لا يخيب الإعلامي الإماراتي ياسر حارب ظن محبيه الذين ينتظرون جديده كل عام، وفي الموسم الرمضاني الحالي، جاء حاملاً أصواتاً كثيرة غالباً ما تشكل حياة المواطنين على اختلافهم من دون أن يمسكوا بها أو يدركوا أثرها عليهم في شكل جلي. بالتالي جاء هذا الموسم من «أصوات» الذي تبثه شاشة «أم بي سي» مكملاً لمشروع يبدو شخصياً بالنسبة إلى حارب ويتوافق مع مختلف نشاطاته الإعلامية، فقد سبقه برنامج «ما قل ودل» الذي اختص في تطوير الذات والتنمية الشخصية والاجتماعية، بهدف تعزيز جوانب التغيير الإيجابي في المجتمع. والبرنامج العلمي الوثائقي «لحظة» الذي هدف إلى معالجة الجهل بالمعرفة، وذلك من خلال دمج المشاهدين مع العلم والتقدم العلمي والتكنولوجيا، وتبسيط الأمور العلمية والمفاهيم المعقدة إلى مواضيع بسيطة، تسهل على الجميع فهمها بأسلوب حديث. ويبدو جديد ياسر مخالفاً لمجموعة كبيرة مما تقدمه الشاشات العربية أملاً في جذب المشاهد وافتراسه، هنا في تجربته «أصوات» يستمر في الرهان على البرامج القصيرة (10- 13 دقيقة مدة الحلقة) التي تصلح للشاشات الكبيرة والصغيرة وشبكة الإنترنت أيضاً. ويبدو برنامج من هذا النوع الذي يقدمه ياسر مغامرة لولا أنه يعمل مع مجموعة من الإعلاميين المحترفين والباحثين الجيدين (حسام ذياب، حسام هلالي، أحمد بكر) القادرين على توفير مادة موثوقة ومناسبة لموضوع الحلقات التي تتنوع بين مجالات مختلفة فمن «كيف نتذوق الفن؟»، إلى «الحنين إلى الماضي»، وصولاً إلى «الخير والشر» و «الارتباط بالأشياء» و «تغيير العالم»...الخ. وتبدو موضوعات هذا البرنامج فلسفية وحياتية غير مرئية وهو ما يصعب من عملية إيجاد معادلات بصرية لها، لكن الطاقم الفني يجتهد من خلال مكان تصوير فسيح نوعاً ما ومجموعة من الأكسسوارات والأثاث البسيط، والفواصل القصيرة والذكية وحركة الكاميرا الانسيابية دائمة التنوع، لتكون كلها أمور تعمل على شد المشاهد نحو ما يقوله وتمنع الملل من الدخول إليه. في الحلقة الأولى من «أصوات» وحملت عنوان «الحياة العادية» تناول الموضوع الأثير المطروح على حياة الشباب العربي اليوم في ظل الهوس بما يسمى بظاهرة المؤثرين أو Influencer وفيها، كما في كل حلقة، يطرح سؤالاً حول أسباب الخوف من الحياة العادية لمن اختار مهنة لا يفترض معها البحث عن الشهرة، ولم الخوف من أن نكون عاديين تماماً. وتقدم كل حلقة مجموعة أسئلة مستحقة مرتبطة بواقع حياتنا الحديثة، وتجعلنا نعيش معها طوال الوقت من دون حسم أو معرفة شافية، وهو ما يجعلها مؤثرة وقادرة على تغيير حياتنا، هنا يضعها البرنامج في سياقها الأعم وينقل الرؤى والمواقف منها الخاصة بالفلاسفة والحكماء والعلماء علها تكون شافية ومصدر عافية واستقامة. وفق هذا المنظور فإن البرنامج يقوم على نداء أو أصوات مصدرها الناس، قلوبهم وعقولها وتجاربهم الحياتية المختلفة، وهي أصوات لا تدور في فلكنا وذاتنا فقطـ، ما يؤهلها أن تكون برنامجاً وموضوعاً مستحقاً كعمل تلفزيوني وكموضوع نقاش يومي. وإن كان البرنامج يضم عوامل نجاح فإن أبرزها مقدمها الشاب الذي لا ينفعل أو يخرج عن المألوف مستعرضاً، أملاً في شهرة أو تحقيق إثارة. إنه المبتسم الدمث والهادئ دوماً، يعرف ماذا يريد أن يوصله إلى الناس، ويدرك أن الموضوع هو الجوهري بالنسبة إلى المشاهدين وليس ذات المقدم، وحسبي أن هذا نادر في الشريط الرمضاني الذي تعج به الشاشات. شارك المقال
مشاركة :