هل أصبحت البصمة الذكية موضة قديمة؟

  • 5/28/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

انتشار استعمال بصمة الإصبع وتقنية التعرف على الوجوه يواجهان تحديات في ظل تسابق عمالقة التكنولوجيا لتطوير المزيد من التقنيات والأساليب الجديدة للتعرف على مستخدمي الأجهزة الإلكترونية. ظهرت الحاجة إلى أساليب جديدة للتعرف على الشخص مستخدم الأجهزة الإلكترونية المختلفة، بعد أن تعقدت تطبيقات التكنولوجيا وزادت خصوصية وخطورة البيانات المستخدمة بها، فأدى ذلك إلى ابتكار ما يعرف بالمقاييس الحيوية أو تقنيات (البيومترية) التي تعمل على تحقيق شخصية المستخدم من خلال مكونات الجسم البشري التي يصعب أن تتكرر في شخصين على وجه الأرض. وطوّر العلماء استخدام البصمة على مدار السنوات الأخيرة، واعتبروها أحد أهم المقاييس الحيوية التي يمكن الاعتماد عليها في هذا الصدد، فشاع استخدامها في عدة تطبيقات حياتية، مثل إثبات حضور الموظفين والتعرف على الزبائن، فضلا عن استخدامها في الهواتف الذكية، وساعد على ازدياد شعبية البصمة الماضي المشرف لها في استخدامات بشكل أكثر بدائية، مثل كشف ملابسات الجرائم الجنائية. ولم يطل انبهار المستخدم بتقنية بصمة الأصابع في حماية الهواتف الذكية، حتى ظهر الجيل الأحدث من المقاييس الحيوية، وهي تقنية التعرف على الوجه، التي لم تكن لتظهر إلا من خلال ما وجد من عيوب للبصمة الذكية، ما يثير التساؤل عما إذا أصبحت البصمة صيحة قديمة في عالم استخدامات التكنولوجيا اليومية أم أنها لا تزال قادرة على الحفاظ على مكانتها؟ وتفاخر مصممو هاتف آيفون إكس في أواخر العام الماضي بالإعلان على اعتماد هاتفهم على تقنيات التعرف على الوجه كأحد الحلول البديلة للبصمة الذكية التي ربما لم تأخذ وقتا كافيا حتى نقول إنها أصبحت صيحة تكنولوجية قديمة ينبغي استبدالها، لكن استبدال تقنية مثل بصمة الأصابع الذكية بتقنية أحدث لا بد أن يثير في أذهاننا المقارنات بين التقنيتين. وحمت البصمة الذكية المستخدم من احتمالات التعرض لتزوير الطرق القديمة لإثبات هويته الشخصية، مثل بطاقة الرقم القومي أو ما يعادلها من مستندات شخصية، كذلك وفرت عليه معاناة اختراق كلمات مرور حساباته المختلفة، كما منحته رفاهية الاستغناء عن ضرورة حمل إثبات الهوية، فأصبحت هويته ببساطة على أطراف أصابعه. وظهرت مخاطر أمنية من نوع جديد لدى مستخدمي البصمة الذكية. وأجرى فريق بحثي من جامعتي نيويورك وميشيغان (شمال شرق الولايات المتحدة)، دراسة عام 2017 سلط الضوء فيها على المخاطر الأمنية التي قد ينطوي عليها استخدام البصمة الذكية. وعمد الباحثون الأميركيون إلى ابتكار بصمة أصابع مبنية على عدد ضخم من البصمات المجمعة في قاعدة بيانات، وجربوا استخدامها على جهاز يحاكي الماسح الضوئي للبصمة، وجاءت النتائج صادمة، إذ طابقت البصمة “المفبركة” غير الصحيحة بصمات حقيقية بنسبة بلغت 65 بالمئة. تزييف البصمة أوضحت الدراسة الأميركية أن أحد أخطر عيوب ماسح البصمة لدى الهواتف الذكية، أنه لا يلتقط صورة كاملة لبصمة الأصبع، بل يلتقط جزءا صغيرا فقط منها، ما يسهل مهمة تزييف هذا الجزء. وقد يظن البعض أن طلب الهاتف لتسجيل بصمات ما بين 8 إلى 10 أصابع لدى المستخدم يزيد من عوامل الأمان، لكن ما يحدث هو العكس تماما إذ تمنح هذه الخاصية الهاكرز احتمالات أكبر لاختراق الهاتف عن طريق تزييف بصمة أحد الأصابع المسجلة، فالأمر أشبه بقفل واحد له عدة نسخ من المفاتيح. وأرجع البروفيسور ستيفاني شوكرز، مدير مركز أبحاث تكنولوجيا تحديد الهوية في جامعة كلاركسون بنيويورك، أن تكون النسبة المرتفعة التي ذكرتها الدراسة لاحتمالات اختراق نظام البصمة الذكية، إلى أن الباحثين لم يستخدموا هواتف لمستخدمين حقيقيين، لكن سيحدث ذلك حتى وإن كان الأمر يتطلب إحصائية دقيقة من مطوري أندرويد وأبل للوقوف على نسبة الخطورة الأكثر واقعية. ويظل أي احتمال لاختراق البصمة أمرا مثيرا للقلق في ظل كم البيانات الشخصية والخطرة التي تحولها الهواتف الذكية عن مستخدميها، ففضلا عما تحويه هواتفنا من رسائل وصور شخصية، ربما يكون الأمر الأكثر خطورة عندما يتعلق بإمكانية سرقة مبالغ ضخمة، في ظل ظهور خدمات مثل “أبل باي” و“أندرويد باي” والتي تسمح للمستخدم بإجراء عملية شراء وخصم قيمتها من الحسابات البنكية فقط بمجرد التعرف على بصمات إصبع المستخدم. وربما يساء استخدام الآثار التي يتركها إصبع المستخدم على سطح المستشعر لأغراض التلصص أو التجسس على حياته الشخصية، وهو ما أثبته علماء من جامعة كورنيل الأميركية، ويمكن من خلال آثار بصمة الإصبع التوصل إلى أسرار شخصية عن المستخدم، مثل نوعية الطعام الذي يتناوله ومستحضرات التجميل والعقاقير التي يستخدمها، وما إذا كان يتعاطى المخدرات أم لا. ويساعد على ذلك أنه على الرغم من سهولة محو آثار بصمة الإصبع، إلا أنها يمكن أن تظل كما هي لمدة تصل إلى نصف قرن، ما يعني أنها يمكن أن تبقى سجلا مفتوحا أمام من يريد معرفة المزيد عن أسرار حياة أي إنسان، كما أن طرق خبراء الطب الشرعي لكشف البصمات كثيرة تصل إلى ما لا يقل عن 25 طريقة. ولا تقتصر مخاطر البصمة الذكية على مجال أمن المعلومات فقط، فقد أثار مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي العربية العام الماضي قضية المخاطر الصحية التي سببها جهاز ماسح البصمة، ما ساعد على تفشي المخاوف من انتشار جهاز البصمة بشكل واسع لدى الشركات لتسجيل حضور وانصراف الموظفين، كذلك المطارات والبنوك وغيرها من الهيئات. وكانت نقابة بلدية مدينة الشابة التابعة لمحافظة المهدية (ساحل تونس)، أصدرت مارس الماضي بلاغا تعلم فيه عن قرارها وقف العمل بجهاز بصمة الحضور والانصراف. وأرجعت السبب لاتخاذها مثل هذا القرار إلى ما يتسبب فيه الجهاز من أمراض خطيرة منها نقل مرض الإيدز (السيدا)، بالإضافة إلى أمراض أخرى كالسرطان، بحسب ما جاء في نص البلاغ. أمراض معدية حذرت نوريين ساراي، مُحاضِرة في معهد “اتش أي تي” التكنولوجي في زيمبابوي، من دور جهاز ماسح البصمة المستخدم في نقل الكثير من الأمراض المعدية، خاصة عند التعامل مع أجهزة تستخدمها أعداد كبيرة من البشر، ومن بين الأمراض التي يمكن انتقالها بسهولة عن طريق ماسح البصمة، نزلات البرد والإنفلونزا والتهاب الكبد الوبائي وأمراض الجهاز التنفسي، فضلا عن إثارة جدل حول إمكانية انتقال فيروس الإيبولا بنفس الطريقة. وتابعت ساراي قائلة “أول حل يتبادر إلى الذهن في هذا الصدد هو التوقف فورا عن استخدام جهاز ماسح البصمة الذكية، واستخدام البدائل الآمنة مثل وسائل المقاييس الحيوية الأخرى، إلا أن الأمر ليس بتلك السهولة، لأننا سوف نضطر إلى التعامل مع أجهزة البصمة رغما عنا”. ونصحت بتعقيم مستشعر جهاز البصمة بصفة دورية، إلا أن ذلك الحل سيواجه مشكلة استهلاك الوقت في وجود أعداد كبيرة من المستخدمين، لكن حتى مشكلة إهدار الوقت هنا لا تقارن بمشكلة خطورة الأمراض التي قد تنقل عن طريق تلك الأجهزة. وفضلا عن اتباع قواعد التعقيم والنظافة الشخصية، اقترحت ساراي استخدام نظام أمان يدعى آي-سمارت الذي يوفر مستشعرا خاصا للمستخدم على هاتفه المحمول يمكن اتصاله بالمستشعرات في الأماكن العامة، وبهذا نكون قد تلافينا مشكلة انتقال العدوى من شخص لآخر. وعرض داني ثاكار، أحد مؤسسي شركة “بايومتريك” الأميركية المختصة في تقديم إنتاج أجهزة ماسح بصمة الأصابع وغيرها من برمجيات المقاييس الحيوية، مقارنة بين مزايا وعيوب كل من تقنية البصمة الذكية وتكنولوجيا التعرف على الوجه، لتمكين المستخدم من الاختيار بينهما عن دراية بخبايا التقنيتين، والوقوف على الطريقة الأنسب لطبيعة الاستخدام اليومي الذي يختلف بطبيعة الحال بين مستخدم وآخر. وأوردت المقارنة في ما يتعلق بمزايا البصمة الذكية، أنه يصعب استخدامها دون موافقة المستخدم، فكما هو معروف ينبغي أن يضع طرف إصبعه على المساحة المخصصة لمسح البصمة، بعكس تقنيات التعرف على الوجه التي تعمل تلقائيا بمجرد تواجد المستخدم أمام الجهاز المعني بالتعرف على ملامحه، ما يعني أن ذلك قد يتم دون إذن الشخص المراد التعرف عليه. وتعد الدقة إحدى أقوى مزايا البصمة الذكية، ويستحيل أن يتشابه شخصان في بصمة إصبعهما، وهو ما يعني المزيد من الأمان لخصوصية البيانات التي تحميها البصمة، في حين أن ملامح الوجه قد تتشابه بشكل أو بآخر بين الأشخاص ولو بنسبة ضئيلة، ما يثير المخاوف الأمنية للمستخدم، علاوة على أن تأثر بصمة الإصبع بالتقدم بالعمر ضئيل جدا، إذا قورن بتأثر ملامح الوجه بالعوامل ذاتها. التعرف على الوجه أما عن مزايا تقنيات التعرف على الوجه، فيبدو أنها فاقت مثيلتها لدى البصمة، لأن استخدام تقنيات التعرف على الوجه أكثر سهولة وعملية وهو ما يناسب سرعة حياتنا اليومية، فلا يتطلب استخدامها التقيد بملامسة مساحة صغيرة، كما هو الحال في البصمة، بل يمكن للمستخدم تقنيات الوجه إتمام المهمة من على بعد. ونجد أن تقنيات التعرف على الوجه يمكن دمجها كبرنامج في العديد من الأجهزة ولا تحتاج إلى إضافة جزء للجهاز الأساسي أو تخصيص مساحة لها، بعكس البصمة الذكية التي تتطلب مساحة معينة في الجهاز أو جهازا منفصلا للوفاء بالغرض المطلوب منها، وهو مسح صورة مفصلة لبصمة الأصابع. ميزة ثالثة لتقنيات الوجه، وهي استحالة وجود إنسان بلا ملامح للوجه، حتى وإن تعرض للمرض أو التشوه، سوف تظل له ملامح تميزه عن الآخرين، في حين أنه من الممكن مصادفة إنسان لا يمتلك بصمة إصبع، سواء بسبب عيب خلقي أو لسبب طارئ، ما يستحيل معه الاستفادة من تطبيقات البصمة الذكية. وحدد العلماء ثلاثة أمراض وراثية يمكنها منع تكوين بصمات الإصبع لدى الجنين، هي “ان اف جي إس” و“دي بي آر” وما يعرف بمرض اللانحت الجلدي (اضطراب جيني نادر جدا يؤدي إلى عدم وجود بصمات الأصابع لدى الشخص المُصاب به)، المرضان الأوليان يسببان أعراضا خطيرة، فضلا عن اختفاء البصمات، أما اللانحت الجلدي فليس له سوى هذا العرض، حتى أن معهد الصحة الأميركي عرفه باسم مرض تأخير الهجرة، نظرا للمشاكل التي يسببها لمن يسعون للسفر إلى الخارج. وانتهى ثاكار في مقارنته إلى أن كل من البصمة الذكية وتقنيات التعرف على الوجه من المقاييس الحيوية لكل منهما عيوبه وميزاته، إلا أنه لا يمكن لأحدهما أن يحل محل الآخر، لأن استخدامهما لا ينحصر فقط في عالم الهواتف الذكية، بل يتشعب في تطبيقات حياتية أخرى، فالتعرف على الوجه أنسب للاستخدام في أغراض المراقبة الجماعية بالأماكن المزدحمة، في حين تناسب البصمة الذكية في تحقيق الهوية للأغراض الفردية. وكما هو الحال في عالم التكنولوجيا، فإن البصمة الذكية ليست التقنية الأولى ولن تكون الأخيرة التي يظهر بديل لها يتفوق عليها في الكثير من المزايا ويتجنب عيوبها. الأمر لا ينحصر فقط في المفاضلة بين بصمة الإصبع وتقنيات التعرف على الوجه، بل هناك بدائل أخرى قد يكون لها دور أكثر فاعلية في المستقبل في مجال المقاييس الحيوية، منها التعرف على شكل الأذن ورائحة الجسد وشكل الشفتين وطريقة السير والحركات المميزة للإنسان. ويظل المستخدم أكبر مستفيد من تنوع مثل هذه التقنيات وتلاحق تطورها وظهور الجديد منها كل يوم، ليملك رفاهية اختيار الأنسب لطبيعة حياته، وطمأنة مخاوفه، وخدمة أهدافه بالشكل الأمثل.

مشاركة :