شهد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، عصر اليوم، ثالث محاضرات مجلس سموه خلال شهر رمضان المبارك، والتي حملت عنوان "العصر الجديد للإلكترونيات الحيوية الخارقة"، ألقاها أستاذ في برنامج الفنون والعلوم الإعلامية بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، البروفيسور هيو هير . وحضر المحاضرة - التي عقدت في مجلس صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في البطين - كل من سمو الشيخ طحنون بن محمد آل نهيان، ممثل حاكم أبوظبي في منطقة العين، ورئيس المجلس الوطني الاتحادي، الدكتورة أمل عبدالله القبيسي، والفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الداخلية، وسمو الشيخ منصور بن زايد، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير شؤون الرئاسة، وسمو الشيخ حامد بن زايد آل نهيان رئيس ديوان ولي عهد أبوظبي، ووزير التسامح، الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وعدد من الشيوخ والوزراء وكبار الشخصيات. وفي بداية المحاضرة أعرب مدير المحاضرة، عبد الله محمد الحارثي، عن سعادته بتواجده في هذا المجلس الذي يستضيف الأمسيات العلمية والفكرية، مقدما شكره وامتنانه لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان على إتاحة الفرصة لإلقاء الضوء على أحدث ما توصلت إلى التكنولوجيا الحديثة في المجالات الطبية ودورها في مساعدة البشرية وجعل حياتهم أكثر سهولة. وقال : "أنا اعمل في وظيفة محلل أول أداء الاستثمارات بجهاز الإمارات للاستثمارات، وأعاني من داء السكري من النوع الأول منذ عام 2009، ولدي جهاز ترونه أمامكم عبارة عن مضخة أنسلين، يعمل بالتزامن مع نسبة السكري اللحظية لمساعدتي للتعايش مع مرض السكري، الذي لا اعتبره مرضاً أو عائقاً، بل هو رفيق درب ونمط حياة". وبدوره بدأ المحاضر بتعريف نفسه قائلاً :"في العام 1982 تعرض لحادث أثناء ممارستي رياضة التسلق التي أفضلها وأمارسها منذ سن الثامنة، حتى أصبحت منذ مراهقتي واحدا من أفضل متسلقي الجبال في بلدي، هذا الحادث أدى إلى بتر ساقاي، وكنت وقتها في سن السابعة عشرة، حين قام الأطباء بتركيب أطراف اصطناعية لي، وأتذكر وقتها أن طبيبي قال لي ماذا ستفعل بجسدك الجديد؟، فأجبته : أود أن أقود سيارتي ودراجتي وأتسلق الجبال ثانية، لكنه قال لي أن هذا لن يحدث، والآن يسعدني القول بأن طبيبي كان على خطأ". وأضاف :"بفضل العزيمة والتكنولوجيا الحديثة تمكنت من تصميم ساقين اصطناعيتين بخواص بيونية لنفسي، مكّنتني من معاودة تسلق الجبال، بل وتحدي الأسوياء والفور عليهم، واليوم بلغت اثنين وخمسين عاماً وأصبحت مديراً للمجموعة البحثية للأحياء الميكاترونية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، واستطعت مع زملائي بناء جيل جديد من الأطراف الإلكترونية الحيوية، التي تحاكي الحركة البشرية". وتابع :"بعد تركيب أطرافي الاصطناعية التقليدية في المستشفى، قلت لنفسي كيف يحدث هذا، إنها أطراف مصنوعة من الخشب والمطاط، ولا أشعر بها، ولم يكن هناك وجوداً آنذاك لذكاء حسابى ولا لأجهزة استشعار ولا لحواسيب، فلم أشعر بأي تقبل لهذه الأجهزة في جسدي، ثم وجدت الإلهام الذي جعلني أصمم الأطراف الخاصة بي والتي مكنتني من العودة إلى رياضتي المفضلة وهي تسلق الجبال". ولفت إلى أنه حينما كان في المرحلة الثانوية، تعلم صنع أشياء من الخشب والمعادن، لذلك ذهب إلى أحد المحلات، واشترى بعض الأدوات وتمكن من صنع أطرافه الخاصة بنجاح، ليعود بسرعة لرياضة التسلق، مؤكداً أنه سرعان ما لاحظ أن قدرته على التسلق بفضل هذه الأطراف الاصطناعية فاقت توقعاته. وقال :"وقتها شعرت بأنني أصبحت أتسلق بطريقة أفضل مما كنت أفعله قبل الحادث، فالأطراف الاصطناعية، منحتني قدرات أكبر من الأطراف البيولوجية، وفي تلك المرحلة بدأت أتصور عالماً مستقبلياً دون إعاقة، تخيلوا لو تكررت القصة التي حدثت معي وامتدت عبر الإنسانية، تخيلوا لو وجدت تكنولوجيا متقدمة لعلاج المكفوفين والأشخاص المصابين بالشلل أو بأي شكل من أشكال الإعاقة، تخيلوا لو نجد نهاية للعجز". وتحدث المحاضر عن استخدام التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في تصنيع الأجهزة البيونية، إذ أشار إلى أن الأطراف الاصطناعية الجديدة لم تصبح مجرد شكل ميكانيكي أخرس، بل باتت تستطيع التواصل مع الجهاز العصبي عن طريق الكهرباء، وأصبح مُرتدي هذه الأطراف باستطاعته السيطرة عليها عن طريق إرسال إشارات حركة طبيعية من خلال أجسامهم يمكن تفسيرها بواسطة رقائق تم زرعها في أجسادهم. وقال هير :"الأطراف الحديثة مريحة أكثر بكثير لأنها مصنوعة خصيصاً باستخدام نماذج لتكوين الأنسجة للفرد المستخدم لهذه الأطراف، وصلابة هذه التغييرات بشكل حيوي، وهناك حوالي 2000 شخص يستعملون هذه الأطراف"، موضحاً أنه يجتمع مع مسؤولين من الرعاية الطبية والمعونة الطبية لمعرفة ما إذا كانوا سوف يغطّون تكلفة إنشاء هذه الأطراف، لأنه إذا تم حل مشكلة التمويل سنقضي على مشكلة بتر الأعضاء خلال 20 عاماً، وسوف تختفي معظم الإعاقات خلال 50 عاماً". وأضاف :"هدفنا النهائي في مختبر الوسائط في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، هو وضع حد لمفهوم الإعاقة، إذ نعمل كثيراً على مفهوم السيطرة العصبية، ونحن نربط في الواقع العضلات والأعصاب لإجراء اتصالات مع أجهزة الحاسوب، ليكون أي شخص مثلي يمكنه التحكم بسهولة في أطرافه الإلكترونية، وآمل أنه في يوم ما، سأتمكن من تلقي ردود فعل حسية من الطرف الاصطناعي إلى الجهاز العصبي، حتى أستطيع الإحساس فعلاً أنها أطرافي، لدرجة أنني أتصور في المستقبل أن الجميع سيرتدي هياكل خارجية حول أطرافهم البيولوجية للتقليل من أثر وضرر كثير من الأنشطة مثل الجري والتسلق، بل وقد نوسّع نظمنا بما يمكّننا من تركيب أجنحة في أجسادنا والشعور بها والتحكم فيها من خلال الدماغ، وهذا يعني أنني أرى البشر بإمكانهم الطيران ذاتياً بأجنحتهم". وتابع المحاضر :"أنا ارتدي أطرافا الكترونية، وهي رائعة، فكل طرف لديه ثلاثة رقائق ذكية صغيرة، ولديه اثنا عشر جهاز استشعار لرصد الوضعيات والتسارع والسرعة، ودرجات الحرارة والقوة، بينما قرارات استخدامها مرتبطة بخوارزميات، للتحكم في المحرك وفي حركة العضلات العلوية، وكل خطوة أقوم بها تعتمد على الطاقة الكهربائية التي استمدها من بطارية أقوم بشحنها كل مساء، لتساعدني على التحكم في سرعة المشي وفي مدي بالطاقة، لذلك هي رائعة جداً". ورداً على سؤال حول عن إمكانية تسويق هذه الأعضاء الاصطناعية الذكية، قال المحاضر :" بالحديث عن المجال التجاري، فنحن أمام صناعة ضخمة، وفي مركز بحثي في معهدنا، ننظر في كيفية الحفاظ على جودة العلاج الطبي مع انخفاض التكاليف لنشر هذه الأطراف على نطاق واسع، هناك أولا فكرة الصنع المحلي أي أن المجتمعات المحلية تصبح قادرة بدورها على صنع أجهزة ذات تقنيات عالية، وذلك يتطلب فهما علميا لكيفية عمل الأطراف، حينها يمكننا القيام بعملية إنتاج ضخمة واستغلال هذا التصميم على نطاق واسع، يمكن أن يستفيد منه قرابة 20 مليون شخصاً بينهم 2 مليون في الولايات المتحدة الأمريكية". وأضاف :"ما نعمل عليه في معهدنا، هو أن يكون لكل شخص ذات رقمية، وعندما يحتاج المرء إلى زوج أرجل أو زرع خلايا عصبية أو غيرها، سيستخدم ذاته الرقمية وهي تمثيل دقيق جداً للفرد، وثمة هذه الأطر المحوسبة، المصممة بطرق متطورة للغاية، تقوم بفهم عميق للإنسان، أي ما معنى أن تكون إنساناً، وماذا يعني أن تكون واجهة لإنسان"، مؤكداً أنه من خلال التقدم الأساسي في التفاعل بين الإنسان والآلة سيقضي المجتمع على الإعاقة في القرن الحادي والعشرين، وسيتمكن البشر من تصميم أنفسم، ما سيغير من نظرة الناس لأصحاب الهمم.
مشاركة :