في الثالث عشر من مايو2018 أعلنت الصين إبحار أول حاملة طائرات محلية الصنع من مرفأ شمال شرقي الصين باتجاه عرض البحر «بحر الصين الجنوبي» ترافقها قطع بحرية عسكرية، ووفقًا لمصادر في وزارة الدفاع الصينية يبلغ وزن تلك الحاملة 55 ألف طن، وبإمكانها أن تحمل 40 طائرة. وعلى الرغم من أنها ليست حاملة الطائرات الأولى التي تمتلكها الصين، حيث حصلت على حاملة أخرى سوفيتية الصنع تم شراؤها من أوكرانيا ودخلت الخدمة في عام 2002 فإن تلك التي أعلنت الصين عنها محلية الصنع، وهو ما يثير تساؤلات حول مضمون تلك الخطوة ودلالاتها، فعلى صعيد المجال الجيواستراتيجي للصين يلاحظ وجود توجهات إقليمية بالاهتمام بالقوة البحرية ومنها قرار اليابان في إبريل 2018 بتشكيل وحدة من مشاة البحرية «المارينز» وذلك للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية، والتي لديها تفويض من جانب الجيش الياباني للدفاع عن الجزر البعيدة واستعادتها في حالة الغزو، أخذًا في الاعتبار وجود نزاع بين الصين واليابان حول مجموعة من الجزر في بحر الصين الجنوبي، فضلاً عن أن هذه المنطقة تشهد صراعًا محتدمًا على النفوذ بين العديد من القوى وهي الولايات المتحدة واليابان والهند بل ودخول روسيا على خط التفاعلات في تلك المنطقة من خلال الدعوة لأول قمة لرؤساء منظمة دول الآسيان مع روسيا وخلال تلك القمة دعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى ربط الاتحاد الاقتصادي الأوراسي ومنظمة شنغهاي للتعاون التي يطلق عليها «الناتو الآسيوي» ومنظمة الآسيان في تجمع اقتصادي وهو «أوراسيا الكبرى» وذلك ضمن الصراع الروسي مع الدول الغربية والولايات المتحدة على نحو خاص، وهنا ينبغي التأكيد على أن معادلة الصراع في بحر الصين الجنوبي لم تكن ببعيدة عن اهتمام الولايات المتحدة بل إنها كانت سببًا أساسيا في إحداث تغيير جذري في استراتيجيتها الدفاعية والتي أعلنها وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا في عام 2012 ومفادها أنه بحلول عام 2020 ستعيد البحرية الأمريكية نشر قواتها في نسبة 50% للمحيط الهادي، و50% للمحيط الأطلسي حاليًا إلى نسبة 60% للمحيط الهادي، مقابل 40% للمحيط الأطلسي لمواجهة القوة الصينية الصاعدة، التي أطلق عليها «استراتيجية الدوران» بما يعني أن تلك المنطقة قد أضحت ساحة حقيقية لصراع القوى والنفوذ الإقليمي والدولي بالنظر إلى ما تحتويه من مصالح لتلك الدول وربما لا يتسع المقال لسردها إلا أنه تكفي الإشارة إلى أن مياه بحر الصين الجنوبي تشهد مرور ثلث النفط العالمي بما يعادل ثلاثة أضعاف ما يمر في قناة السويس، وهو الأمر الذي يفسر سعي الصين لتعزيز نفوذها في تلك المنطقة ومنها تحويل العديد من الجزر فيها إلى جزر اصطناعية ومن ثم إمكانية إقامة منشآت عسكرية عليه وهو ما عزز من دور الصين البحري بها. ومع الأخذ في الاعتبار أن اهتمام الصين بتطوير قوتها البحرية هو جزء من خطة متكاملة يتم تنفيذها تحت إشراف الرئيس الصيني لتحديث القوات المسلحة الصينية عمومًا تتضمن تطوير مقاتلات لا يتم رصدها من جانب أجهزة الرادار، فضلاً عن صواريخ مضادة للأقمار الصناعية، ومن ثم فإن مردود تلك الخطة دون أدنى شك سوف يسهم في تعزيز التوازن الاستراتيجي في شرق آسيا، فإن تساؤلاً مهمًّا يطرح ذاته: ما هو انعكاس ذلك على مساهمات الصين في الأمن خارج منطقة بحر الصين الجنوبي؟ من ناحية أولى أتصور أنه من الصعب الفصل بين هدف تأمين الطاقة وجهود الصين لتطوير قواتها المسلحة عمومًا والبحرية منها خاصة، ففي هذا السياق يقول الملحق العسكري بالسفارة الصينية في روسيا اللواء كوي يانفي «إن هناك صراعا على موارد الطاقة، وأمن طرق الترانزيت الاستراتيجية مهدد، وسلامة الشركات الفرعية التابعة للشركات الصينية وموظفيها وأصولها، يجب أن نأخذ كل ذلك في الاعتبار في تخطيطنا العسكري». ولا شك أن تلك الأهداف المشار إليها تتضمنها استراتيجية «عقد اللؤلؤ» التي تستهدف تحقيق الأمن البحري بما يضمن حماية الإمدادات النفطية من الخليج العربي إلى المحيط الهندي ومضيق ملقا. ومن ناحية ثانية مع أن الجهود الصينية في مجال تطوير القوات البحرية وتسلح الجيش الصيني عمومًا ربما لن تنه التفوق الأمريكي في سلاح البحرية فإنها مؤشرات إيجابية ربما تعزز من دور ما للصين تجاه تهديدات الأمن الإقليمي خارج النطاق الجغرافي للصين وذلك في ضوء ثلاثة أمور: أولها: الخبرة السابقة للصين تجاه تهديدات الأمن الإقليمي حيث أرسلت الصين سفنًا حربية لإنقاذ المئات من مواطنيها ومن الأجانب في اليمن خلال شهر أبريل عام 2015، فضلاً عن إرسال الصين 59 سفينة حربية إلى مضيق عدن والمياه الصومالية ضمن الجهود الدولية للتصدي لمخاطر القرصنة، بالإضافة إلى تواجد الصين ضمن قوات حفظ السلام في أماكن عديدة من العالم. وثانيها: إعلان الصين عن رغبتها في أن تكون جزءًا من التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب الذي أعلنت المملكة العربية السعودية تأسيسه في ديسمبر عام 2015. وثالثها: الوجود الصيني في منطقة القرن الإفريقي من خلال إنشاء أول قاعدة عسكرية لها خارج أراضيها في جيبوتي والتي تتخذ موقعًا استراتيجيا لقربها من اليمن بما يكسبها أهمية استراتيجية لدول الخليج في ظل استمرار الأزمة اليمنية واستمرار التحديات الأمنية في منطقة القرن الإفريقي عمومًا. { مدير برنامج الدراسات الاستراتيجية والدولية بمركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة
مشاركة :