القاهرة – استقبل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، الأربعاء، في زيارة مفاجئة، استمرت يوما واحدا، في إطار التنسيق المصري الأردني المتواصل بشأن القضايا الإقليمية التي ترتبط بجغرافيا وأمن وسياسة البلدين. وجاءت الزيارة وسط أجواء ساخنة في المنطقة جراء نقل السفارة الأميركية للقدس، وما تبعها من قتل عشرات الفلسطينيين وإصابة المئات من المحتجين على نقل السفارة ومرور الذكرى السبعين للنكبة. وقال مصدر مصري مطلع لـ”العرب” إن الرئيس السيسي والملك عبدالله الثاني يريدان استثمار حالة الوعي العربي خلال المرحلة الراهنة في ما يتعلق بملف القدس لإحياء القضية الفلسطينية والضغط على الولايات المتحدة وإسرائيل للاستجابة لشروط الفلسطينيين قبل أي تسوية سياسية جديدة محتملة. وأضاف، أن تضافر الجهود العربية مهم للغاية للتصدي لمحاولات تمرير صفقة القرن الأميركية دون تطبيق الحد الأدنى من شروط ومطالب الفلسطينيين، وهو ما ينعكس سلبا على مصر والأردن، والمشاكل سوف تحيط بهما وبالمنطقة كلها، من اتجاهات مختلفة، بحكم ارتباطهما التاريخي بالقضية. ويتزامن لقاء السيسي والملك عبدالله مع دخول الرئيس الفلسطيني محمود عباس (83 عاما) مرحلة متقدمة من المرض، وفق تقارير إعلامية وطبية عدة، وخطورة أن يؤثر الغياب المفاجئ له على السلطة، واشتداد الصراع السياسي داخل حركة فتح واتساع دائرة الخلاف بين الفلسطينيين على الحكم. وكانت آخر زيارة رسمية للعاهل الأردني للقاهرة في مايو من العام الماضي، وتناولت الجهود العربية لكسر الجمود القائم في عملية السلام في الشرق الأوسط، وضرورة استثمار الزخم الذي تولد مع قدوم إدارة أميركية جديدة للعمل على استئناف المفاوضات المباشرة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. ويرى مراقبون أن اهتمام مصر والأردن، كقوتين إقليميتين معنيتين بالشأن الفلسطيني، برسم سيناريوهات مستقبلية تتسق والمستجدات الحاصلة، خطوة مهمة لمواجهة التحديات الراهنة دون انهيار مؤسسات الدولة وقفز متطرفين ومتشددين على السلطة. يتزامن لقاء السيسي والملك عبدالله مع دخول الرئيس الفلسطيني محمود عباس (83 عاما) مرحلة متقدمة من المرض وتدرك القاهرة وعمان أن الإخفاق في مهمة تأمين عملية انتقال سلس للسلطة، حال حدوث مكروه للرئيس محمود عباس، قد تترتب عليه تداعيات تصل إلى حد الاقتتال على السلطة وزيادة الفرقة بين الضفة الغربية وغزة، وعدم استبعاد خروج القطاع برمته عن نطاق حكم السلطة ليكون تحت حكم حماس بموافقة المجتمع الدولي. وقال متابعون إن خطورة سيناريو الفوضى في الضفة الغربية، أنه يتم التخطيط له بقوة داخل إسرائيل، التي تريد أن يكون حكمها (الضفة) عن طريق عشائر ومقاطعات، كما أن تحويل غزة لمنطقة دويلة مستقلة ذاتيا أحد أساسيات صفقة القرن، ما يعني أن الخطر الأمني والسياسي يمس الأردن من ناحية الضفة، ومصر من ناحية غزة. وكشف مصدر مصري مطلع لـ”العرب”، أن زيارة الملك عبدالله إلى القاهرة ترتبط بوضع أكثر من سيناريو واقعي وقابل للتطبيق لأجل ترميم الجدار الداخلي الفلسطيني حتى لا يكون هناك شتات وتصارع وربما اقتتال يمهد الطريق أمام أميركا لتمرير صفقة القرن دون أدنى مقاومة سياسية عربية أو تعديل. وأضاف المصدر، أن “اليمين المتطرف في إسرائيل يسعى بقوة إلى تغذية الاحتقان والصراع الداخلي بين الأطراف الفلسطينية، بالتزامن مع توتر الشارع والتركيز على مرض الرئيس عباس وغياب الوريث أو الرقم الثاني الذي يتسلم السلطة، حتى يتسنى تمرير الصفقة بسلام”. ولفت المصدر إلى أن القاهرة وعمان لديهما سيناريوهات للتعامل مع أي طارئ يمس القضية الفلسطينية، وذلك في رده على سؤال حول الترتيبات الخاصة بمرحلة ما بعد غياب الرئيس عباس، مؤكدا أن مناقشة مثل هذه الموضوعات حاليا باستفاضة وعلى الملأ من شأنه إحداث بلبلة. وقال إن “مصر والأردن ومعهما دول عربية عدة لا يريدون تمرير صفقة القرن بشروط أميركا وإسرائيل، بل بتحقيق مطالب الفلسطينيين أولا قبل أي شيء آخر، لأن عكس ذلك سوف تكون له تداعيات كارثية على المنطقة”. وأخذ التنسيق المصري الأردني مستوى متصاعد خلال الفترة الأخيرة، لا سيما ما يتعلق بالملف الفلسطيني، ويعتبران التنسيق مسألة استراتيجية ولا يمكن أن تكون هناك خطوة أحادية دون تعاون واضح بين الطرفين. وكانت حزمة من المساعدات الغذائية والطبية والبترولية دخلت مؤخرا إلى قطاع غزة، تمت بمشاركة مصرية أردنية، لأن البلدين لا يريدان تحت أي ظرف أن تصل الأوضاع داخل الأراضي الفلسطينية حد الانفجار والخروج عن السيطرة، خاصة في غزة. وقال عبدالعليم محمد الباحث والمتخصص في الشأن الفلسطيني، إن التنسيق المصري الأردني خلال هذه المرحلة الدقيقة، يضمن عدم انهيار المؤسسات في ظل الحديث عن تقدم مرض محمود عباس، وما يمكن أن يتسبب فيه من فراغ مفاجئ في السلطة. وأضاف أن البلدين حصن لمنع اشتداد الصراع داخل فلسطين، إذا غاب عباس، وما يمكن أن يقوي نفوذ المتشددين سواء داخل فتح أو حماس، مما تترتب عليه مشكلات كبيرة لمصر والأردن والمنطقة برمتها، وبالتالي فإن وضع سيناريوهات محكمة وواقعية يضمن ترتيب البيت الفلسطيني دون اشتداد نفوذ الإسلاميين. وأوضح أن النجاح في هذه المهمة الصعبة، يضمن فرض الاستقرار النسبي داخل الأراضي الفلسطينية، حتى وإن كانت هناك أحداث طارئة مثل غياب أبومازن، لكن التنسيق والاستعداد مطلوبان مبكرا، لأن التعامل بعشوائية مع التحديات الراهنة يصب في صالح الولايات المتحدة التي أصبحت ترى أن كل الظروف مهيأة لتمرير صفقة القرن.
مشاركة :