ظل التصور العام عند من عاشوا حروبنا وخلافاتنا العربية، أن جيلاً من الزعماء والنخب السياسية والفكرية، والمتنورين من الدعاة الإسلاميين، سوف يرسمون اتجاهاً مغايراً للمراهَقات التي شهدتها أمتنا خلال حقبة الخمسينيات إلى السبعينيات؛ لأن النضج الفكري والتواصل مع حضارات العالم والثقافة المشتركة (المعولمة) وسرعة التقدم التقني، ستصنع جيلاً آخر يؤسس لمفاهيم قد تقطع جذورها مع تلك السلفية الذهنية التي لا تعرف سوى الانفعال والمراهقة السياسية التي هيمنت عليها التبعية غير الواعية للأنظمة أو القوى التابعة لقوى خارجية.. المتفائلون بعقد جديد يرسم خطى المستقبل صدموا بواقع مغاير، أي لم يعد للفكر ولا الثقافة ولا النضوج بالوعي الجديد أو المبكر أي مجال لتلك الفئات التي قيل إنها ستقودنا إلى حقول المعرفة والحوارات التي لا تفاضل أو تنفصل عن الحداثة لتنعكس كأزمات بدلاً من الحلول في مشروع عام تلتقي حوله كل النخب العربية حتى أصبحنا نبحث عن عامل مشترك يجمع الديني بالليبرالي، والقومي بالإسلامي، والوطني بالقبلي والطائفي، فكان المأزق أكبر من مسألة حلول نظرية، حيث أصبح تشريع الإرهاب وفقهه وجاذبيته، أقوى من تلك المصادر التي اعتمدتها أجيال سابقة لنزع سلطة الفرد لصالح الشعب، فشهدنا ما بعد مراحل أنظمة العسكر وغيرها متغيراً سلبياً فجر الشارع العربي، وأعاده إلى حكم الطوائف، أو حكم العامة.. من الدعوة للإصلاح إلى ممارسات الثورات أو الفوضى الجديدة، لماذا أصبح المأزق غياب ثقافة التسامح، ولماذا سُدت الأبواب أمام أي حوار ليس فقط بين المفكرين والمثقفين من كل التيارات، بل بين القيادات الدينية التي تضاعَف تنافرها إلى تشريعات التقاتل فيما بينها بأسباب موروثات تاريخية ليشكل الماضي مأزقنا المعقد؟ القضية ليست في المعتقدات لأن الجامع بينها أكثر مما يفرقها، إذ المشكل جاء من القيادات التقليدية التي لا تزال تحمل قدسية خاصة ومراتب تتعالى على المواطن مع أن فكرها وصوتها لا يزالان يعيشان في الماضي إذا اعتبرنا أن أصغر القادة في الطوائف والمذاهب الإسلامية ممن يقودون المرحلة الراهنة تجاوزت أعمارهم السبعين عاماً بحيث أصبح فكرهم يعيش على الماضي أي لم يتزاوج مع العصر وحتمياته وتسارعه واتساعه، ومن هنا صار الالتقاء على جامع مشترك لا يلغي أي طرف من أصحاب الخلاف لم يستطع كسر الحاجز التاريخي والنفسي وخاصة بين الطائفتين السنية والشيعية كأقوى خطين مؤثرين في عالمنا الإسلامي.. ومثلما تفاءل السابقون بولادة نخب سياسية وفكرية تقود المجتمع إلى فصل جديد لنهضة وطنية شاملة تحدث آخرون عن أن نخباً دينية من الجيل الثاني والثالث قد ترقى بعلاقاتها إلى مستوى آخر يقرّ الخلاف لكن لا يضعه العقدة أمام حلول تنقذنا من مأزق الماضي، غير أن الصورة أصبحت أكثر ضبابية، أي تسييس الدين أخذ بعداً قومياً بغطاء مذهبي فكان المأزق أن الخلاف مع الجيل الماضي الذي اكتسب شرعيته من سلفيته ورّث للأجيال الجديدة بنفس الفهم والتفكير والسلوك، وبذلك استحال إيجاد أرضية تلتقي عليها أجيال ما بعد السلفية الفكرية السياسية والدينية، فبقيت السدود نفسية وعقدية ولا يزال للمآزق من بقايا أخرى. لمراسلة الكاتب: yalkowaileet@alriyadh.net
مشاركة :