عزّز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، من وضعه على قمة هرم السلطة في سورية، نتيجة الحملة الجوية التي تقوم بها إسرائيل على سورية، والتي استهدفت المواقع الإيرانية والدفاعات الجوية السورية. ويطلق المخططون العسكريون الإسرائيليون على هذه الحملة «عملية بيت الورق»، التي تعتبر أشد الضربات الجوية كثافة، من قبل القوات الجوية الإسرائيلية على سورية، منذ أكتوبر عام 1973. ولا يمكن ترجمة هذه الضربات بأنها نصر سياسي إلا بعد معرفة طبيعة رد طهران عليها. ولكن ليس ثمة شك في أن طهران عانت ضربة قوية اخيراً، إثر تعرضها للعديد من خيبات الأمل الكبيرة. وفي الوقت ذاته، تعزز الموقع الاستراتيجي لبوتين في الشرق الأوسط، وكل ما يتعين عليه قوله هو الموافقة على كل ما يطلبه منه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو. نتيجة تفاهم إسرائيل مع بوتين على عدم بيع صواريخ «إس 300» إلى نظام الأسد، أصبحت تل أبيب قادرة على ضرب قواعد الحرس الثوري الإيراني و«حزب الله» باستخدام طائرات إف 15 وإف 16، وليس هناك حاجة لاستخدام طائرة إف 35، التي تملك منها تسع مقاتلات في حالة عملية، وتشكل سرب نسر الجولان النخبوي. وبدأ الرد الإسرائيلي العسكري الشامل على هجمات إيران الصاروخية، بعد ساعات قليلة من زيارة نتنياهو للكرملين. وتم إخطار الولايات المتحدة بذلك بصورة مسبقة أيضاً. وقال مسؤول في سلاح الجو الإسرائيلي «أبلغنا الروس بأننا سنضرب سورية، ولكننا لم نحدد الأماكن بالضبط. وكان موقف الكرملين المريح تجاه مخاوف نتنياهو، بما في ذلك عدم توجيه الانتقادات لإسرائيل في أعقاب الهجوم، تطور جديد قوبل بترحيب من قبل الإسرائيليين. ويرجع ذلك إلى أن روسيا لعبت دور الوسيط في سورية، منذ دخولها إلى هذا البلد في سبتمبر 2015 لمصلحة نظام الرئيس السوري بشار الأسد. ولسنوات عدة شكل الوجود الروسي المتنامي عقبة أمام قيام إسرائيل بفرض خطوطها الحمراء، الأمر الذي تطلب تحركاً دبلوماسياً من طرف نتنياهو كي يصل إلى تفاهم بشأن المعايير العملياتية لإسرائيل، وإدارة حالة تخفيف الصراع لتجنب وقوع الحوادث العسكرية. وبعد نحو 10 لقاءات بين نتنياهو وبوتين منذ عام 2015، تمكنت إسرائيل وروسيا من تجنب الحوادث العملياتية، ولكنهما لم تكونا على وفاق بشأن وجود إيران في مستقبل سورية. وعلى سبيل المثال، فإن التفاهمات التي تمت عام 2017 في جنوب سورية، والمتعلقة بوقف إطلاق النار، ومناطق تخفيف الصراع، والتي قادتها موسكو، لم تخفف من قلق إسرائيل الأمني. وحتى بعد البيان المشترك الروسي الأميركي في نوفمبر 2017، الذي دعا إلى «تخفيف وإنهاء» الصراعات الأجنبية في جنوب سورية، كجزء من منطقة تخفيف الصراع التي تشكلت فيما بعد. وأشار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، إلى أن وجود إيران في سورية «شرعي»، و قال إن روسيا غير ملتزمة بضمان انسحاب إيران أو الميليشيات التابعة لها. امتعاض روسي وأعربت روسيا عن امتعاضها من إسرائيل لوسائل الإعلام، بعد قيام قوات الجو الإسرائيلية بضرب قاعدة «التي فور» الجوية في حمص، وهي مركز لوجوستي مهم لحرس الثورة الإيراني، حيث تحتفظ روسيا بوجود لها هناك أيضاً. وأشارت تقارير إلى أنه بعد قيام قوات النظام بإسقاط طائرة إف 16 إسرائيلية في فبراير الماضي، أعطى نتنياهو الضوء الأخضر بشن رد عسكري قوي على سورية، ولكن تل أبيب توقفت عن ذلك بعد وصول اتصال هاتفي غاضب من بوتين. وشعرت روسيا بالغضب أيضاً بعد أن قامت إسرائيل بضرب قاعدة «تي فور» في ابريل الماضي، ما أدى إلى تدمير قاعدة صواريخ قصيرة المدى ايرانية متطورة، وكان رد بوتين التهديد ببيع أنظمة صواريخ إس300 لنظام الأسد. ولكن الكرملين غير رأيه إثر زيارة قام بها نتنياهو، حيث ذكر أحد كبار مستشاري بوتين، وهو فلاديمير كوجين، عندما سئل عن بيع صواريخ إس 300 لسورية، «في الوقت الحاضر لا نتحدث عن بيع أي صواريخ (إس 300) لسورية». وأضاف «الجيش السوري يمتلك الآن كل ما يحتاجه». الرضا الروسي وكانت إسرائيل قد نالت رضا موسكو، إثر قيام نتنياهو بإقناع الرئيس الروسي بأولويات إسرائيل في سورية، وهي أولاً، رد إسرائيل على إيران والميليشيات التابعة لها في سورية. ولا يهمها مطلقاً مواقع الجيش الروسي في سورية، كما أنها لن تستهدف قوات الأسد أو دفاعاته. وفي حقيقة الأمر، فإن إسرائيل حذرت الأسد بأن يتنحى جانباً، عندما تبدأ الحرب بينها وإيران. كما أن إسرائيل قامت بضرب القوات السورية فقط، لأنها انخرطت في الصراع، وأن إسرائيل ستضرب المواقع السورية التي تشارك، ولكنها ستحافظ على الأمن الشخصي للرئيس الأسد. كما أن إسرائيل لن توسع الحرب إلى لبنان، إذا لم تأمر إيران حزب الله بشن هجمات من هناك. وباختصار فإن العملية تقتصر على ضرب إيران وأسلحتها. ونتيجة تفاهم إسرائيل مع بوتين على عدم بيع صواريخ إس 300 إلى نظام الأسد أصبحت تل أبيب قادرة على ضرب قواعد الحرس الثوري الإيراني و«حزب الله» باستخدام طائرات إف 15 وإف 16، وليس هناك حاجة لاستخدام طائرة إف 35، التي تملك منها تسع مقاتلات في حالة عملية، وتشكل سرب نسر الجولان النخبوي. وكان بإمكان روسيا تعقيد الأمور بصورة كبيرة أمام إسرائيل، عن طريق إجبارها على المواجهة إزاء ما تعتبره تل أبيب خطاً أمنياً أحمر لا يمكن التفاوض بشأنه. وكما قال أحد أعضاء وحدة النخبة الإسرائيلية المعروفة بـ8200، فإن الذراع الرئيسة لجمع المعلومات في إدارة المخابرات العسكرية، أبلغته في فبراير الماضي، ما مفاده «أنت لا تحارب الروس لهزيمة (حزب الله). لقد قمنا بذلك في سبعينات القرن الماضي، حيث أسقطنا الطيارين الروس، لنكون قادرين على القتال في مصر». ولكن بوتين اعتبر أن قرار المواجهة ضد مصلحته، والتي حددها في سورية بأنها الحفاظ على وجوده العسكري الواسع، والحفاظ على دوره وتعزيزه أيضاً كوسيط. وربما خطر على باله أنه يستطيع القيام بذلك من دون إيران، ورغماً عن رغبة الأسد، الذي سيصبح أكثر اعتماداً على بوتين إذا تراجع موقف إيران. وبالنسبة لبوتين، فإن الطريق إلى تعزيز إنجازاته السورية قد يكمن في اتفاقية مع إسرائيل تزيد من ترسيخ مكانة روسيا، ومع الولايات المتحدة، التي تركز فقط على تنظيم «داعش» الإرهابي في شرق سورية وتخطط للانسحاب. وهذا من شأنه أن يعني أمرين: الأول هو أن الرفيق الإيراني الذي جلبه بوتين إلى الحفلة السورية، لم يكن جذاباً كما كان الإسرائيلي الذي التقاه في حفلة أخرى. والثاني أن العملية الإسرائيلية ربما تكشف طبيعة المكتسبات الإيرانية في سورية، والتي قد لا تكون أكثر من مجرد بيت من الأوراق هشّ وضعيف أمام القوات الجوية التي تضرب به بقوة وبلا هوادة فيها الجنوب.
مشاركة :