تغير المناخ يهدد الحياة على الأرض

  • 5/24/2018
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

د. نيللي كمال الأمير * قبل أيام صرح الأمين العام للأمم المتحدة بأن «تغير المناخ بكل بساطة تهديد وجودي لمعظم الحياة على كوكب الأرض، بما في ذلك حياة البشرية على وجه الخصوص»، وكان ذلك في مؤتمر القمة العالمي حول تنفيذ اتفاقية باريس للمناخ وأهداف التنمية المستدامة. يقودنا التصريح لسؤالين أساسيين: ما الجديد الذي يحمله التصريح، أي دلالاته؟ وهل يعكس مسؤولية حقيقية من المنظمة الأممية تجاه تلك الكارثة الكبرى، تغير المناخ؟لكن قبل الإجابة عن تلك التساؤلات قد يكون من المفيد إلقاء نظرة تقييمية عامة على الجهود المبذولة لمواجهة كارثة بحجم تغير المناخ على مستويات وطنية ودولية. وهنا تكفي الإشارة إلى أن أكبر الدول المسؤولة عن التلوث أي عن تغير المناخ في العالم اتخذت مواقف مختلفة تجاه تغير المناخ، فالولايات المتحدة أعلنت العام الماضي أنها قد تنسحب من اتفاقية باريس، فيما أعلنت الصين تصديقها على الاتفاقية، عارضة تولي قيادة العالم في مفاوضات المناخ حالة خروج القطب الأمريكي منها.أما دولياً فللأمم المتحدة أدواتها القانونية للتعامل مع تغير المناخ مثل اتفاقيتها لمواجهة تغير المناخ ثم بروتوكول كيوتو ثم اتفاقية باريس، إضافة إلى تعيين الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ قبل سنوات لتوفير مصدر موضوعي للمعلومات العلمية بشأن تلك الكارثة. على مستوى الشركات وجدنا بعض المبادرات مثل «يوم العمل البيئي»، الذي تطلقه سنويا شركة «ريكو» اليابانية لدعوة الشركات والأفراد لسلوك أكثر مراعاة للبيئة، في مساعٍ تتفق مع الحدث السنوي للأمم المتحدة (من خلال برنامجها للبيئة)، المتمثل في يوم البيئة العالمي ويحل سنويا في الخامس من يونيو/حزيران.وبصفة عامة، يمكننا القول إن جهود مكافحة تغير المناخ غير كافية، فلم تمنع تلك الجهود زيادة عدد الكوارث الطبيعية أربع مرات منذ عام 1970 - الكوارث الناتجة عن اختلالات بيئية بسبب تغير المناخ- وقد كانت الولايات المتحدة تليها الصين من أكبر الدول التي تضررت من تلك الكوارث.وعلى الرغم من ذلك، لم تدفع تلك الحقائق ثانية أكبر الدول المسؤولة عن تغير المناخ (الولايات المتحدة الأمريكية) لتعظيم مساعيها أو للعمل دولياً بما يسهم في مواجهتها، فالولايات المتحدة تركز على جهود المكافحة الداخلية أكثر من الدولية، وقد أطلقت الولايات المتحدة قبل أسابيع قمرا صناعيا جديدا متخصصا في الطقس يهدف للمساعدة في الحماية من الكوارث الطبيعية كالحرائق والفيضانات والانهيارات ضمن ميزانية بلغت 11 مليار دولار لتحسين التنبؤ بالطقس في الولايات المتحدة، فيما قد تمتنع عن سداد مساهمتها في برنامج الأمم المتحدة للطاقة النظيفة وتبلغ 4 ملايين فقط، حال خروجها من اتفاقية باريس، كما أعلنت قيادتها السياسية في يونيو/حزيران الماضي.والواقع أن التصريح الأخير للأمين العام للأمم المتحدة بشأن تغير المناخ ليس الأول، فسبق وأن أعلن بأن «النشاط النووي والطائفية وتغير المناخ أكبر التهديدات أمام المجتمع الدولي». ولكننا نرى أن الجديد في تصريحه الأخير أنه لم ينسب مسؤولية أو حلولا لأطراف محددة، للحكومات مثلاً أو حتى للأمم المتحدة التي يترأسها ولكنه نسب الكارثة الكبرى للبشرية ككل، وطرح حلولا تبدو صعبة التحقيق على أرض الواقع بدون انخراط جاد من حكومات الدول المسؤولة وبالاشتراك مع الأمم المتحدة أيضا، «فقد قدم الأمين العام حلولا بالتركيز على الطاقة النظيفة، كما دعا لخلق حلول مبتكرة لتمويل العمل المناخي والاستثمار في البنية التحتية النظيفة الصديقة للبيئة مشجعا مزيدا من الانخراط للقطاع الخاص»، ولكنه أغفل دور السياسات الوطنية المهم، لزيادة نصيب الطاقة النظيفة المنتجة في أي دولة فهذا الأمر يحتاج رؤية سياسية بجانب التمويل الاقتصادي، حتى وإن أتى معظمه من داخل جعبة القطاع الخاص!يعرف تغير المناخ على أنه ذلك التغير الكبير والملموس والمؤثر في أحوال الطقس من درجات حرارة ومعدل تساقط المطر والثلوج والرياح ويتميز بطول مداه، وقد شُـرد أكثر من 24 مليون شخص بسبب الكوارث، ويفوق هذا العدد ثلاث مرات عدد النازحين بسبب العنف والصراعات، وعلى الرغم من ذلك، نجد الأمم المتحدة تضع على صفحتها قائمة بالقضايا العالمية تشمل 18 قضية حل تغير المناخ في المرتبة قبل الأخيرة سبقتها قضايا مثل إنهاء الاستعمار والإيدز والديمقراطية والعدالة ضمن قضايا أخرى! كما كان هدف مكافحة تغير المناخ الهدف الذي أتى في الترتيب الثالث عشر ضمن أهداف التنمية المستدامة المعلنة من قبل المنظمة الأممية وتبناها المجتمع الدولي منذ عام 2015.يشير الواقع إذاً إلى أن الأمم المتحدة، باعتبارها المنظمة المظلة، تحتاج لبذل المزيد من الجهد والمحاولة لإنقاذ البشرية والكوكب من آثار تغير المناخ. فطالما أن عدد ضحايا كوارث البيئة يفوق عدد ضحايا النزاعات، وطالما أن المنظمة الأممية نشأت للحفاظ على السلم والأمن الدوليين، فلا بد أن يظهر الأمن الدولي في بعده البيئي بصورة أكثر وضوحا في ميزانية ونشاط المنظمة الأممية، كأن تدشن بعثات لحفظ الأمن البيئي على نهج بعثات حفظ السلام، ليكون نطاق عملها المناطق المهددة بتغير المناخ (وبعضها مناطق نزاع مسلح أيضاً كبعض الدول الإفريقية)، وبحيث تعمل تلك البعثات على محور التوعية والوقاية، لأن كارثة بحجم تغير المناخ تحتاج لتجديد مستمر في مناهج ومداخل التعامل معها، واستهداف فئات جديدة أيضا كالأطفال ببرامج رفع الوعي بمخاطرها، وتنشئة أجيال تعي نمط الحياة «الصديق للبيئة».ويضاف لفئة الأطفال فئة أخرى مهمة وهي «ربة المنزل»، ونحتاج لبرامج تستهدف رفع وعيها فيما يتعلق بترشيد المستخدم من الطاقة ومحاولة تقليل الفاقد والمهدر. ومن المداخل التي قد تجدي في سياق مواجهة الأمم المتحدة لمكافحة تغير المناخ: التوسع في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للوصول لأكبر قاعدة من البشر في كل مكان خاصة أن بعضها (فيسبوك ويوتيوب) ذا مشاهدات ومتابعات ليست فقط مليونية ولكن أيضا مليارية.وختاماً، فإن تصريح الأمين العام للأمم المتحدة بأن تغير المناخ «يهدد الحياة على الكوكب»، يعني إدراك المنظمة الأممية وقيادتها حجم الكارثة، ويعني أيضا أن سكان الكوكب ينتظرون المزيد من المنظمة الأممية، وهنا فلا ينبغي أن يقتصر الأمر على متابعة تنفيذ اتفاقية باريس للمناخ والتنمية المستدامة، من خلال الموائد المستديرة ذات الحضور القممي، مع التسليم بأهمية مثل تلك التحركات، وإنما نحتاج لمزيد من رسم وتنفيذ برامج جادة ذات نطاقات واسعة، لا تغفل دور الفرد (لا سيما النشء) كما لا تغفل دور الحكومات والمؤسسات في تبني سلوكيات صديقة للبيئة تسهم - ولو بعد حين- في مكافحة الكارثة الأكبر على الإطلاق، تغير المناخ، على حد قول الأمين العام. nkamalm@yahoo.com

مشاركة :