وصلنا في الحلقة السابقة من الليالي العربية إلى الجزء الذي تقرر فيه الراوية شهرزاد أن تنتقل إلى قصص الزهاد والعباد بعدما انتهت في حكاياتها السابقة من قصص التجار والعشاق وما شابه. في هذه الحلقة تكمل شهرزاد قصص الزهاد، وتبدأ من حكاية إبراهيم الخواص، ثم تنتقل إلى «الحطَّاب القتيل» و«الشيخ الصالح» و«جزيرة الكنوز». لما كانت الليلة السابعة والخمسون بعد الأربعمئة قالت شهرزاد للملك شهريار: يحكى أيها الملك السعيد ذو الرأي الرشيد، أن إبراهيم الخواص رضي الله عنه قال: طالبتني نفسي في وقت من الأوقات بالخروج إلى بلاد الكفار، وحاولت أن أكفَّها عن ذلك فلم تكف، وعملت على نفي هذا الخاطر عن ذهني، لكنه ألح عليه إلى أن خرجت إلى تلك البلاد، فوصلت إليها بعد جهاد وإجهاد، ولم أزل أسير فيها والعناية تكتنفني، والرعاية تحفُني، وكلما لقيتُ كافراً من أهلها غضَّ ناظره وتباعد مني، إلى أن أتيتُ مدينةً كبيرةً فيها، فوجدتُ عند بابها جماعةً من العبيد، وبأيديهم مقامع من حديد. لما رأوني أسرعوا إليّ وسلموا عليَّ، وسألوني: أطبيب أنتَ؟ فقلت: نعم، فقالوا: إن الملك يطلبك، ثم أخذوني إلى قصر عظيم، وأدخلوني على الملك، فلما رآني قال لي: مرحباً بك أيها الطبيب. ثم التفت إلى بعض أعوانه وقال لهم: خذوه إليها، وأعلموه بالشرط قبل دخوله عليها. لما خرج بي أولئك الأعوان من عنده، قالوا لي: إن للملك ابنة قد أصابها اعتلال شديد، وقد عجز جميع الأطباء عن علاجها، وما من طبيب دخل عليها ولم يفدها طبه إلا قتله الملك، فانظر ماذا ترى؟ فقلت لهم: خذوني إليها، وأدخلوني عليها. أخذوني إلى قصرها، ولم أزل أمشي معهم فيه حتى وصلنا إلى باب مخدعها، فوقفوا وقرعوه، وإذا بصوت رقيق من داخله يقول: هل جاء الطبيب صاحب السر العجيب؟ فقال كبيرهم: هذا طبيب غريب، وقد أخبرناه بالشرط فقبله، فأنشدت صاحبة ذلك الصوت تقول: افتحوا الباب فقد جاء الطبيب وانظروا نحوي فلي سر عجيب فلكم مُقتـرب مُبتعد ولكم مُبتعد وهو قريب كنت فيما بينكم في غربة فأراد الحق أنسي بغريب جمعتنا نسبة دينيَّة جمعت بين محب وحبيب ودعانا للتلاقي بعد أن حجب العاذل عنا والرقيب فاتركوا عذلي وخلوا لومكم إنني يا ويحكم لسـتُ أجيب ليس قصدي نحو فانٍ غائب إنما قصدي باقٍ لا يغيب قال الخواص: ثم فتح الباب شيخٌ كبير وقال لي: ادخل. دخلت معه وأخذت أنظر حولي، فإذا غرفة كبيرة حسنة الأثاث، فيها جميع أنواع الرياحين، وفي ركن منها ستر مضروب على سرير، وفوق السرير فرش كثيرة وأغطية ثقيلة، اختفى بينها هيكل نحيف، يتردد من أعلاه أنين خافت ضعيف. فخطر ببالي أن ألقي السلام، ولكني تذكرت قول النبي (صلى الله عليه وسلم): «لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام، وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه». فأمسكت ووقفت صامتاً، وبعد هنيهة سمعت صاحبة ذلك الصوت الرقيق تقول: أين سلام التوحيد والإخلاص يا خواص؟ فتعجبت من ذلك غاية العجب، وقلت لنفسي: كيف عرفتني، وهي قبل ذلك ما رأتني؟ ثم ازداد عجبي حين واصلت العليلة كلامها فقالت: يا خواص، كل صعب يهون بالصبر والإخلاص، ألا تعلم أنه إذا صفت القلوب والخواطر، أعربت الألسن عن مخبآت الضمائر، لقد سألته أمس أن يبعث إليَّ ولياً من أوليائه يكون على يده الخلاص، فنوديت من زوايا بيتي: لا تحزني إنا سنرسل إليك إبراهيم الخواص. لما سمعت كلامها، سألتها: ما خبرك؟ فقالت لي: أنا منذ أربع سنين، قد لاح لي الحق المبين، وكان لي نعم الجليس، والمحدث والأنيس، فرمقني قومي بالعيون، وظنوا بي الظنون، ونسبوني إلى الجنون، وما دخل عليَّ طبيب منهم إلا أوحشني، ولا زائر إلا أدهشني، فقلت لها: من الذي دلّك على طريق الوصول، وعرفك تلك الأصول؟ فقالت: براهينه الواضحة، وآياته اللائحة، ومتى وضح السبيل، فقد وضح الدليل، وظهر الحق واختفت الأباطيل، وفيما أنا أكلمها، جاء الشيخ الموكَّل بها، وسألها: ما فعل طبيبك؟ فقالت له: عرف العلة، وشفى العلة. لما سمع ذلك منها أظهر لي البشر والسرور، وسار بي إلى الملك وأخبره بما حدث، ففرح بذلك فرحاً عظيماً، وأوسعني ترحيباً وتكريماً، ولم أزل أتردد على ابنته سبعة أيام، وهي تجاذبني أطراف الكلام، وعلمت منها أن الله قد شرح صدرها للإسلام، وأنها ترغب في الحج وزيارة قبر الرسول عليه الصلاة والسلام، فسألتها: كيف يمكن خروجك من هنا؟ فأجابت: يقدر على ذلك من أدخلك عليّ، وساقك إليّ. قال الخواص: ثم توجَّهت إليها في اليوم التالي، فإذا هي قد نهضت من فراش مرضها، وارتدت ملابسها وسارت بي حتى خرجنا من قصرها، من غير أن يعلم أحد بأمرها، ولم تزل تسير في المدينة وأنا أتبعها من بعيد، حتى وصلنا إلى بابها، فخرجنا منه بسلام، وواصلنا السير في رعاية الله إلى أن بلغنا المرام، بالحج إلى بيت الله الحرام، وبزيارة قبر النبي عليه الصلاة والسلام، ثم أقامت هناك سبعة أعوام، لم تنقطع خلالها عن الصلاة والصيام، إلى أن اختارها الله إلى جواره الكريم. الحطَّاب القتيل ثم قالت شهرزاد للملك شهريار: ويحكى أن نبياً من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، كان يتعبَّد في جبل مرتفع، وتحته عين ماء تجري، فكان بالنهار يقعد في أعلى الجبل حتى لا يشغله الناس عن ذكر الله تعالى. بينما هو ذات يوم ينظر من مجلسه إلى عين الماء الجارية تحت الجبل، إذ أقبل فارس إليها، ثم ترجل ووضع بجانبه جراباً كان معه، وبعدما استراح وشرب من ماء العين، قام وركب فرسه ومضى، تاركاً ذلك الجراب حيث وضعه. وبعد ساعة أقبل إلى العين عابر سبيل ليشرب منها، فلما وقعت عيناه على الجراب، التقطه وانصرف به. ثم جاء بعده رجل حطَّاب، وعلى ظهره حزمة حطب ثقيلة، وجلس على حافة العين ليستريح ويشرب من الماء، فإذا الفارس الأول أقبل متلهفاً، وصاح به: أين الجراب الذي كان هنا؟ فأجابه: لا أدري عنه أمراً. فاستل الفارس سيفه وضرب به الحطاب فقتله، ثم فتش ثيابه ولكنه لم يجد شيئاً فترك جثة القتيل ومضى في سبيله. تعجَّب ذلك النبي مما حدث، وقال لنفسه: ما معنى أن واحداً من الناس يأخذ ألف دينار بغير بحث ولا تعب، بينما يُقتل آخر مظلوماً؟ فأوحى الله إليه أن اشتغل بعبادتك فإن تدبير العالم ليس من شأنك، وما من شيء إلا فيه لي حكمة، وقد كان والد هذا الفارس رجلاً ظالماً غصب ألف دينار من مال والد الرجل الأول، فمكنت الولد من مال أبيه، أما الحطاب فكان قد قتل والد ذلك الفارس، فمكنت الولد من القصاص لوالده. فقال ذلك النبي: لا إله إلا أنت سبحانك أنت علام الغيوب قال النبي: إلهي قد رأى بصري ما حِرتُ فيه وبات القلب في كدر عبدان: هذا اغتنى من غير ما تعب وذاك أصبح مقتولاً على الأثر فجاءه الوحي: ما في ذاك من عجب وإن تكن حكمتي تخفى على البشر إن الدنانير كانت مال والد من جزاء قتل أبي الجاني، وغير بري سلم لأحكامنا واخضع لحكمتنا فنحن أدري بنفع الخلق والضرر عصا الشيخ الصالح ثم قالت شهرزاد للملك شهريار: مما يحكى أن رجلاً من الصالحين قال: كنت ملاحاً في سفينة بنيل مصر، أنقل الناس عليها من شاطئه الشرقي إلى شاطئه الغربي. بينما أنا ذات يوم جالس في سفينتي، إذ جاءني شيخ ذو وجه مُشرق، وسلم عليّ، فرددتُ السلام، ثم قال لي: أتحملني لله تعالى؟ فأجبت: نعم. فقال: وهل تطعمني لله؟ فقلت: نعم. فركب سفينتي، وأعطيته طعاماً فأكل منه قليلاً ثم حمد الله، ولما عبرت به إلى الجانب الشرقي، وأراد النزول، قال لي: أريد أن أحمِّلك أمانة، فسألته: ما هي؟ فقال: إذا كان الغد، وألهمت أن تأتي إلى هنا وقت الظهر، فانظر تحت تلك الشجرة القريبة منا، فإن وجدتني ميتاً، فغسِّلني وكفني بالكفن الذي تجده تحت رأسي، ثم ادفني بعد الصلاة عليّ، وخذ ما كان معي، وهو المرقعة والركوة والعصا، واحفظها عندك إلى أن يحضر إليك من يطلبها ويصفها لك فأعطها له. قال الملاح الصالح: لما كان اليوم التالي، باشرتُ عملي إلى أن جاء الظهر، ثم نسيتُ أمر ذلك الشيخ، فلم أذكره إلا قرب العصر، فسرت بسرعة إلى تلك الشجرة حيث وجدته تحتها ميتاً، ووجدت كفناً جديداً عند رأسه تفوح منه رائحة المسك، فغسلته وكفنته وصليت عليه، وحفرت له قبراً ودفنته، ثم عبرت النيل إلى الجانب الغربي ليلاً ومعي المرقعة والركوة والعصا التي كانت معه، وبت ليلتي أفكر في أمره، فلما أصبحتُ جاءني شابٌ كنت أعرف أنه من اللصوص وقطاع الطرق، وقال لي: هات الأمانة. سألته: ما هي؟ فقال: المرقعة والركوة والعصا. ثم أراني يديه وفيهما أثر الحناء، وقال لي: إني كنت ليلة أمس في عرس، وسهرت أغني إلى أن جاء وقت الفجر، فنمت لأستريح، وقد جاءني في المنام شخص قال لي: إن الله تعالى قبض روح فلان الولي، وأقامك مقامه، وقد ترك لك مرقعته وركوته وعصاه عند فلان الملاح. قال الملاح الصالح: لما سمعت ذلك منه، سلمته الأمانة فنفض ثيابه ثم لبس المرقعة وسار وتركني، فبكيت لما حرمت من ذلك، ولما جن الليل عليّ ونمت، رأيت ذلك الشيخ الصالح في المنام، فقال لي: لا تستكثر على الله أن يمن على عبد من عبيده بالرجوع إليه... ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. جزيرة الكنوز لما كانت الليلة الثامنة والخمسون بعد الأربعمئة، قالت شهرزاد للملك شهريار: ومما يحكى أن رجلاً من بني إسرائيل، كان كثير المال، وله ولد صالح مبارك، فحضرت الرجل الوفاة، فقعد ولده عند رأسه وقال له: يا سيدي أوصني فقال له: يا بني لا تحلف بالله باراً ولا فاجراً. ثم مات الرجل وخلفه ابنه في مكانته، وعلم فسَّاق بني إسرائيل بأمر تلك الوصية، فصاروا يقصدونه ويدعون أن لهم أموالاً في ذمته، ويطالبونه بسدادها، أو يحلف أنه ما أخذها، فكان يعطيهم جميع ما طلبوه حتى لا يحلف عملاً بوصية والده، ولم يزل كذلك حتى فُني ماله، ورقَّت حاله، وكانت له زوجة صالحة مباركة، له منها ولدان صغيران، فقال لها: الناس أكثروا من مضايقتي، وليس عندي مال أدفعه لهم، لأنهم أخذوا مالي كله، ولم يبق لي شيء، فخير لنا أن نهرب بأنفسنا ونذهب إلى موضع لا يعرفنا فيه أحد، ورزقنا على الله. وافقته زوجته على ذلك، وأخذا ولديهما وسافرا في سفينة ولسان حالهما يقول: يا خارجا خوف العدا من داره واليسر قد وافاه عند فراره لا تجزعن من البعاد فربما عز الغريب بطول بُعد مزاره لو قد أقام الدر في أصدافه ما كان تاج الملك بيت قراره واتفق أن هاج البحر، فانكسرت السفينة وغرقت، لكن الله سبحانه وتعالى قدر النجاة للرجل وأسرته، فتعلق كل منهم بلوح من ألواح السفينة، ثم فرقتهم الأمواج وقذفت بالمرأة إلى إحدى الجزائر، وبأحد الولدين إلى جزيرة أخرى، والتقط الولد الآخر أهل سفينة في البحر، أما الرجل فقذفته الأمواج إلى جزيرة ثالثة مقفرة، ولما وجد نفسه على البر، توضأ وأذن للصلاة، فخرج من البحر أشخاص بألوان مختلفة وصلوا معه، ثم رجعوا إلى البحر، فمشى هو في الجزيرة، وأكل من ثمار شجرة صادفته حتى شبع ، ثم وجد عين ماء فشرب منها وحمد الله عز وجل. وبقي كذلك ثلاثة أيام، وفي اليوم الرابع سمع منادياً يناديه: يا أيها الرجل الصالح، البار بأبيه، لا تحزن إن الله عز وجل مخلف عليك ما خرج من يدك، فإن في هذه الجزيرة كنوزاً وأموالاً ومنافع يريد الله أن تكون لها وارثاً، وهي في موضع كذا من هذه الجزيرة، وسوف تأتي إليك السفن لتحملك إلى حيث تريد، ولكن ابق في مكانك هنا لا تبرحه، وأحسن إلى كل من يأتي إليك، إن الله يحب المحسنين. وما كاد الرجل يسير خطوات بعد ذلك، حتى وجد تلك الكنوز والأموال، وفي اليوم نفسه جاءت السفن إلى شاطئ الجزيرة، فأحسن استقبال أهلها وأكرمهم، وصار الناس يأتون إليه من مختلف الأماكن حاملين إليه الهدايا، فيقبلها منهم ويجزل لهم عطاياه، ويحبب إليهم الإقامة بالجزيرة، إلى أن عمرت بهم، وجعلوه ملكاً عليهم، وشاع ذكره في مختلف البلاد. وكان ولده الأكبر بعد نجاته من البحر أقام عند رجل صالح، علَّمه وأدَّبه، كذلك رزق الله أخاه برجل أحسن تربيته وعلمه طرق التجارة. أما والدتهما، فأقامت عند رجل من التجار، ائتمنها على ماله، وعاهدها على أن يعينها على طاعة الله عز وجل، وكان يصطحبها في أسفاره إلى البلاد المختلفة التي يقصدها للتجارة. 10 أعوام من الغربة مضت على ذلك عشرة أعوام، ثم سمع الولد الأكبر بملك تلك الجزيرة وهو لا يعلم أنه والده، فسافر إليه، وأقام عنده حيث عمل كاتباً له، كذلك قصد الولد الآخر إلى والده الملك العادل الصالح وهو لا يعرفه، فلما رآه الولدان مدة من الدهر في خدمة والدهما، وكل واحد منهما لا يعلم بالصلة التي بينهما، إلى أن جاء إلى الجزيرة ذلك التاجر الذي عنده والدتهما، وأحضرها معه في سفينة ملأها بالثياب الفاخرة والتحف النادرة، وما كاد يصل إلى الجزيرة حتى توجه إلى الملك وقدّم له هدايا ثمينة، فأعجب بها، وأمر له بجائزة سنية. وكان من بين الهدايا عقاقير أراد الملك أن يعرف طريقة استعمالها وفوائدها، فقال للرجل التاجر: أقم الليلة عندنا. فقال التاجر: لا يمكنني ذلك حتى أشاور امرأة صالحة معي في سفينتي، لأني عاهدتها على ذلك، وأنا أتيمن بدعائها، وظهرت لي البركة في آرائها... فقال له الملك: حباً وكرامة. ولما استشارها التاجر، أشارت عليه بقبول دعوة الملك، وبقيت هي في السفينة، بينما أرسل الملك كاتبه ووكيله لحراسة السفينة خلال تلك الليلة، فنفذا أمر الملك، وتوجها إلى السفينة وقعدا على مؤخرها يذكران الله عز وجل، ثم قال أحدهما للآخر: الملك ما أمرنا بحراسة هذه السفينة إلا لحرصه عليها، ولا يزال أمامنا وقت طويل حتى يطلع الفجر، فما رأيك في أن نتسلى ونستعين على السهر بأن يحدث كل منا الآخر بأغرب ما وقع له؟ فقال له: هذا رأي حسن، وأغرب ما وقع لي أنني وأنا صبي صغير ركبتُ البحر مع والدي ووالدتي وأخ لي أصغر مني، فهاجت علينا الرياح، وكسرت السفينة التي كنا فيها، ثم كتب الله سبحانه وتعالى نجاتي فتعلقت بلوح من ألواح السفينة، حملني إلى إحدى الجزائر، وبقيت بها حتى كبرت وجئت إلى هنا. لما سمع أخوه تلك القصة تعجب كل العجب، وسأله عن أسماء والديه وأخيه، فلما أنبأه بها، كاد يغمي عليه من شدة الفرح، ثم عانقه وقال له: إني أخوك، وقد كان من أمرنا قبل غرق السفينة ما هو كذا وكذا... ثم أخذ يحدث أخاه بما جرى في صغرهما. واتفق أن أمهما قامت للصلاة كعادتها، فسمعت حديثهما كله، وعرفت أنهما ولداها، ولكنها جاهدت نفسها وتملكت عواطفها، ولم تشأ أن تظهر لهما حتى يرجع التاجر من عند الملك، ولما رجع التاجر إليها وجدها في كرب شديد، فسألها: ماذا أصابك؟ أجابت: إن الرجلين اللذين بعث بهما الملك لحراسة السفينة قد أرادا بي السوء، وبت ليلتي في كرب عظيم بسببهما. فلما سمع التاجر كلامها، رجع إلى الملك وشكا إليه ما فعل أميناه، فتعجب الملك، وكان يحبهما لما تحقق فيهما من الأمانة والديانة، ثم أمر بإحضارهما وإحضار المرأة من السفينة، ليحقق الأمر بنفسه. لما دخلت المرأة على الملك ووقعت عيناها عليه، فعرفت أنه زوجها ووالدهما، ولكنها كتمت فرحتها باجتماع شملهم، ثم قالت للملك: أسألك بالله أن تأمرهما بأن يعيدا كل ما تكلما به ليلة أمس وهما في السفينة. فقال لهما الملك: أعيدا كل ما قلتما، ولا تكتما منه شيئاً. وما كاد الملك يسمع منهما قصة نجاتهما من السفينة الغارقة، حتى قام عن سريره، وصاح صيحة عظيمة، ثم أخذ يعانقهما وهو يبكي ويقول: أنتما ولداي، أنتما ولداي. ثم كشفت المرأة وجهها وقالت: وأنا والله أمهما. فنظر إليها الملك وعرفها، وصاروا جميعاً يبكون من شدة الفرح، ثم عاشوا في ألذ عيش وأهنأه. إلى أن أبادهم الموت، وسبحان من له الدوام، ولا يبقى إلا وجهه ذو الجلال والإكرام. وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح. وإلى اللقاء في حلقة الغد
مشاركة :