إلى جانب الكوميديا والدراما الاجتماعية المقدّمتين على الشاشات الإماراتية في الموسم الرمضاني الحالي، وهما تباعا “حدك مدك” و”البشارة”، تراهن الدراما الإماراتية في موسم الذروة الفرجوبة أيضا على الملاحم التاريخية والسير الذاتية الخالدة، من خلال عملين دراميين يعدّان من الإنتاجات الضخمة. ويتناول العمل الأول شخصية الشاعر الماجدي بن ظاهر الذي عاش في الحدود الجغرافية لدولة الإمارات العربية في نهاية القرن السابع عشر وبداية القرن الثامن عشر، أما العمل الثاني فيؤرخ لسيرة إحدى الشخصيات الخليجية التاريخية التي كان لها شأن كبير في بداية تكوين الدولة الأموية، وهو المهلب بن أبي صفرة. ويبرز العملان سعي إدارة تلفزيون أبوظبي المنتجة لهما نحو تسليط الضوء على الثقافة والموروث التاريخي الخليجي بشكل عام، والإماراتي على نحو خاص. يراهن صناع الدراما الإماراتية على القيمة الفنية للأعمال المقدّمة بصرف النظر عن عددها، ويبدو ذلك واضحا في نوعية الأعمال الإماراتية المشاركة في السباق الرمضاني الحالي رغم قلتها، والتي يبرز بينها عملان ملحميان من نوعية الأعمال ذات الكلفة العالية، والمحتوى الذي ينقب عن المناطق والشخصيات المضيئة في تاريخ المنطقة ويعرض مسلسل “الماجدي بن ظاهر” على قناة الإمارات، وهو من إخراج شعلان الدباس، ومن تأليف الفنان والباحث الإماراتي حسين البادي، وهو مدير مركز الإمارات للثقافة والتاريخ والتراث والمتخصّص في تاريخ وتراث الإمارات وموروثها الشعبي والشفاهي والمادي، وقام بأداء دور الماجدي الفنان جاسم الخراز بمشاركة كل من بلال عبدالله ومرعي الحليان وفاطمة الطائي وهدى الغانم ومنصور الفيلي. ويعد الشاعر الإماراتي الماجدي بن ظاهر (1781/1871)، أحد أقطاب الشعر النبطي في الخليج العربي، فقد كان شاعرا لا يشق له غبار، تناقلت أشعاره الأجيال وخلف إرثا شعريا كبيرا، كما تم تناول تجربته الشعرية في العديد من الأبحاث والدراسات والكتب المتعلقة بالتراث الشعري الإماراتي. وقد بلغت تكلفة المسلسل أكثر من عشرة ملايين درهم إماراتي (حوالي 2.72 مليون دولار)، ويؤكد صناع العمل من خلال تتر المسلسل أن العمل هو فانتازيا تاريخية متخيلة، ربما يعود ذلك إلى عدم وجود مادة تاريخية موثقة تحوي سيرة هذا الشاعر الإماراتي الكبير، غير ما تم استقاؤه من أشعاره وما توارد من قصص ومواقف متناثرة حول حياته، فقد اختلف الناس على الكثير من الأخبار المتعلقة بالماجدي وبسيرته وشعره واسمه ونسبه، ولكنهم أجمعوا على شاعريته وتفرده في قمة الشعر الإماراتي. وقد صرح صناع العمل بأنه قد تم الاستعانة بخبراء للهجات، وخبراء في الموروث الشعبي الإماراتي من أجل التعرف على التقاليد السائدة في المجتمع آنذاك، وكذلك تركيبة المجتمع وطرز الملبس والعمارة في ذلك الوقت، من أجل الخروج بعمل يقترب قدر الإمكان من طبيعة الحياة في العصر الذي كان يعيش فيه الماجدي بن ظاهر. ويتطرق المسلسل إلى البيئة الإماراتية والمجتمع الإماراتي، ويتتبع سيرة الماجدي في شبابه وعلاقته بوالديه وأهله وتأثير الأحداث السياسية والاجتماعية على حياته، ما يضعنا أمام عمل متكامل يلامس الكثير من الجوانب التاريخية والثقافية والاجتماعية لدولة الإمارات في تلك الحقبة الهامة من تاريخها. وتعرض حاليا قناتا أبوظبي والإمارات مسلسل “المهلب بن أبي صفرة”، والعمل يتتبع حياة المهلب بن أبي صفرة (632/ 702م) ونشأته وقيادته للجيوش لمواجهة الخوارج، وكيف اكتسب مكانته الكبيرة، حتى تم تعيينه واليا على خراسان من قبل الأمويين. مسلسلات سير ذاتية تلقي الضوء على الثقافة والموروث الحضاري الخليجي مسلسلات سير ذاتية تلقي الضوء على الثقافة والموروث الحضاري الخليجي وتذكر الوقائع التاريخية أن المهلب بن أبي صفرة قد شارك في القتال ضد الفرس في معركة القادسية تحت قيادة سعدالدين بن أبي وقاص، وينسب للمهلب الفضل في أنه قضى على فتنة الأزارقة الخوارج التي كادت تعصف بالدولة الإسلامية، وكان له دور كبير في فتوحات المشرق، وكان معارضا للأمويين في البداية ومؤيدا لعبدالله بن الزبير، ومن المعروف عنه أيضا أنه غزا الهند سنة 44 هجري في خلافة معاوية بن أبي سفيان. والمسلسل من تأليف محمد بطوش وإخراج محمد لطفي، ويشارك في بطولته معتصم النهار في دور المهلب، ومنذر ريحانة وديمة قندلفت وخالد القيش وروبين عيسى وآخرون. ويعد هذا المسلسل واحدا من الأعمال التاريخية المميزة في هذا الموسم، نظرا لطبيعته التي تطلبت الاستعانة بالمجاميع الكبيرة، والديكورات والملابس، وأحداثه التي تتضمن العديد من المعارك والمواجهات الحربية، وقد نجح المخرج الأردني محمد لطفي في التعامل مع كل هذه التفاصيل ببراعة ليخرج لنا عملا تاريخيا وملحميا من الدرجة الأولى، يضاف إلى عمليه السابقين “شوق” و”مالك بن الريب” وهما من نفس النوعية الملحمية ذات الإنتاج الضخم. وقد حظي مسلسل “المهلب بن أبي صفرة” بالكثير من الجدل والنقاش من حوله، منذ أن أعلن تلفزيون أبوظبي نيته تقديم عمل درامي عن سيرة هذه الشخصية التاريخية. وتمثلت أسباب هذا الجدل في الخلاف حول انتماء المهلب، إذ يرى العمانيون أن شخصية المهلب بن أبي صفرة هي شخصية تاريخية عمانية، وكان ينبغي الإشارة إلى ذلك في العمل، بينما يرى صناع العمل أن تلك الشخصية هي واحدة من الشخصيات الخليجية التاريخية التي يحق لهم تناولها، بل ذهب البعض إلى نسبها لدولة الإمارات، لخلاف حول البقعة التي نشأ فيها المهلب. واستند صناع العمل في الدفاع عن أحقيتهم في تناول سيرة المهلب إلى كتاب لوزير الثقافة السوري السابق رياض نعسان أغا بعنوان “المهلب من دبا إلى مطلع الشمس”، وهو الكتاب الذي ينسب ميلاد المهلب إلى منطقة دبا في الإمارات، كما رأى البعض أن الحدود القديمة قد لا تتفق مع الحدود السياسية المعاصرة، فمدينة دبا التي ولد فيها المهلب تتوزع اليوم بين عمان والإمارات.
مشاركة :