قمة ترامب - كيم خيار صائب

  • 5/28/2018
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

بعد موجة التفاؤل الكبيرة التي اجتاحت العديد من دول العالم وخاصة ذات العلاقة القريبة بالوضع في شبه الجزيرة الكورية أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلغاء اجتماع القمة المقرر عقده مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون في سنغافورة مطلع الشهر القادم وهو القرار الذي ربما لم يكن مفاجئا بالنسبة إلى العديد من الدول وفي المقدمة منها كوريا الجنوبية والصين واليابان والتي أعربت معظمها عن تطلعها إلى استمرار الأجواء «الرطبة» التي تخيم على العلاقات بين الأطراف ذات الصلة بالوضع في شبه الجزيرة الكورية، فكوريا الجنوبية على سبيل المثال أكدت عزمها على الاستمرار في تنفيذ ما اتفقت عليه مع جارتها الشمالية خلال القمة التي انعقدت مؤخرا بين زعيمي البلدين وهو الموقف نفسه الذي عبرت عنه الصين الحليف والداعم الرئيسي لكوريا الشمالية. الوضع في شبه الجزيرة الكورية يشكل واحدة من الأزمات الخطيرة التي تهدد بنشوب حرب مدمرة في المنطقة وخاصة مع امتلاك كوريا الشمالية ترسانة لا بأس بها من الأسلحة النووية إلى جانب وسائل إيصالها لأهداف تتعدى نطاق شبه الجزيرة الكورية بآلاف الكيلومترات، وهي هددت بالفعل باستخدام هذه الأسلحة في حالة تعرضها لهجوم من جانب الولايات المتحدة الأمريكية التي ترفض حتى الآن استبعاد الخيار العسكري في التعامل مع كوريا الشمالية إذا أصرت الأخيرة على الاحتفاظ بترسانتها النووية، وقد حدث توتر خطير في الفترة الأخيرة وتبادل للتهديدات باستخدام هذه الأسلحة لكن لقاء القمة الذي عقد بين الكوريتين مؤخرا خفض من لهجة التهديدات والتصريحات النارية بين أمريكا وكوريا الشمالية. جميع الدول ذات العلاقة المباشرة بالأزمة الكورية تجمع على أهمية إخلاء شبه الجزيرة الكورية من الأسلحة النووية وتخلي كوريا الشمالية عن الأسلحة التي بحوزتها، بما في ذلك الصين وروسيا وهما أقرب الأصدقاء لكوريا الشمالية، وقد أبدت الأخيرة استعدادها للتخلص من هذه الأسلحة من دون أن تبدي أي اشتراطات للإقدام على ذلك، لكن من المؤكد أنها لن تقدم على هذه الخطوة من دون أن يكون هناك ثمن مقابل لها، وفي ومقدمة ذلك ضمان عدم تعرضها لنفس المصير الذي تعرض له العراق وليبيا من جانب الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، وهو شرط مشروع وخاصة بعد التجارب العملية الماثلة أمام الجميع وأن ضمان أمن الدولة يعد حقا لا يمكن لأحد أن يجادل حوله. الغريب في القرار الأمريكي، أي إلغاء قمة ترامب -كيم أنه جاء بعد خطوات عملية وإيجابية من جانب كوريا الشمالية تمثلت في تدمير أجزاء من موقع إجراء التجارب النووية، الأمر الذي ينم عن حسن نية وصدقية التعهدات الكورية الشمالية بالتخلص من أسلحتها النووية، ولئن كان القرار الأمريكي مفاجئا للبعض إلا أنه لم يكن كذلك لآخرين كثيرين يعرفون جيدا نزعة الغرور والغطرسة التي تتصف بها سياسة الولايات المتحدة الأمريكية في العديد من القضايا الدولية، وهي بهذا القرار تريد أن توصل رسالة إلا كوريا الشمالية مفادها أن الولايات المتحدة الأمريكية ليست متعطشة لعقد هذه القمة من أجل تحقيق أهدافها، أي نزع أسلحة كوريا الشمالية النووية. فالولايات المتحدة الأمريكية اعتقدت أن حسن النوايا التي أبدتها كوريا الشمالية في الفترة الأخيرة ناجمة عن تشديد العقوبات الدولية عليها، وبالتالي فإن مزيدا من هذه العقوبات وعدم إرخاء الجناح في وجه كوريا الشمالية سيدفعها في نهاية المطاف إلى القبول الطوعي بالتخلص من الأٍسلحة النووية من دون مقابل، وهذا اعتقاد خاطئ ولا ينم عن سياسة عقلانية على الإطلاق، فكوريا الشمالية التي ترى الأمثلة العدوانية الأمريكية ماثلة أمامها، لا يمكن أن تقدم رقبة النظام إلى أعدائها، وهذه الحقيقة تعرفها جميع الأطراف وبالتالي فإن غلق أي نافذة سياسية مفتوحة لتحقيق الانفراج السياسي والعسكري الحقيقي في شبه الجزيرة الكورية لن يخدم أيا من هذه الأطراف بل على العكس من ذلك. حتى الآن لم يتحدث أحد عن إغلاق أي من هذه النوافذ، بما في ذلك الجانب الأمريكي الذي قال صراحة إن إلغاء القمة لا يعني أنها لن تعقد على الإطلاق، ومع ذلك نقول إن إلغاء القمة الكورية الشمالية الأمريكية لم يكن خطوة سياسية موفقة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، لأن عقد القمة حتى ولو لم تسفر عن اتفاق يمكن وصفه بالتاريخي فإن انعقادها في حد ذاته يعد انتصارا للغة العقل والمنطق التي تقول إن جميع المشاكل مهما صعبت يمكن حلها بالحوار واللقاءات بين أطراف هذه المشاكل، وأن اللجوء إلى الخيار العسكري لحلها لا يتم إلا بعد التأكد تماما من انغلاق وانسداد جميع قنوات الحل السلمي. الوضع في شبه الجزيرة الكورية بكل تأكيد وضع خطير ومقلق لدول المنطقة لأن أي حرب تنشب بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة الأمريكية سيكون وقودها هذه الدول وخاصة كوريا الجنوبية واليابان اللتين تعتبران من أقرب الدول لمرمى الأسلحة الكورية الشمالية وهذه الأخيرة لن تتردد إطلاقا في استهداف الدولتين باعتبارهما أقرب حلفاء أمريكا في المنطقة، وبالتالي فإن هذه الدول إلى جانب كوريا الشمالية ومعهما روسيا والصين معنية أكثر من غيرها بترطيب الأوضاع السياسية مع كوريا الشمالية والدفع باتجاه أي مساع أو خطوات من شأنها منع العودة إلى الأجواء المتوترة التي خيمت على المنطقة وخاصة في عهد الرئيس الأمريكي الحالي.

مشاركة :