمل معنى خاصا».كان تشابمان، المبتكر الأكبر في تاريخ آرسنال، قد نجح في بناء فريق هنا في هدرسفيلد الذي تمكن من الفوز ببطولة الدوري الممتاز ثلاثة مواسم متعاقبة بين عامي 1924 و1926 قبل أن ينتقل إلى هايبري ويعيد قصة نجاحه هناك في مطلع ثلاثينيات القرن الماضي. وبدا آنذاك أنه يحمل رؤية سابقة لعصره. وفي طريق الخروج من الاستاد، ثمة لافتة كبيرة حملت عبارة «شكراً هربرت، ميرسي أرسين».وبالنظر إلى الجدول المحموم لمواجهات الدوري الممتاز، من المؤكد أن فينغر لم تتح له فرصة إمعان النظر في التاريخ بينما تفرض عليه الظروف المحيطة التركيز في المباراة القادمة. ومع هذا، فقد صرح ذات مرة: «أشعر بفخر بالغ لتقديمي مثل هذا الإسهام البسيط. لا أعرف على وجه اليقين ما الذي سيبقى من هذه الانتصارات والهزائم. أعتقد ما سيتبقى الجانب الإنساني الرائع الذي كان قائماً طوال الأعوام الـ22 عاماً الماضية - هذا أمر مميز وسأسعد كثيراً بذلك. لقد خضت تجارب إنسانية رائعة داخل النادي. وبعيداً عن النتائج، كانت مغامرة إنسانية بالنسبة لي».حسب الأرقام، منذ 1.235 مباراة ماضية، اختار فينغر التشكيل الخاص بفريق آرسنال للمرة الأولى في تاريخه. وتضمن الفريق تسعة إنجليز ولاعبا من ويلز ولاعبا فرنسيا صاعدا بدأ ثالث مباراة له بالدوري الممتاز باسم باتريك فييرا. وانتهت المباراة بالفوز على بلاكبرن بنتيجة 2 – 0، هنا في المباراة الأخيرة هدرسفيلد، تضمن اختيار فينغر الأخير 11 جنسية مختلفة. والآن، أين ذهبت تلك الأعوام الـ22؟الملاحظ أن وداع فينغر الطويل جاء سهلاً وليناً، مع اختفاء جميع المشاعر السلبية خلال الفترة الأخيرة من الموسم. وتأكد للجميع أن «قصة الحب»، حسب وصف فينغر، التي لطالما جمعت بين المدرب الفرنسي وآرسنال باقية ولن تنتهي بعداء أو جفاء. وجاءت هذه الفترة الأخيرة من الوداع بمثابة فرصة لفينغر وجماهير آرسنال لاستعادة ذكريات الماضي وكيف كانت مشاعرهم تجاه بعضهم البعض في بداية قصتهما معاً.وعن مظاهر توديع الجماهير لفينغر، قال الأخير: «جاء الأمر عفوياً، وأنا مدرك تماماً أننا أصبنا الجماهير هذا الموسم بخيبة الأمل، وأن الكثيرين منهم يدخرون المال الإضافي لديهم للسفر وحضور المباريات. لقد وقعت بيننا خلافات أتقبلها، لكن يبقى ثمة عنصر واحد مشترك بيننا: عشقنا لنادي آرسنال. ولا شك أني أتحمل جزءا من مسؤولية إصابة الجماهير بخيبة أمل».
مشاركة :