الحقيقة قد تكون مرفوضة عند الإنسان وقد ترفض في المجتمع، وليس الرفض لأن المجتمع والإنسان لا يريدان الحقيقة، بل على العكس، كل إنسان وكل مجتمع إنساني يتسامى ويتسابق للحصول على الحقيقة، لكن أي حقيقة. الحقائق مختلفة في الوجود وتنكرها النفس في بعض أحيانها أو تتنكر لها بصورة أو أخرى، الله سبحانه وتعالى يقول: (ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين، وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم). النفس الإنسانية، النفس الأصيلة المرابطة مع العقل الأصيل الخالي من شوائب الدنيا، تأخذ وتؤمن بهذه الحقيقة أن الصراط المستقيم هو طريق الله القويم، لكن النفس الإنسانية الخارجية المتبعة والمرابطة للجسد الإنساني المتنعمة بملذات الدنيا لا تقر بهذه الحقيقة، وإن قرت فهي ليست مذعنة، تقر بالحقيقة وتخالف النظرة الحقيقية، ويعني هذا الكلام أن لكل إنسان نسبة انحراف، قلّ هذا أو زاد. الذنوب وارتكابها احد تلك الأدلة على الانحراف الفردي، علاوة على قبول المجتمع للعادات والسلوك غير السوي فهو انحراف مجتمعي، نحن نحتاج إلى التمعن أكثر في حقائقنا ونحتاج إلى الرجوع إلى الذكرى، ونحتاج إلى التأمل كثيرا في كل الحقائق الموجودة، «فالقرآن حقيقة، والموت حقيقة، والعيش حقيقة». الاختلاف البشري له جوانبه، كالاختلاف العنصري والاختلاف الجنسي والتحصيل العلمي كذلك، فكل شخص له مميزاته التي تميزه عن غيره حسب طبعه وجنسه وطبيعة مجتمعه ومقامه الشخصي أمام نفسه وأمام الناس، وكل هذه المسائل تقف عائقا للإنسان للوصول إلى الحقيقة، الحقيقة لوجوده ولمقامه ولظرفه ولبيانه؛ لأن الإنسان الذي يحطم هذه العوائق هو الإنسان الصافي الخارج لله الذي يطلب وجه الله وحده، وينبغي أن نبذل الجهد لنكون هذا الإنسان الذي تشير إليه الآية الكريمة (وقليل من عبادي الشكور)، وأنا لست بصدد شرح الشكر هنا، لكن أحد مصاديق هذا الشكر خضوع الإنسان لله خضوعا (كليا) وتسليما (نهائيا)، ولم نجد مثالا (حقيقيا) لهذا الإنسان إلا في عباد الله الصالحين الذين ينشرون الصلاح والإصلاح. لماذا نذنب ونعصي ونحن نعلم أن المعصية تخرجنا عن الاستقامة؟! تمعن أيها القارئ قول الله تعالى: (وألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا)، أسقيناهم هذا الماء هو ماء النور والبصيرة، هو الماء الذي إذا لامس جسمك آنسك بروح المعرفة والهداية ونور طريقك عن كل غواية وأبعدك عن كل فكر عقيم وجمعك يوم القيامة مع المرسلين، ما هذا الماء الذي لو كانت لنا الاستقامة لأسقيتناه يا رب؟ البعض يتصور أن الماء هو ماء في الجنة جزاء ما نعمل من عمل صالح، كلامك سليم، هنالك ماء تشربه يوم القيامة لا تظمأ بعده أبدا، لكن هذا الماء الذي سيسقيك إياه الرحمن ليس الماء الذي تتصوره وليس الماء في الآخرة فقط، هنالك شراب في الدنيا تسقاه من الرحمن الرحيم وتشرب منه وأنت لا تعلم، تمعن معي وتدبر، فحكمة الله وعطاؤه لك كلها مياه غدقة، مياه عطرة مياه عذبة، لأنك تتوق لعذوبتها؛ لأنها الرحمة الحقيقة والنور المجيد والماء الغدق. إذن أيها القارئ وتقلبنا الدنيا وتحطنا ونحن لا نعلم منها شيء، نعم يا أحبتي لنتمعن ولنفهم الحياة التي هي حياة ليس علينا أن نفهم ما لا يجب فهمه، ولا بد من إدراك الحقائق بحقائقها وحقيقتها، كلنا عاصون كلنا مذنبون كلنا خاطئون وعبادة الله هي الصراط المستقيم والتقيد بتعاليم الإسلام هو صراط مستقيم، لا بالفهم الشخصي بل بالفهم الإسلامي الصحيح وبالعلم والمعرفة الحقيقة والاطلاع الجدي، والتمعن في كل كلمة في الحياة وجملة في الدنيا والتأمل فيها. وفقني الله وإياكم لرضاه ونيل مغفرته، وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين.
مشاركة :