من جديد تثير صحة الرئيس محمود عباس، قضية الخلافة، في ظل أوضاع مبهمة، لا تدعو للاطمئنان على استقرار النظام السياسي الفلسطيني بالرغم من كل ما يعتريه من عوار قانوني وسياسي ووطني. السؤال مطروح منذ فترة، لكن لا القيادة الفلسطينية بما في ذلك الرئاسة تعطي عليه جوابا ولا من يطرحون السؤال بين الفينة والأخرى يجرؤون على معالجة الأمر بالوضوح والشجاعة الكافية خوفا من ردود فعل انتقامية ممن يعتبرون الاقتراب من هذا الحقل جريمة وتآمر ضد الرئيس. الرئيس بين يدي الله سواء لأسباب صحية أو بسبب تقدم السن، ولكن الجواب عن السؤال يظل معلقا بين التكهنات التي يتداولها الإسرائيليون أكثر من الفلسطينيين. يعلم كل من له علاقة بهذا الأمر أن الانتقال السلس للسلطة بحسب القانون الأساسي على غرار ما وقع حين استشهد الرئيس ياسر عرفات، أمر غير ممكن إذ من المستبعد تماما أن تسند الرئاسة في حال شغورها إلى رئيس المجلس التشريعي المعطل أصلا، وفي ظل الانقسام العميق الذي يضرب جذوره في كل زاوية ومكان ومرفق. قد يقوم المجلس المركزي الفلسطيني بسحب صلاحيات التشريعي، ولكن في كل الأحوال فإن إجراء الانتخابات حسب النظام السياسي غير ممكن، مما يعني ويستدعي تغييرا في طبيعة النظام السياسي والقانون الأساسي الذي تستند إليه السلطة. الفلسطينيون استنفذوا عمليا كل الآليات والاجتماعات التي يحق لها ويمكن أن تجيب على السؤال ولكن بدون الإجابة عنه. حركة فتح عقدت مؤتمرها السابع ولاحقا انتخبت الأخ محمود العالول نائبا لرئيس الحركة الأمر الذي يجنبها السؤال عن ماهية رئيسها. المجلس الوطني الفلسطيني عقد دورته الثامنة والعشرين مع نقص في الشرعية السياسية والتنظيمية واختار مندوبي حركة فتح في اللجنة التنفيذية وليس من بينهم نائب رئيس حركة فتح، مما يعني أنه في حال شغور موقع رئيس المنظمة فإن الأمر سيؤول للدكتور صائب عريقات باعتباره أمين سر اللجنة التنفيذية. المجلس المركزي عقد دورتين خلال السنوات القليلة الماضية واتخذ مجموعة من القرارات، التي جرى التأكيد عليها من قبل اللجنة المركزية لحركة فتح واللجنة التنفيذية للمنظمة ولكن أيا من قراراته لم يجد طريقه إلى التنفيذ العملي. الانقسام الفلسطيني لا يزال يضفي بمخاطره على المشروع الوطني وعلى العلاقات الوطنية وحركة حماس تتجه لأن تنخرط في صفقات أو مساومات لها علاقة براهن قطاع غزة ومستقبله في ظل شعور عارم يتعمق من أن السلطة وإجراءاتها تستهدف وقد تسهل انفصال القطاع. المشهد مشوش إلى أبعد حد ففي ظل غياب الإجابة عن سؤال بل أسئلة الخلافة، وطبيعة النظام السياسي وعلاقات مؤسساته بعضها ببعض. في قراءة الواقع القائم من انقسام ومن غياب الإجابات يمكن التكهن بأن المرحلة القادمة ستشهد تفكيكا للمسؤوليات بحيث لا نعود أمام صيغة الرئيس المتفرد برئاسة السلطة والمنظمة وحركة فتح. إذا كان هذا ما تؤشر إليه الوقائع فإن الأقرب إلى التداول هو فكرة رأس جماعي او لجنة ثلاثية من رئيس المنظمة ورئيس حركة فتح ورئيس الحكومة الذي قد يبقى الدكتور رامي الحمد الله وقد يجري تغييره لصالح شخصية فتحاوية. غير أن المسألة لا تتوقف عند هذا الحد فهل يشكل هذا الرأس الثلاثي عنوانا للتداول مع ممكنات العودة للمفاوضات، أم أنه فقط يشكل هروبا من استحقاق تسمية الرئيس الذي سيكون في هذه الحالة محصلة توافقات فلسطينية وإقليمية ودولية لإسرائيل دور كبير فيها؟ واستطرادا هل يشكل اللجوء لهذه الصيغة، أساسا لتغيير جذري في طبيعة النظام السياسي الفلسطيني، الذي عليه أن يتحول نحو إعلان الدولة تحت الاحتلال مما يستدعي تغييرات كبيرة في طبيعة المؤسسات الوطنية وأدوارها وصلاحياتها؟ غريب ما يجري لأن النتيجة الوحيدة المؤكدة لغياب الجواب القانوني عن مسألة ما بعد الرئيس هو الفوضى والصراع بين الأقطاب الكثر الذين لا يتفقون على شخصية مركزية يمكن أن تتجاوز الخلافات العميقة بين الشخصيات التي ترى في نفسها الأهلية والحق في أن تتبوأ المسؤولية الأولى عن النظام السياسي. على أن كل السيناريوهات التي يمكن أن ترد في الأذهان، لا تستبعد وجود مرشحين أقوياء أخرين غير الذين يتم تداول أسماؤهم خاصة إذا استمرت سياسة إقصاء غزة من معادلة البحث عن البديل، وحيث تتسارع التطورات والأحداث نحو إقامة الكيان الفلسطيني في قطاع غزة. الفلسطينيون ليسوا وحدهم في الميدان بما في ذلك ميدانهم، وربما في ظل الانقسام، ليسوا الطرف الأكثر تأثيرا في صياغة مؤسساتهم الوطنية، ولا يغير هذه الحقيقة كل الهراء الذي يدعي بأن الفلسطينيين قادرون على تجاوز الاحتلال وعواصم الجغرافيا والمال، فإذا هم لم يبادروا لتقديم إجابات عن الأسئلة التي تخصهم فإن هناك من سيملأ الفراغ ويفرض عليهم اجاباته.
مشاركة :