يبدو أن انخفاض أسعار النفط بحوالي 30% ألقى بظلاله على الأسعار العالمية للغاز الطبيعي المسال، وترتبط عقود أسعار الغاز المسال بأسعار النفط ارتباطاً وثيقاً على اساس المحتوى الحراري، وكما هو معروف فكل برميل نفط يحتوي على حوالي 5،8 مليون وحدة حرارية وبذلك تصبح الأسعار مترابطة بمعادلات سعرية يسهل فهمها، فلو كان سعر برميل النفط 110 دولارات يصبح سعر المليون وحدة حرارية حوالي 19 دولارا وذلك بقسمة 110 على 5،8، ولو انخفضت أسعار النفط الى 75 دولارا للبرميل يصبح سعر المليون وحدة حرارية حوالي 12،5 دولار، وبذلك يتضح الارتباط الوثيق بين أسعار الغاز وأسعار النفط على اساس المحتوى الحراري، وغالباً ما نشاهد ارتباط تسعير الغاز المسال المصدر الى كل من اليابان وكوريا الجنوبية بأسعار النفط العالمية هبوطاً وصعوداً؛ وذلك لأنه من غير المعقول ان تكون أسعار النفط في مستوى 60 دولارا للبرميل وتكون أسعار الغاز المسال بحوالي 20 دولارا للمليون وحدة حرارية، ويشجع انخفاض أسعار النفط شركات توليد الطاقة بالتحول الى حرق مشتقات البترول بدلاً من الغاز الطبيعي المسال. وتشهد الأسعار العالمية للغاز المسال حالياً انخفاضاً ملحوظاً؛ بسبب وفرة الانتاج وارتفاع الكميات المعروضة للبيع وبسبب انخفاض أسعار النفط، ولقد انخفضت أسعار الغاز المسال في اسيا في شهر ديسمبر الى اقل من 10 دولارات للمليون وحدة حرارية مع هبوط أسعار خام برنت الى اقل من 80 دولارا، ووصلت هذه الأسعار قبل عام اي في شهر ديسمبر من عام 2013م الى حوالي 18 دولارا للمليون وحدة حرارية، وسجلت أسعار نفط برنت في تلك الفترة معدل 110 دولارات للبرميل، وهذا يشير الى ان أسعار الغاز المسال انخفضت بحوالي 45%، بينما انخفضت أسعار النفط بحوالي 30%، وهذا يدل على ان أسعار عقود الغاز المسال في اليابان ترتبط بمعادلة سعرية يكون اساسها سعر خليط النفط المستورد لليابان ويدخل فيها معامل يتفق عليه البائع والمشترى، واما السبب الاخر المهم الذي سيتسبب بالمزيد من الهبوط في أسعار الغاز المسال، فهو يتمثل بكثرة المشاريع المزمع اقامتها لانتاج المزيد من الغاز المسال في العالم، وينتج العالم حالياً حوالي 240 مليون طن من الغاز المسال سنوياً، وتتسيد قطر كافة بلدان العالم بإنتاج حوالي 77 مليون طن بالسنة، بينما تتقدم اليابان دول العالم كأكبر بلد في استيراد الغاز المسال، خاصة بعد توقف مفاعلاتها النووية عن انتاج الطاقة بعد كارثة فوكوشيما، وسترفع استراليا قريباً قدرتها لانتاج حوالي 85 مليون طن بالسنة بعد اربع سنوات، اي انها ستتقدم على قطر كأكبر منتج للغاز المسال بالعالم، والجدير بالذكر ان المشاريع الاسترالية لانتاج الغاز المسال قد اوشك بعضها على الانتهاء، ويناقش حالياً تصدير اربع شحنات من انتاج هذه المشاريع في شهر يناير القادم. إن النمو الكبير في انتاج الغاز الطبيعي الصخري في امريكا بعد عام 2010م وانخفاض الأسعار في امريكا تباعاً، جعل الكثير من شركات انتاج هذا الغاز تبدأ بمشاريع تسييل الغاز لتصديره الى اوروبا واسيا، ولقد انخفضت أسعار الغاز الطبيعي في امريكا؛ نتيجة لهذه الوفرة في الاحتياطيات وفي الانتاج، فبعد ان وصلت الى 12 دولارا للمليون وحدة حرارية في عام 2006م، اصبحت الأسعار الآن عند مستوى 4 دولارات للمليون وحدة حرارية، ولذلك فقد تقدم الى الان للحكومة الامريكية 23 طلبا لمشاريع تصدير للغاز المسال بغرض طلب الموافقة لهم بالتصدير، وتبلغ الطاقة الاجمالية للمشاريع 23 المتقدمة بطلب الرخصة 300 بليون متر مكعب سنوياً، ولقد أعلنت وزارة الطاقة الأمريكية على موافقتها على تصدير حوالي 65 مليون طن سنوياً وغالباً سيبدأ تصدير هذه الكميات من 2016م-2020م، والجدير بالذكر انه يجري العمل حالياً على توسيع قناة بنما؛ لتتسع لناقلات الغاز المسال الامريكية العملاقة والمتجهة الى اليابان وكوريا والصين، وبذلك فإن عهداً جديداً للطاقة قد بدأ يلقي بظلاله على العالم، ويتوقع ان تتقدم الولايات المتحدة على قطر في انتاج الغاز المسال بعد عام 2025م. وسيرتفع الانتاج العالمي للغاز المسال من حوالي 240 مليون طن في عام 2014م الى حوالي 360 مليون طن بحلول 2020م، وهذا يعني ان الانتاج سيزيد بحوالي 50% في ست سنوات، ويتوقع ان يرتفع الانتاج الى 470 مليون طن بحلول 2035م، وستكون استراليا وقطر ونيجيريا والولايات المتحدة اهم اربع دول في تصدير الغاز المسال، وهي ايضاً اكبر الدول استثماراً في هذا المصدر المهم للطاقة، لا شك ان صناعة الغاز المسال ستواجه تحديات كبيرة في الاعوام الخمسة القادمة، وتتمثل هذه التحديات بكثرة الانتاج وارتفاع الكميات المعروضة للبيع، وهذا لن يخدم الأسعار على المدى البعيد، فهناك المشاريع الاسترالية القادمة بقوة وبعدها سيأتي الدور على المشاريع الامريكية والكندية كنتيجة للطفرة في انتاج الغاز الصخري، وتبلغ القدرة الانتاجية للمشاريع الامريكية والكندية المقترحة الى الان حوالي 250 مليون طن بالسنة او ما يعادل القدرة العالمية الحالية، وبعدها لا ننسى مشاريع شرق القارة الافريقية مثل موزمبيق وتنزانيا ومشاريع شرق البحر المتوسط وايران ومشاريع اكسون موبيل في غينيا الجديدة، الأكيد ان بعض هذه المشاريع لن يرى النور؛ بسبب القدرة المحدودة لدول العالم على استيعاب كل هذه الكميات، ولذلك قد نرى انهيار الأسعار كما انهارت أسعار الغاز الطبيعي في امريكا، اذ وصلت الى اقل من دولارين في ابريل من عام 2012م. لا شك ان الفرق الكبير بالأسعار بين اسواق المحيط الهادي (اليابان وكوريا الجنوبية والصين) واسواق المحيط الاطلسي (اوروبا الغربية) قد بدأ بالتناقص؛ بسبب انخفاض الطلب الاسيوي على الغاز المسال، وقد يعزى ذلك الى انخفاض أسعار النفط، ويرى كثير من المحللين ان أسعار الغاز المسال في اسيا قد تصل الى 8 دولارات للمليون وحدة حرارية خاصة مع اعتدال الطقس في اسيا. إن الاستثمار في صناعة الغاز المسال في الظروف الحالية يعتريها بعض الغموض خاصة في ظل الرغبة اليابانية بالرجوع الى المفاعلات النووية والاحتياطيات الهائلة التي تحتويها الصين من الغاز الصخري، وهذا يسمح ولو نظرياً بأن تتحول الصين قريباً الى كبرى الدول في انتاج الغاز وربما مصدرة للغاز الطبيعي كما هي الحال في الولايات المتحدة. إن تحول الولايات المتحدة من مستورد للغاز المسال الى مصدر له قد أضر كثيراً بالدول المنتجة، وقد يكون مع الانتهاء من المشاريع الاسترالية نقطة تحول في صناعة الغاز الطبيعي المسال التي بدأت بالجزائر عام 1964م، ولذلك ليس من الحكمة حالياً الاستثمار في هذه الصناعة حتى تنتهى المشاريع المستقبلية وتتضح الرؤية، فقد تنهار أسعار الغاز الطبيعي المسال؛ بسبب كثرة العرض مقابل اعتدال في الطلب في آسيا وأوروبا.
مشاركة :