الدوحة - ترجمة الراية : أكد تقرير نشره موقع «ميدل إيست آي» البريطاني أن قطر تسير في الاتجاه الصحيح، وأن الحصار عزّز تحالفاتها الدوليّة وفتح أمامها آفاقاً جديدة للتعاون الاستراتيجي. ونوّه التقرير بتعرّض وكالة الأنباء القطريّة الرسميّة (قنا)، للقرصنة في 23 من مايو من العام الماضي، وهي الحادثة التي كانت بداية للأزمة التي فرضت فيها الدول الأربع حصاراً على قطر التي نجحت في إيجاد بدائل في كافة الاتجاهات. وأعطى تقرير الموقع البريطاني صورة ومشهداً متكاملاً عن الحياة الطبيعيّة في قطر باستثناء المعبر الحدودي القطري السعودي الذي أشير إليه في البداية، مع اقتراب طريق سلوى من الحدود القطرية السعودية، تأخذ حركة المرور بالانحسار بشكل كبير، بحيث لا يمكن رؤية سيارة واحدة في أي من الاتجاهين. وباتت آخر محطة وقود قبل المعبر مهجورة. وقال التقرير قبل عام، كان هذا الطريق يختنق بالشاحنات، ولكن اليوم، أصبح مهجوراً، فخلال الاثني عشر شهراً الماضية، فرضت الرياض وأبو ظبي والبحرين ومصر حصارًا بريًا وبحريًا وجويًا على قطر في محاولة للهيمنة الإقليميّة. وأضاف الموقع: توقفت التجارة بين الدوحة ودول الحصار التي تقودها السعودية، ولا يزال المواطنون محرومين من السفر بسبب دول الحصار. أما في قلب الدوحة، فإن آثار الحصار معدومة، حيث تزدحم أرفف البقالات والأسواق بالأغذية، ويستمرّ البناء في الطرق والملاعب والمباني، وتزدهر مراكز التسوّق بنشاط لافت. وأشار التقرير إلى أن صندوق النقد الدولي اعتبر الآثار الاقتصاديّة للحصار «مؤقتة»، مشيراً إلى أنه في الوقت الذي انخفض فيه التمويل الأجنبي والودائع الخاصّة بالقطاع الخاص بمقدار 40 مليار دولار، تمّ تعويض ذلك عن طريق ضخّ نقدي من البنك المركزي والصندوق السيادي لدولة قطر لما يتمتّع به الاقتصاد القطري من قوة. بدائل وقال التقرير: يشير المحللون إلى أن الحصار دفع قطر لإيجاد بدائل لسياسات طويلة الأمد، سواء من حيث الجغرافيا السياسيّة أو الأداء الأساسي لاقتصادها. وبسرعة تخلت الدوحة عن الاعتماد على الشحنات البريّة عبر الحدود السعودية لنقل بعض المواد، بما في ذلك اللحوم ومنتجات الألبان، واستعاضت عنها بدول مثل تركيا، وعملت بجديّة على تطوير صناعاتها المحليّة. وأضاف: بهذه الطريقة، ساعد الحصار في الحدّ من اعتماد الدوحة على جيرانها في مجلس التعاون الخليجي، وهذا ما أشار إليه عبد الله العريان، الأستاذ المساعد في قسم التاريخ في كلية الشؤون الدولية بجامعة جورجتاون في قطر، حيث تحدث قائلاً: لقد كانت دول مجلس التعاون الخليجي دائماً في وضع من يسعى لمحاولة صياغة مقاربة مشتركة للمنطقة لكن هذه الدول لم تكن بالضرورة متفقة على وجهة النظر أو الرأي. وأضاف: من خلال جعل نفسها أكثر اكتفاءً من الناحية الذاتيّة، خاصةً من الناحية الاقتصادية، فإن هذا يسمح لقطر في النهاية بتأسيس طريقها الخاص بها في الوقت الذي كانت تعرقل عند القيام بذلك في السابق. قرصنة وقال موقع ميدل أيست آي: لقد بدأت أزمة الخليج قبل عام في 23 مايو، عندما تمكن القراصنة من الوصول لموقع وكالة الأنباء القطرية ونشروا تعليقات كاذبة ومفبركة نسبت إلى حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى والتي كانت تنتقد السياسة الخارجية الأمريكية.. وندّدت الدوحة فيما بعد بتدخل أبو ظبي، مؤكدة أنه «انتهاك واضح وخرق للقانون الدولي والاتفاقات الثنائية والجماعية الموقعة بين الدول الأعضاء» في مجلس التعاون الخليجي. وتدهور الوضع بسرعة، مع إصدار المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين ومصر سلسلة متزامنة من الإعلانات صباح يوم الـ 5 من يونيو لخفض العلاقات مع الدوحة. وتعهدوا بمواصلة الحصار حتى تلتزم قطر بقائمة من 13 طلباً والتي شملت إغلاق شبكة الجزيرة وتقليص العلاقات مع إيران.. وقد رفضت قطر تلك المطالب باعتبارها مساساً بسيادتها. لا تأثير للحصار وقال موقع ميدل ايست آي: رغم أن أنباء الحصار خلقت شيئاً من القلق لدى سكان الدوحة، حيث ذهب البعض إلى تخزين المواد والسلع لكن سرعان ما تمّ ضخّ مخزونات من السلع الأساسية وتوفرت الأموال النقديّة بشكلها الطبيعي والاعتيادي. واليوم بعد مرور سنة على الحصار، أصبح من الواضح أنه «لم يكن للحصار ذلك التأثير المتوقع»، بحسب ما أشار إليه محجوب الزويري، مدير مركز دراسات الخليج في جامعة قطر، والذي تحدث قائلاً لميدل ايست اي: لقد رأى الناس المزيد من السلع والعناصر والتنوّع، أكثر مما كان عليه قبل الحصار. ويبدو أن قطر تمكنت من الاستجابة السريعة لهذه الأمور الصغيرة من الاحتياجات الأساسية.. لذلك كان ذلك نجاحًا في جهودها الرامية إلى تقليل آثار الحصار على الناس. وأضاف: في نهاية المطاف أن البلدان المحاصرة فشلت في سعيها لعزل قطر، فيما نجحت الدوحة في تعزيز التحالفات مع الدول الأخرى في أوروبا وآسيا. كما أدّى الحصار إلى تعزيز لحمة العلاقة بين المواطنين القطريين والمقيمين، حيث أبدا الاثنان إحساساً قوياً بالهُوية الوطنيّة. انتهاكات أما في ملف حقوق الإنسان فقال موقع ميدل ايست اي البريطاني: بالنسبة للبعض، فإن الحصار كانت له آثار عميقة ومستمرة. لقد وصفت هيومن رايتس ووتش انتهاكات حقوق الإنسان بالجسيمة بسبب ما ارتكبته دول الحصار، بما في ذلك فصل العائلات، وتوقف الرعاية الطبيّة وتقطّع السبل بالكثير ممن لديهم مصالح في هذه البلدان. وقال عبدالله، وهو رجل أعمال قطري: لقد أثر الحصار عليّ وعلى أسرتي على المستوى الشخصي، لكوني نصف بحريني ونصف قطري، وهذا ما لحق بالكثيرين غيري، فإن الحصار مزق أفراد عائلتي.. كان أبي، الذي لا يزال يحمل جواز سفر بحرينياً، في البحرين في ذلك الوقت، ولم نكن متأكدين متى سيهدأ الجميع وكنا نأمل بزيارته بانتظام كما اعتاد هو على ذلك لكن الحصار فرقنا. وفي شهر ديسمبر الماضي، بعد ستة أشهر من الحصار، وجدت منظمة العفو الدولية أن بلدان الحصار لم تبذل أي جهد لتخفيف معاناة المتضرّرين بسبب حصارها، بما في ذلك أن العديد من الأسر المختلطة كانت تواجه محناً حقيقية.. فيما لا توجد أي علامة على وجود حل في الأفق. افتراءات وأشار الموقع البريطاني إلى أنه بعد مضي عام على ذلك، أصبح من الواضح أن حصار قطر ليس سوى جزء من لغز أكبر بكثير، وهو في الأساس رغبة سعودية وإماراتية لإعادة تصميم المشهد الجيوسياسي في المنطقة، بحسب ما نقلته عن نهى أبو الدهب، الزميلة الزائرة في مركز بروكنجز الدوحة والتي قالت: لقد كان من المثير للاهتمام أن تلاحظ التغيير السردي، في البداية، كانت دول الحصار الأربع مصممة على دفع الاتهام بأن قطر هي راعية للإرهاب. أما الآن.. فقد أصبح من الواضح وبشكل متزايد أنها تسعى في الواقع إلى شن هجوم مضادّ للثورة على مستوى المنطقة، لا سيما في أعقاب الربيع العربي، وأشارت أبو الدهب، إلى وقوف قطر الى جانب الانتفاضات المناهضة للحكومات التي اجتاحت المنطقة قبل سبع سنوات، وهو ما تنظر إليه الرياض وحلفاؤها من دول الحصار على أنها تهديد لها. هل يتصالحون؟ ونقل موقع ميدل إيست آي عن رحاب النعيمي، مواطنة قطرية تعمل بالقطاع المالي، إن أكبر تغيير شهدته خلال العام الماضي هو صدمة الحصار لكننا محظوظون بما يكفي للعيش في بلد يتمتع بالقدرة على الحفاظ على مستويات المعيشة.. لذلك لم يكن التأثير المادي للحصار مصدر قلق كبيراً. وأضافت: إن ما لا نستطيع السيطرة عليه هو الضغط الذي فرضه هذا الحصار على العلاقات الأسريّة داخل دول مجلس التعاون الخليجي، حيث يكون أحد أفراد الأسرة أو أكثر من أحد من دول الحصار أو متزوجاً من دول الحصار. ونتيجة لذلك، فإن الحصار «يملي الآن كيف يشعر الناس تجاه بعضهم في دول دول مجلس التعاون الخليجي. ومعظمنا متشائمون بشأن أي مصالحة في المستقبل القريب ونتوقع استمرار الحصار إلى سنوات عديدة». وختم موقع ميدل ايست آي تقريره: في الوقت الذي يظل فيه الكثيرون متشككين في التوصّل إلى حل يلوح في الأفق، فإن الوضع يمكن أن يتطوّر بسرعة، كما حدث في الأيام الأولى من الحصار، حسبما يرى المُحللون. ولكن بغض النظر عما سيحدث بعد ذلك، فتقول أبو الدهب، هناك أمر واحد واضح: «إن دول مجلس التعاون الخليجي كفكرة اجتماعيّة وسياسيّة لن تكون هي نفسها بالتأكيد مرّة أخرى».
مشاركة :