ليست الأمور كما تبدو، ولا يهزم مثلُ الخيال، ولا يوجد للمرء عدوّ أفضل من نفسه، وعلى الرغم من كلّ العِبر التي ما برح التاريخ يتلوها على أفئدتنا، والحكايا التي تعظنا بها الكتب السماوية، حول النهايات غير السعيدة واللامتوقّعة لبدايات كانت أشدّ إغراءً، لا يزال طيف شاسع من الناس لا يضعون الأمور في نصابها، ويسقطون في حبائل المظهر، ويذهبون مرّة تلو أخرى نهْباً لوهم التوقّعات. إنّ الأنباء أكثر عدداً من أن تُحصى، والتي تصبّ تحديداً في سفاهة التمنّي المخدوع، حيث يصبو الرائي إلى منزلة المرئي الزاخرة بالهالة، ثمّ وعلى حين غِرّة تسري قوانين الله، فتتلاشى المنزلة، وتخبو الهالة، ويئول النعيم برمّته أحياناً إلى مصير وخيم، وأحاديث تسري بها الركبان. إثر ذاك وكعادته على الدوام، ينقلب المخدوع على عقبيه، وينتهي التمنّي، الذي ما برح يقضّ مضجعه، إلى غبطة مشوبة بالامتنان، جرّاء انقشاع الوهم، وإخفاق الأماني الحمقاء - رغماً عنه - في أن ترى النور. آنذاك ورغم أنّه ما كان في حسبانه، فضلاً عن أن يكون في أجندته، يتكشّف للمرء أنّ الذي شاءه الله له، هو الخير المحض بعينه، وليس ما استمات للفوز به، بادئ ذي بدء. في عالمٍ على هذا الغرار، أنت لا تحتاج شيئاً أكثر من مقدار مُجزٍ من الرضا الدائم بما هو كائن، والإيمان المستمر بعدالة وطيبة وجمال الخطّة الإلهيّة المحكمة التي يدير الله بها الكون، والثقة التي لا تعرف الكلل بما عند الله. في عالمٍ على هذا الغرار، لن تجد لك حليفاً مخلصاً ونافعاً وفعّالاً، ينجيك في ساعة العسرة، ويقدّم لك المنظور الإلهي الرشيد للأشياء، بحيث لا ينطلي عليك الوهم، كما احترام وتقدير الذات. إنّ احترام وتقدير الذات هو حصنك الحصين الذي ينقذك من الوقوع في براثن الهزيمة التي تـُـنـْزِلها الصورة والصوت والمعلومة والفكرة والخيال، بساحة المسكونين بعالم الشكل.
مشاركة :