الذكاء الاصطناعي مجرد «خيمياء» معاصرة

  • 5/27/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

هل يصدمك القول أن مختصاً أميركياً في الذكاء الاصطناعي لا يرى فيه سوى «خيمياء» معاصرة، في الإشارة إلى كثافة الأوهام وقوة التخبط وتضارب الادعاءات واضطراب الضوابط العلمية فيه؟ ماذا لو عرفت أنه خبير يعمل في الشركة التي يتصدر الذكاء الاصطناعي اهتماماتها، بل إنها تضخ بلايين الدولارات فيه، وتوظف أرتالاً من العقول المختصة للمساهمة في بحوثه وتطويره؟ ماذا لو عرفت أنه قدم رؤية تلك الشركة العملاقة (وهي «غوغل»، لا غيرها ولا سواها)، في مؤتمر عالمي مختص بمنظومات تعلّم الآلات؟ ولنقل أيضاً أنه لم يكن فرداً وحيداً في تلك الرؤية، بل شاركه فيه آخرون من مستويات متقاربة، وضمن رؤى ظهر فيها شيء من التفاوت، ولكن بقيت تلك النبرة النقدية تربط بينها. وأفردت مجلة «ساينس» SCIENCE العلمية الناطقة بلسان «الجمعية الأميركية لتقدم العلوم»، صفحات كثيرة لتغطية ذلك المؤتمر. ووفق «ساينس»، استُهِلَّ ذلك النقد للمسارات الراهنة في الذكاء الاصطناعي بورقة بحث قدمها علي رحيمي، وهو باحث في الذكاء الاصطناعي في شركة «غوغل». وسبق لرحيمي أن ألقى في كانون الأول (ديسمبر) 2017، كلمة أمام مؤتمر مختص بالذكاء الاصطناعي، تضمنت نظرة بانورامية واسعة على ذلك الحقل، وصفق له الحضور واقفين لقرابة 40 ثانية. وآنذاك، انتقد رحيمي معادلات/ خوارزميات تعلّم الآلات Machine Learning Algorithms (وهي تمثّل القلب في حقل الذكاء الاصطناعي) بأنها صارت أقرب إلى «الخيمياء» Alchemy، خصوصاً أنها تستند إلى التعلّم تجريبيّاً عن طريق الخطأ و/أو الصواب. ويشير مصطلح «خيمياء» إلى نسق من الادعاءات الزائفة التي كانت تسمّي نفسها «علماً» في القرون الوسطى وما قبلها، وتدعي العمل على تحويل جوهر المواد، كتحويل الحجر إلى ذهب أو صنع «الإكسير» القادر على إعطاء الإنسان الخلود وشفائه من الأمراض كلها! وعند ظهور التفكير العلمي، سقطت مزاعم الخيمياء، وتبلور بديلاً عنها علوم أبرزها الكيمياء. وبتشبيهه ذكاء الآلات بالخيمياء، قصد رحيمي أن ذلك الحقل من المعلوماتية المعاصرة لم يصل إلى مرحلة العلم فعلياً، بل هو أقرب إلى ادعاءات السحرة في الأزمنة التي سبقت تبلور العلوم الحديثة! وشدّد على أن خبراء تعلّم الآلات يستعملون خوارزميات لا يعرفون أيها الخطأ، وكذلك لا يملكون معايير دقيقة لتمييز نسق الذكاء الاصطناعي الأكثر دقة من غيره. «فانكوفر» تستضيف تفكيراً نقدياً توسّع رحيمي في الموضوع نفسه عبر ورقة بحث مُدقّق قدمها في 30 نيسان (أبريل) 2018، أمام «المؤتمر الدولي لتمثّلات تعلم الآلات» الذي انعقد في مدينة «فانكوفر» بكندا. واستناداً إلى عمله مع فريق علمي في «غوغل»، عرض رحيمي أمثلة موثقة عما رأى الفريق أنه خيمياء معاصرة في الذكاء الاصطناعي، كما قدم وصفات بديلة تساعد على تعزيز الدقة العلمية في تعلم الآلات. وأشار رحيمي إلى ما سماه «معاناة مؤلمة» يكابدها خبراء الذكاء الاصطناعي حاضراً ترجع إلى إحساس منتشر بينهم بأنهم يتعاملون مع تقنية تكاد تكون غرائبيّة! وأوضح أن ذلك لا يشبه الإشكاليّة الموجودة حاضراً في إعادة إنتاج الأعمال في حقل الذكاء الاصطناعي. إذ تتمثل الأخيرة في عدم قدرة المختصين على إعادة إنتاج عمل ما (بهدف التثبت من متانته العلمية، وهذا أمر أساسي في التقنيات والعلوم)، بسبب الاضطراب المنتشر حاضراً في ممارسات نشر الأعمال والبحوث المتصلة بالذكاء الاصطناعي. وكذلك لا تشبه «المعاناة المؤلمة» مشكلة أخرى تتمثل في صعوبة «تفسير» الطريقة التي توصلت بها منظومة معينة إلى استنتاجاتها. وأوضح رحيمي أن المعاناة التي يشير إليها هي أعمق من ذلك، بل إنها تتمثّل في أن حقل الذكاء الاصطناعي برمته صار أشبه بـ «صندوق أسود»، ما يعني أن الخبراء باتوا لا يعرفون الآليات التي توصل معادلاتهم/ خوارزمياتهم إلى استنتاجاتها، ولا مدى صحة تلك الآليات أو الخوارزميات، كما يفتقدون معطيات تمكن من معرفة أي منظومة من الخوارزميات يمكن الركون إليها فعليّاً. كأن تُدَرّب كلباً أو قطة في المؤتمر الكندي نفسه، تبنّى خبير الذكاء الاصطناعي فرانسوا شوليه (يعمل في «غوغل» أيضاً) وجهة مماثلة لتلك التي عبّر رحيمي عنها. وشبه ممارسات مختصي الذكاء الاصطناعي بالمعتقدات الخرافية عن تعويذات سحرية وأرواح تجلب ثروات! وضرب شوليه مثلاً على ذلك بميل الخبراء إلى تبني تقنيات تحسّن «معدل التعلم في الذكاء الاصطناعي»، لكنها تشبه طرق تدريب الحيوانات المنزلية الأليفة، بمعنى اعتمادها على النسبة التي يصحّح فيها برنامج ما نفسه بعد ارتكاب خطأ ما، من دون تفهم فعلي للسبب الذي يجعل برنامجاً أفضل من الآخر. وفي حالات أخرى، وفق شوليه، يبدو خبراء تعلم الآلات ببساطة كمن يتخبط في الظلام. إذ يعتمدون أسلوب التدرج الإحصائي المستند إلى الزمن، كوسيلة لتخفيض الخطأ في مؤشرات برامجهم. على رغم ذلك، بل على رغم آلاف الأوراق الأكاديمية وما لا يحصى من الطرق في تطبيق ذلك الأسلوب، لا تزال تلك الطريقة معتمدة على تجربة الخطأ والصواب. وتقاطع رأي شوليه مع ما ذهب إليه رحيمي أيضاً بإشارته إلى أنه في غياب المعرفة العميقة بالوسائل الأساسية اللازمة لتركيب (بمعنى ابتكار وتدريب) منظومة جديدة من خوارزميات الذكاء الاصطناعي، بات الخبراء يصطنعون ما يشبه الادعاءات الواسعة المرتجلة، على غرار ما كان يفعله سحرة الخيمياء في العصور المظلمة. وألقت ورقة بحث رحيمي الضوء على الجهود الضائعة والأداء الأقل من المستوى، المتصلة بالمستوى الحاضر في الذكاء الاصطناعي. وضربت مثلاً عملياً على ذلك في حقل الترجمة. إذ وثّقت أنه في معظم الحالات، عندما عمد خبراء إلى حذف الأجزاء «المتقدمة» المضافة إلى النواة الأساسية في برامج للترجمة بالذكاء الاصطناعي، كانت النتيجة أن البرامج الأبسط أعطت ترجمات أفضل! واستطراداً، يعني ذلك أن صُنّاع البرامج «الأذكى» لا يعرفون ما الذي تؤديه فعلياً تلك الأقسام «المتقدمة» في برامجهم.

مشاركة :