دمشق- لم يكن أغرب من الحديث عن منع مسلسل “ترجمان الأشواق” من العرض على شاشة التلفزيون السوري، إلاّ القرار الذي وصلت إليه اللجنة التي أحيلت إليها مراقبة العمل مجددا، فالمسلسل الذي كتب السيناريو الأصلي له محمد عبدالعزيز كمشروع فيلم سينمائي روائي طويل، قبل أن يتحوّل إلى سيناريو مسلسل طويل كتب السيناريو له بشار عباس، قد أنجز منذ أشهر، وهو العمل التلفزيوني الأول للمخرج محمد عبدالعزيز بعد العديد من الأفلام السينمائية الجادة والمتميزة التي أوجدته في الخارطة السينمائية السورية بشكل فعال. وقدّم عبدالعزيز سابقا أفلام “نصف ملغ نيكوتين”، “المهاجران”، “دمشق مع حبي”، “ليلى”، “الرابعة بتوقيت الفردوس” وأخيرا “حرائق”، واستبشر المتابعون بولوج عبدالعزيز المجال التلفزيوني خيرا، على اعتبار كونه سينقل ذائقته وأسلوبه السينمائي الذي تميز به إلى الشاشة الصغيرة. انتظر الجمهور العربي مع بداية رمضان الحالي، التجربة الإخراجية الأولى للمخرج السوري محمد عبدالعزيز في مجال الدراما التلفزيونية، مستبشرا خيرا بهذه الانعطافة لمخرج مكرّس في السينما، وجهز المسلسل المعنون بـ”ترجمان الأشواق” للعرض، إلاّ أن الرقابة السورية كان لها رأي آخر وبدأ السينمائي السوري إنجاز العمل منذ ما يزيد عن العام تقريبا، وبات جاهزا للعرض منذ ثمانية أشهر، وفجأة تروّج في الأجواء أخبار بأن المسلسل سوف يمنع من العرض، قبل يوم واحد من بدء الموسم الرمضاني، على الشاشات العربية، وهو ما حدث فعلا. الغريب في الأمر والذي كان صادما لصناع الدراما السورية ومتابعيها، أن المسلسل من إنتاج حكومي؛ المؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني التي أحدثت قبل سنوات لتطوير الدراما التلفزيونية، وهي إحدى المؤسسات التابعة لوزارة الإعلام في سوريا، والجهة التي ستعرض العمل هي التلفزة السورية التابعة أيضا لوزارة الإعلام في سوريا، فتكون بذلك الجهة المنتجة النهائية قد حجبت عملها عن العرض، وهي حالة غير مسبوقة في الدراما التلفزيونية السورية. وجاء في قرار لجنة المراقبة الفنية والتي شُكّلت خصيصا لمشاهدة العمل والبتّ بأمر عرضه، والذي صدر رسميا على موقع المؤسسة المنتجة عبر بيان صحافي “بعد مشاهدة العمل ‘ترجمان الأشواق’ من قبل لجنة الرقابة المكلفة من قبل وزارة الإعلام، تم الاتفاق على عرض العمل المتميز فنيا لاحقا لعرضه في الوقت المناسب، وعدم منعه كما أشيع في بعض وسائل التواصل الاجتماعي والعمل على تسويقه إلى المحطات الخارجية، بعد أن يتم تجاوز الملاحظات الفنية والموضوعية، علما أن اللجنة المراقبة أشادت بالجهد الفني والإبداعي المبذول من قبل فريق العمل، وتوقفت اللجنة باحترام عند مستوى العمل عموما ممّا استحق التنويه والإشادة”. يذكر أن مخرج العمل قد قدّم فيه قامات فنية سورية كبيرة منها عباس النوري، فايز قزق، غسان مسعود، كما شارك فيه العديد من الفنانين المشاهير على غرار ثناء دبسي، حسام تحسين بيك، سلمى المصري، نوار يوسف، رنا ريشة وشكران مرتجى. محمد عبدالعزيز: من الضروري البحث في آلية الرقابة من حيث الجوهر، لا الشكل فقط محمد عبدالعزيز: من الضروري البحث في آلية الرقابة من حيث الجوهر، لا الشكل فقط والمسلسل يقدّم مزيجا جديدا لثلاث حيوات حاضرة، وهي البراغماتي “نجيب” (عباس النوري) الذي جاء يبحث عن ابنته المختطفة في سوريا، وبعد وصوله إلى بلده ومعرفته بالمتغيرات التي طرأت عليه، يجد أنه يبحث عن وطن وليس عن ابنة فحسب، وصديقه “كمال” (فايز قزق) صاحب المكتبة الذي ما زال متشبثا بأفكاره اليسارية، والصديق الثالث (غسان مسعود) الشخص الذي استهوته الحياة الصوفية فذهب إليها تاركا وراءه بريق الحياة المعاصرة وزيفها. و”ترجمان الأشواق” من الأعمال السورية القليلة التي تتحدث ولو بطريقة غير مباشرة عن الواقع الحزبي السياسي السوري عبر عقود ثلاثة سابقة، فالأصدقاء الثلاثة الذين تدور الأحداث حولهم، هم من اليساريين السوريين الذين عصفت بهم ريح التغيير والسفر، فرحل أحدهم وبقي البعض الآخر. وفي مداخلة سريعة مع مخرج المسلسل محمد عبدالعزيز، بيّن لـ”العرب” أنه من الضروري البحث في آلية الرقابة من حيث الجوهر، وليس فقط من حيث الشكل، فالموضوع متعلق بكيفية التعاطي مع المنتج الفني كمادة متكاملة وجاهزة للعرض تحمل مقومات فنية وفكرية محددة. وقال “عملي جاهز للعرض منذ ثمانية أشهر، لماذا تأخر عرضه على لجنة الرقابة لأيام قبل الموسم الرمضاني، حيث أن المنطق يقتضي أن تعرض هذه الأعمال التي سوف تبث على الشاشة بمجرد جاهزيتها كي لا نفاجأ بهكذا ظروف حرجة تضع الجميع في مهب الريح”.
مشاركة :