العالم الافتراضي كما يصفه الكثيرون هو «بيئة غير حقيقية، ولكن مكوّناتها قريبة الى الحقيقة جدا». ولقد انفتحنا هنا في الكويت كغيرنا من الشعوب الأخرى على هذا العالم الافتراضي، بسبب الثورة التكنولوجية المتسارعة التي خلطت ما بين سلوكياتنا الحقيقية وسلوكياتنا الافتراضية. وجاءت وسائل التواصل الاجتماعي، وعلى رأس قائمتها «تويتر»، لتجذبنا وبكل قوة الى الولوج الى هذا العالم الساحر. وتشير احصائيات عام 2017 إلى أن عدد الكويتيين المستخدمين «تويتر» وصل الى أكثر من 500 الف مستخدم بآلاف التغريدات شهريا. وبمتابعة سريعة لتغريدات أصحاب الحسابات «التويترية» من الكويتيين والتعليقات التي تأتي أسفل التغريدة، نصطدم بذلك الكم الهائل من التراشق المخيف في الشتائم والسباب والميول الى العنف اللفظي، والبحث واثارة الفتنة مهما كان نوعها؛ طائفية، قبلية، فئوية او غيرها، والاستمتاع بنشر الإشاعات ونشر خصوصيات البشر من دون أدنى احترام أو تقدير لتاريخ الكويت الناصع بالمحبة والتسامح والإنسانية والوفاء.. ولكى نبعد أنفسنا عن الشبهات بعضنا عن بعض، نقول وبكل ارتياح «ما علينا.. هذا عالم افتراضي»، إلا ان الذنب قائم.. لنأتِ إذاً، الى عالمنا الحقيقي ونراقب سلوكياتنا اليومية. إن كنا نرى اننا نمارس في عالمنا الحقيقي السلوكيات ذاتها التي نمارسها في عالمنا الافتراضي، فنحن بلا شك أمام منحى سلوكي خطير. وإن كنا، وعلى العكس، لا نرى إلا وجها جميلا، فإننا بلا أدنى شك، نمارس النفاق الاجتماعي، لأن الانفصام (ويعذرني علماء النفس) في هذه الحالة ليس له مورد هنا ابدا. ونحن هنا في منحى أشد خطورة. نحن غالبا ما «نجمل» سلوكياتنا في العالم الحقيقي، و«نجمل» تحمل في طياتها الكثير من الكذب والمجاملة.. أصبح معظمنا «فاشينستا»، والمعنى في بطن الشاعر.. أكاد أصل الى نتيجة الى أن عالمنا الافتراضي هو عالمنا الحقيقي.. وعالمنا الحقيقي هو عالمنا الافتراضي؛ لنعترف ومن دون خجل بأن حقيقتنا تظهر جليا في عالمنا الافتراضي.. مواجهة أنفسنا هي الخطوة الأولى نحو العودة الى سلوكيات زمننا الجميل. أ. د. عبدالمحسن دشتي
مشاركة :