ضمت الأسرة الـ18 من عصر الأسرات الفرعونية فى الفترة من 1570 إلى 1304 ق. م عددًا من ملوك الفراعنة ومنهم الملك الموحد «إخناتون»، والذى أجمع أغلب المؤرخين أنه كان من كبار الموحدين، ويقول المؤرخ الفرنسى «فرانسوا دوماس»، فى كتاب آلهة مصر: «لا شك أن إخناتون على مذهب التوحيد»، ويذكر «جاردنر» فى كتاب «مصر الفراعنة» أن ديانة إخناتون كانت توحيدًا خالصًا، وهو ما أكده الدكتور مصطفى محمود فى كتابه «الله»، حيث يقول: «ويصل التوحيد إلى ذروة النقاء والتجرد على يد إخناتون»، وفى موسوعة تاريخ العلم قال «سارتون»: إخناتون أدرك وجود الله، قدر ما نستطيع نحن أن ندرك من وجوده». يتضح من آراء المؤرخين سواء العرب أو الغرب أن عبادة التوحيد كانت هى العبادة المتسيدة فى عصر إخناتون والتى وصفها العقاد فى كتاب «إبراهيم أبو الأنبياء»، بأنها غاية التنزيه فيقول: «العبادة التى دعى إليها إخناتون قبل ثلاثة وثلاثين قرنًا كانت غاية التنزيه فى عقيدة التوحيد، فإن دعوة إخناتون بلغت بالتوحيد أعلى مرتقاه، وبلغت بتنزيه الإله، غاية لم تدركها حتى اليوم بعض الأمم فى البلاد الشرقية أو الغربية، فمن صلوات اخناتون تعرف صفات الله، الذى دعا إلى عبادته دون سواه، فإذا هى أعلى الصفات التى ارتقى إليها فهم البشرية قديمًا فى إدراك كمال الإله، فهو الحى، المُبدى للحياة، الملك الذى لا شريك له فى الملك، خالق الجنين وخالق النطفة التى ينمو منها الجنين. نافث الأنفاس الحية فى كل مخلوق، بعيد بكماله، قريب بآلائه. تُسبح باسمه الخلائق على الأرض والطير فى الهواء، فقد بسط الأرض ورفع السماء وهو هُو الوجود، وواهب الوجود، وشعوب الأرض كلها عبيده. وتقول الدكتورة نعمات أحمد فؤاد: «هذا القانون أو السر الأكبر نفذ إليه اخناتون العظيم، وفى سبحاته يرفع صلواته إلى الرحبات العليا». إنه شعاع من إيمان فيقول فى أناشيده: «أنت خالق الجرثومة فى المرأة، والذى يذرأ فى البذور إناسًا، وجاعل الولد يعيش فى بطن أمه، مُهدئًا إياه حتى لا يبكى، ومُرضعًا إياه حتى فى الرحم، وأنت مُعطى النفس حتى تحفظ الحياة على كل إنسان خلقته، حينما ينزل من الرحم فى يوم ولادته، وأنت تفتح قفمه تمامًا، وتمنحه ضروريات الحياة. وتقول نعمات: «هنا.. نور النور، إنه الله فى هذا النشيد، إنه الله فى أناشيد إخناتون، من علّم إخناتون العظيم هذه الأسرار؟. ونجد هنا بإجماع الآراء للمؤرخين أن إخناتون كان واحدًا من كبار الفراعنة الموحدين، ولكن هل كانت هذه بداية التوحيد فى مصر الفرعونية؟، بالطبع سبقت ديانة التوحيد عصر الملك إخناتون. فيقول المؤرخ السورى محمد عزة دروزة فى «موسوعة تاريخ الجنس العربى «:«أناشيد إخناتون التوحيدية ليست أمرًا مبتكرًا بما فيها من معان وأفكار توحيدية، وإنما هى تكرار لما جال فى أذهان المصريين القدماء، وأثر عنهم من أوصاف الله الأكبر الواحد، وهو ما أكده الدكتور سليم حسن فى موسوعة الادب المصرى القديم حيث يقول: «إن فكرة إدخال إخناتون التوحيد العالمى، لم تكن وليدة فكره هو، بل كانت موجودة من قبله، وفى كتاب أضواء على السيرة الذاتية يقول عبدالحميد جودة السحار: لقد عرف المصريون «التوحيد» الصحيح، قبل إخناتون بالآف السنين. إذن لم يكن إخناتون هو بداية التوحيد فى مصر، وإذا ما رجعنا إلى الوراء قليلًا لوجدنا أن التوحيد فى مصر أقدم من إخناتون، فقد عرف التوحيد فى عصر أمنحوتب الثالث والد إخناتون، فماذا قال أمنحوتب الثالث فى التوحيد؟، هذا ما سنعرفه فى الحلقة المقبلة.
مشاركة :