الحريري على رأس الحكومة اللبنانية الجديدة لمواجهة عقدة حزب الله

  • 5/25/2018
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

بيروت – أكدت مراجع سياسية لبنانية مطلعة أن تكليف سعد الحريري بتشكيل الحكومة اللبنانية لم يكن مفاجئا على الرغم من تراجع كتلة تيار المستقبل البرلمانية ونيل حزب الله وحلفائه الأغلبية في مجلس النواب إثر الانتخابات التشريعية التي جرت في 6 من الشهر الجاري. وأضافت هذه المراجع أنه من الخطأ قراءة المشهد السياسي في لبنان قراءة حسابية بحتة، فالانتخابات عام 2005 وعام 2009 لم تكن لصالح حزب الله والمتحالفين مع طهران ودمشق، ومع ذلك فقد تم انتخاب نبيه بري، حليف الحزب والنظام السوري، رئيسا لمجلس النواب بعد الانتخابات السابقة كما أخيرا رئيسا لمجلس النواب. وانتخب البرلمان، الأربعاء، بري رئيسا له ليواصل احتفاظه بالمنصب الذي يشغله منذ عام 1992. كما انتخب حليفا آخر لحزب الله هو إيلي فرزلي نائبا لبري. يتجه زعيم تيار المستقبل اللبناني سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة للمرة الثالثة في تاريخه، بعد تأييد أكثر من نصف البرلمان. وكلف الرئيس ميشال عون، الخميس، الحريري رسميًا بتشكيل حكومة جديدة بعد استشارات برلمانية نال فيها الحريري تأييد 111 نائبا من أصل 128 إجمالي أعضاء مجلس النواب. ويقول مراقبون إن إعادة انتخاب الحريري هي استمرار لصفقة الرئاسة التي نصّبت ميشال عون رئيسا للبلد وسيكون من أولوياتها مواجهة طموح حزب الله السياسي بعدما حققه من مكاسب انتخابية مؤخرا أمام مساعيه نيل مناصب سيادية وازنة داخل المؤسسات التي لم يكن يحظى بها. ومن المتوقع أن تنعكس المكاسب الانتخابية الكبيرة التي حققها حزب الله وحلفاؤه على الحكومة الجديدة التي سيحاول سعد الحريري تشكيلها. وفاز حزب الله وجماعات وأفراد مؤيدون لحيازته السلاح بما لا يقل عن 70 مقعدا في البرلمان المكون من 128 مقعدا، في اتجاه معاكس لما حدث في انتخابات عام 2009 عندما حصل تحالف مناهض لحزب الله يتزعمه الحريري وتدعمه السعودية على الأغلبية في البرلمان. وقال مسؤول لبناني لرويترز إن “الحزب سيعزز حضوره أكثر من أي وقت مضى”. وذكر المسؤول ومصادر أخرى مطلعة أن الحزب الذي يتولى الآن مناصب وزارية تعد هامشية يسعى إلى تولي وزارات خدمات أكثر أهمية. ورأت أوساط قريبة من قصر بعبدا أن إعادة تكليف سعد الحريري هي ثمرة توافق داخلي على طي صفحة الانتخابات وما صدر أثناء الحملات الانتخابية، والانتقال نحو تشكيل الحكومة بأسرع وقت. ودعا كل الزعماء اللبنانيين إلى تشكيل الحكومة الجديدة بسرعة والتي ستسعى إلى إنعاش الاقتصاد الذي يعاني من الركود ومعالجة مستويات الدين العام التي لا يمكن استمرارها. لكن يجب أن توازن الحكومة الجديدة مثل الحكومة المنتهية ولايتها بين مصالح كل الفرقاء اللبنانيين الرئيسيين وربما يستغرق هذا وقتا. طموح حزب الله لفتت بعض المصادر المتابعة أن الأغلبية المريحة التي حصل عليها الحريري أثناء المشاورات النيابية الملزمة التي جرت، الخميس، قد تعطي مؤشرات إيجابية ومتعاونة من كافة الكتل السياسية تساعد في عملية تشكيل الحكومة العتيدة، على الرغم من أن عقدا عديدة قد تواجه هذا الأمر. وتدور هذه العقد على حجم الحصص التي ستطالب بها الكتل الكبرى كما على كمية ونوعية التمثيل لكل من حزب الله وحزب القوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع. وتؤكد المعلومات الواردة من أوساط حزب الله أن الأخير يود تفعيل إنجازه الانتخابي من خلال منحه حصة ثلاثة وزراء يكلفون بحقائب وازنة. وكان الحزب قد شارك في الحكومات السابقة من خلال وزيرين يتوليان وزارات لا تعتبر مهمة في الحسابات الداخلية اللبنانية. ونقلت رويترز عن مصادر أنه رغم أن حزب الله لا يسعى لتولي أي من الوزارات الأربع المسماة “السيادية”، وهي المالية والداخلية والدفاع والخارجية، إلا أنه يريد أن تبقى وزارة المالية بيد حركة أمل الشيعية، حليفه الوثيق. وجعل الرئيس الأميركي دونالد ترامب من حزب الله هدفا للسياسة الجديدة لإدارته في مواجهة إيران بعد الانسحاب من الاتفاق النووي، وهي خطوة رحب بها حلفاء واشنطن مثل السعودية التي تعتبر إيران وحزب الله تهديدا إقليميا. وفي حين أن ترسانة أسلحة حزب الله جعلته منذ فترة طويلة الجماعة الأقوى في لبنان، فقد ظل دائما يمارس دورا محدودا في مؤسسات الدولة التي تتوزع وفقا لنظام طائفي لتقاسم السلطة. ويقول خصوم حزب الله إن كلام أوساط الحزب عن “زهد” وزاري مارسه سابقا فيه مبالغة تجافي الحقيقة. ويضيف هؤلاء أن “زهد” الحزب المزعوم ناجم عن عدم حاجته سابقا لوجود واسع داخل الحكومة للهيمنة على القرار في لبنان، وأن “فائض السلاح” الذي يمتلكه في داخل البلد كان كفيلا بالإمساك بالتوجهات الحكومية لا سيما في الأمور السيادية الأساسية، وخصوصا المتعلقة بالدفاع والأمن والسياسة الخارجية. ويضيف هؤلاء أن العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة ضد الحزب إضافة إلى جو المواجهة الحالي بين واشنطن وطهران وكثرة الحديث عن ضرورة خروج القوات الإيرانية من سوريا، تدفع الحزب لطلب الانخراط أكثر داخل الحكومة للاستظلال بالشرعية اللبنانية التي تؤمنها المؤسسات الدستورية للدولة، وهو ما يتناقض تماما مع منطق الدويلة الذي كان الحزب يروّج له. وقال مصدر رفيع آخر إن حزب الله يتطلع إلى وزارات الأشغال العامة أو الصحة أو الشؤون الاجتماعية أو الاتصالات. حزب الله يطمح لمناصب سيادية حزب الله يطمح لمناصب سيادية ويقول محللون إن تلك الوزارات التي تقدم خدمات قد تعزز رأسمال الحزب سياسيا. وتؤكد المصادر أن طموحاته لن تذهب إلى حد المطالبة بحقائب سيادية خصوصا تلك التي تتطلب تماسا معالمجتمع الدولي، بل ستروح باتجاه المطالبة بوزارات خدمية تتسق مع وعود أمينه العام حسن نصرالله أثناء الحملة الانتخابية بأن الحزب سيتفرغ بعد الانتخابات لشؤون التنمية ومكافحة الفساد. وكان الحريري قد ألمح في معرض رده على مطالب لنائب الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم، إلى أنه لن يخضع للابتزاز وأنه جاهز للاعتذار عن التكليف وتسليم الراية لغيره في حال تعقد تشكيل الحكومة بسبب شروط الكتل السياسية. وترى مصادر دبلوماسية عربية في بيروت أن ما يشبه الإجماع حول شخص الحريري لمنصب رئاسة الوزراء يمنح الرئيس المكلف حصانة تمكنه من مواجهة الضغوط التي قد يمارسها حزب الله أو أي جهات أخرى. وأضافت أن وجود بري على رأس البرلمان والحريري على رأس الحكومة يمثل استمرارا للصفقة التي أتت بعون رئيسا للجمهورية، وأن هناك سقفا حاميا لهذه التسوية عربيا ودوليا من أجل الحفاظ على استقرار لبنان. وتضيف هذه المصادر أن لبنان حظي بعقد مؤتمرات ثلاثة، في باريس وبروكسل وروما، لدعم هذا الاستقرار، كما أن الولايات المتحدة حريصة على مواصلة الدعم للجيش اللبناني والتعويل عليه كقوة عسكرية قادرة على أن تتولى الدفاع عن البلد. وبناء عليه فإن مهمة الحريري تحظى بهذه الرعاية الدولية وأن كافة الفرقاء السياسيين في لبنان يدركون ذلك ولا مصلحة لهم في تعطيل مسعاه. ضغوط دولية من شأن أي توسع في دور حزب الله في الحكومة أن يطرح أسئلة جديدة حول السياسة الغربية في لبنان. ويتلقى لبنان دعما كبيرا لمساعدته على تحمل تكلفة استضافة أكثر من مليون لاجئ سوري. كما أن الجيش اللبناني يتلقى أسلحة وتدريبا من الولايات المتحدة التي تعتبر حزب الله جماعة إرهابية. وفي حديثه أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي الأربعاء قال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إن هناك “تغييرات بالتأكيد” في الانتخابات اللبنانية لكن تقييم واشنطن هو أن “توازن القوى بشكل عام لن يتغير بشكل ملموس نتيجة لذلك”. وقال “هذا جيد وسيء. توازن القوى الحالي ليس جيدا في حد ذاته”. وأضاف أن واشنطن ينبغي أن تعيد النظر في مساعداتها بما فيها تلك التي تقدمها للجيش اللبناني “لكي نضمن أننا نستخدم أموال دافعي الضرائب بشكل سليم، وندعم الجماعات التي يرجح أن تحقق النتائج التي نريدها هناك”. وأصدرت الإدارة الأميركية عقوبات مالية جديدة تستهدف قيادة حزب الله الذي أسسه الحرس الثوري الإيراني في عام 1982. وقال الحريري إن العقوبات الجديدة ربما تعجل بتشكيل الحكومة القادمة. وتتحدث بعض التقارير عن معركة قد تنشب جراء مطالب حزب القوات اللبنانية بالحصول على حصة وزارية وازنة تتناسب مع الإنجاز الذي حققه في الانتخابات الأخيرة والذي اعتبر استثنائيا ومفاجئا. وقد رفع “القوات” حصته البرلمانية من 8 إلى 15 نائبا. وتقول التقارير إن اللقاء الذي جمع الحريري وجعجع الأسبوع الماضي أنهى مرحلة من البرودة والتوتر بين الطرفين وقد يكون مؤشرا على عودة التحالف بين “أصدقاء السعودية” في لبنان. غير أن بعض المراقبين يرون أنه مازال من الصعب التنبؤ بمستقبل هذا التطور خصوصا وأن مسألة مشاركة القوات في الحكومة تعترضها حساسيات موقف رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل كما موقف رئيس الجمهورية. ويتردد أن عون وباسيل سيدفعان باتجاه تشكيل حكومة دون القوات، خصوصا أن الخلاف بين “الوطني” و“القوات” بات علنيا، وأن جعجع بات يتهم باسيل بتركيز وقته على الهجوم على القوات. ويرى محللون أن باسيل يود الاستفادة من تحالفه مع الحريري كما تحالفه مع حزب الله كما ترميم علاقاته بحركة أمل لمحاولة الهيمنة على الحصة المسيحية داخل الحكومة المقبلة. وتتوقع التحليلات أن يعمد حزب الله إلى المطالبة بتخصيص حقيبة وزارية لأحد حلفائه السنة الذين انتزعوا بعض المقاعد من تيار المستقبل بزعامة الحريري. غير أن مصادر قريبة من الحريري أكدت بالمقابل أن الحريري سيرفض هذا الأمر وسيسعى لعقد تحالفات وتفاهمات ضد زرع “ودائع” سنية تابعة لدمشق في حكومته المقبلة.

مشاركة :