"قماشتي المفضلة" فيلم عن هواجس الذات والحالة السورية

  • 5/26/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

أرادت المخرجة السورية غايا جيجي أن تصنع من فيلمها “قماشتي المفضلة ” الذي عرض في مهرجان كان الأخير، عملا جريئا يستند إلى “سينما المؤلف”، يعبّر عن فكرها الخاص باعتبارها تنتمي إلى التيار النسائي الفكري المعروف بـ”الفمينزم”، ففيلمها يدور حول شخصية فتاة سورية شابة تدعى “نهلة” تعيش مع أسرتها المكونة من الأم وثلاث شقيقات (لا وجود للأب فقد توفي) في عمارة سكنية في دمشق، وهي تعمل في محل لبيع الفساتين والأقمشة في دمشق، علما وأن التصوير تم في تركيا وباريس، كما أن الفيلم من الإنتاج المشترك الفرنسي التركي الألماني. إلا أن المشكلة الأساسية في الفيلم تتمثل في ضعف السيناريو وخوائه وعدم قدرة كاتبته وهي المخرجة نفسها، على تطويره ودفع مواقفه وأحداثه بحيث يبدو أكثر إثارة لاهتمام المشاهد. عرض فيلم “قماشتي المفضلة” للمخرجة السورية المقيمة في باريس غايا جيجي، في تظاهرة “نظرة ما” بمهرجان كان السينمائي الـ71، وقد انتظر الكثيرون مشاهدة الفيلم الذي يعتبر العمل الأول لمخرجته، كما أن ما سبقه من تصريحات للمخرجة أوحى بأن فيلمها يتجرأ على اقتحام ما يمكن اعتباره من “المسكوت عنه” في السينما العربية عموما تندلع أحداث ثورة الغضب السورية في مارس 2011، وتتمدّد الأحداث التي نشاهدها من خلال لقطات تسجيلية، ويظهر الرئيس بشار الأسد مرات عدة، ثم نسمع صوته وهو يلقي خطابا من خطاباته الديماغوجية المألوفة التي يدين فيها الثورة ويؤكد على وحدة الصف، وتنفجر الحرب الأهلية، وعمليات القصف الجوي للمدن الآمنة، وترويع المدنيين بواسطة الجيش والميليشيات. ومع ذلك، لا يجب أن يتوقع أحد أن يكون للفيلم أدنى علاقة بالثورة لا من قريب ولا من بعيد، فهي تظهر على فترات متقطعة خلال السياق، سواء من خلال لقطات لما تعرضه قنوات التلفزيون (غير السورية) مع مقاطع من أحاديث بعض أقطاب المعارضة أو ممثلي السلطة، ثم بعض اللقطات التي ألفناها في الأفلام التسجيلية عن الثورة للتعذيب وقمع الثوار على أيدي رجال الأمن، ثم القصف وتدمير المدن السورية. أما علاقة نهلة بهذه الأحداث فلا وجود لها في سيناريو الفيلم، فهي تقريبا لا تغادر البناية التي تقيم فيها، إلاّ لكي تصعد إلى شقة في الطابق الأعلى تقيم فيها سيدة تدعى “مدام جيجي” حوّلت شقتها إلى بيت دعارة، حيث تعمل معها مجموعة فتيات وتستقبل الزبائن من الرجال ومن بينهم شاب تصنع منه نهلة في خيالها الخاص صورة عاشق ولهان، يحبها ويخضع لها خضوعا تاما في الفراش، ولكن من دون أي مشاهد للقاء الجنسي، فالفيلم يلمس الموضوع من على الأطراف رغم وجود بعض مشاهد العري. نهلة إذن تعيش من البداية داخل عالمها الذي صنعته في خيالها، بكل ما فيه من أحاسيس ومشاعر جنسية مكبوتة، تريد أن تعبر عن نفسها لكنها تبدو مشلولة. أمّها تدبر لها زيجة من شاب سوري مهاجر في أميركا مع أسرته منذ أن كان صغيرا، لعله يتيح لنهلة وأسرتها فرصة الهجرة إلى أميركا، وبالتالي الفرار من الواقع الخانق في دمشق. وهذا هو “سمير” الذي يأتي مع أسرته لخطبتها، لكنها تعامله بنوع من التحدي، بل وتوجه له أيضا بعض الإهانات احتجاجا على قبوله هذا النوع من الزيجات المدبرة. ورغم رفض نهلة له بوضوح من خلال الحوار الذي يدور بينهما، إلاّ أنها تشعر بالغضب الشديد والإحباط بعدما يقرّر سمير أن يخطب شقيقتها الصغرى “مريم” ويتخلى عنها وتحلم بأنه عاد إليها واعترف لها بخطئه، ثم تزداد عزلتها ووحدتها واستغراقها في أحلامها المليئة بالمشاعر الجنسية التي لا ترتوي قط، لدرجة أنها تستأجر غرفة في شقة مدام جيجي بدعوى أنها ستستقبل فيها حبيبها. المخرجة السورية غايا جيجي لا يزال أمامها الكثير لكي تتعلمه وتعمل عليه قبل أن تتمكن من إنجاز عمل أكثر تماسكا المخرجة السورية غايا جيجي لا يزال أمامها الكثير لكي تتعلمه وتعمل عليه قبل أن تتمكن من إنجاز عمل أكثر تماسكا لكن الحبيب المنتظر لا يأتي أبدا بالطبع، وتكتفي هي بالاستلقاء فوق الفراش والعيش في أحلامها، بل وفي مرحلة ما سيحل محل الحبيب المجهول شاب آخر، جندي يرتدي ملابس الجيش السوري، عنيف وسادي وفظ، يطلب منها أن تقص عليه قصة سيدنا يوسف، فتأخذ في تكرارها مرارا دون أن تفلح في الربط بينها وبين خيالات نهلة والواقع السوري في الخارج. ربما كانت غايا جيجي تريد أن تقول إن نهلة بكل إحباطها وعجزها عن التحقّق وممارسة حياتها كما تحب، هي نتاج لمجتمع القهر السوري، لكن هذه تبقى مجرد فكرة طموحة للغاية في سياق سينمائي غامض ملتبس على نحو يستعصي عن الفهم، ناهيك عن عدم القدرة على الاستمتاع. وفي المقابل، هناك بعض اللقطات المتقنة بشكل جيد كتوزيع الضوء وزاوية الكاميرا وتنسيق المناظر والتكوين، ولكن الفيلم يبدو بشكل عام مقطوع الصلة بالأحداث التي تدور في سوريا اليوم، وهو موضوع يستغله الفيلم فقط من الخارج من دون أن تنجح المخرجة في جعله مرتبطا بشكل عضوي بشخصية بطلتها المحبطة. ورغم ذلك، ومن بين الجوانب الإيجابية في الفيلم عنصر التمثيل، وهنا يمكن القول إن منال عيسى التي تقمصت دور نهلة استطاعت أن تعبّر عن جبال الحزن واليأس المبكر الكامن داخل الشخصية، لكن المشكلة أنها كانت مضطرة لتكرار التعبير عن المشاعر نفسها بسبب عدم تطوّر الشخصية في سياق السيناريو، كما تميز كثيرا أداء علا طباري في دور مدام جيجي، بحضورها القوي وقدرتها على التماهي مع الشخصية التي تؤديها، لكن أمام غايا جيجي الكثير لكي تتعلمه وتعمل عليه قبل أن تتمكن من إنجاز عمل أكثر تماسكا.

مشاركة :