توقعت شركة "وود ماكينزي" الدولية لاستشارات الطاقة أن تؤدي أسعار النفط الخام المرتفعة إلى إطلاق مرحلة جديدة من عمليات الاندماج والاستحواذ بين الشركات في مشاريع المنبع، مشيرة إلى أن السوق تعيش حالة من تزايد الثقة المبنية على أسس موضوعية ما يبشر بتعافي النشاط الاستثماري على نحو واسع في السنوات المقبلة. وقال تقرير حديث للشركة الدولية إن شركات النفط والغاز قامت بسياسات ناجحة في تقليص الانفاق وخفض تكلفة الإنتاج في السنوات السابقة، وذلك قبل أن تنتعش أسعار النفط الخام إلى مستوياتها المرتفعة حاليا ما أدى إلى خفض سعر التعادل في القطاع إلى متوسط 53 دولارا للبرميل. وأشار إلى أنه مع تجاوز أسعار الخام مستوى 80 دولارا للبرميل ثم تراجعها نسبيا الا أنها من المرجح أن تبقى فوق 70 دولارا للبرميل وهو ما سنشهد معه حالة من زيادة إنفاق الأموال على الاستثمار وعمليات الاندماج وشراء الأصول. وبحسب تقدير "وود ماكينزي"، فإن السوق لن تنطلق حتى يتحقق استقرار كامل في السوق وتوافق من كل الأطراف على مستوى الأسعار المستقبلية الملائمة، لافتا إلى أن هذا يسمح بتقييم "عادل" للأصول النفطية. وأشار إلى ارتفاع نشاط الاندماج في عامي 2016 و2017 مقارنة بـ عام 2015، حيث بلغ متوسط عدد الصفقات 400 صفقة بزيادة قدرها 20 في المائة، منوها إلى أن كثيرا من نشاط هذه الصفقات وقع في الولايات المتحدة ولكن مناطق أخرى شهدت ارتفاعا حادا أيضا. وأضاف التقرير أن الارتفاع في أسعار النفط في عام 2016 كان هو الشرارة التي أشعلت فتيل الاندماجات حيث ارتفع سعر مزيج برنت من 30 دولارا إلى أكثر من 50 دولارا للبرميل خلال هذا العام. ولفت إلى حدوث حالة من التوافق في الآراء حول السعر المعزز للصفقات الاستثمارية وهو ما حددته الشركات ببلوغ خام برنت مستوى بين 60 و70 دولارا للبرميل وذلك كنطاق لإكمال عمليات الاندماج والاستحواذ وهو ما يمثل حاليا الضوء الأخضر لتدفق الصفقات في القطاع. إلى ذلك، أوضح لـ "الاقتصادية"، روس كيندي العضو المنتدب لمجموعة "كيو إتش أي" للخدمات النفطية، أن قرارات المنتجين في الاجتماع المقبل ستكون صعبة إلى حد ما خاصة أن الرئيس الحالي لمنظمة أوبك سهيل المزروعي وزير الطاقة الاماراتي شدد على أهمية أن تكون القرارات المقبلة باجماع جميع الدول الأعضاء. وأضاف كيندي أن صعوبة القرار تجىء من منطلق أن هناك حاجة إلى زيادة الإنتاج بعد تصاعد الأزمة في فنزويلا وعودة العقوبات على إيران إلى جانب تهاوي الإنتاج في دول أخرى بينما، في المقابل نجد أن كثيرا من الدول المنتجة لا تستطيع زيادة إنتاجها وتحتاج إلى استمرار الأسعار المرتفعة لتعزيز اقتصادياتها بينما مالت الأسعار للانخفاض منذ نهاية الأسبوع الماضي. من جانبه، يقول لـ "الاقتصادية"، ديفيد لديسما المحلل بشركة "ساوث كورت" لاستشارات الطاقة، إن السعودية وروسيا هما المنتجان الأكبر عالميا ويستطيعون زيادة إنتاجهما بكل سهولة لتعويض انكماش العرض ولكنها في الوقت نفسه حريصان على تماسك منظومة العمل الجماعي للمنتجين، ولذا لن يهملا قضية التوافق الجماعي خاصة أنهما يدشنان لشراكة طويلة الأمد بين المنتجين. وأشار لديسما إلى أن «أوبك» تركز على الأخذ بسياسات هادئة تجنب السوق الصدمات علاوة على التمسك بالتفاوض والحلول الوسطية، ومن ثم فإن الاجتماع المقبل وإن كان صعبا بسبب تعقد الأوضاع في السوق وتعارض إرادات الدول المنتجة، إلا أن الحلول والبدائل المتعددة مطروحة بقوة على مائدة المنتجين. ويعتقد ردولف هوبر الباحث في شؤون الطاقة ومدير أحد المواقع المتخصصة، أن الغاء التخفيضات الإنتاجية التي طبقت مطلع عام 2017 ليس مطروحا وهو خيار يمكن استبعاده على نحو كامل، مشيرا إلى أن الزيادة المتوقعة ستكون على الأرجح محدودة للغاية لا تتجاوز بضعة مئات الآلاف من البراميل وذلك لتطبيق السياسات الهادئة التي تنتهجها أوبك وتحول دون وقوع صدمات للسوق وتدعم الاستقرار والتوازن في السوق النفطية. ويضيف لـ "الاقتصادية"، أن كل الدول المنتجة مهتمة بالحفاظ على سوق مستقرة وهو ما أكده ألكسندر نوفاك وزير الطاقة الروسي، وبالتالي سيدفع تحقيق هذا الهدف المشترك نحو إذابة التباين في مواقف المنتجين والالتقاء عند الأهداف المشتركة واعتماد الحلول الوسطية. وأشار هوبر إلى أن الخطوط العريضة لتغيير سياسات الإنتاج واضحة ومؤكدة ولكن التفاصيل مازالت موضع تفاوض بين المنتجين، لافتا إلى ان المنتجين استكملوا بالفعل خطة استعادة التوازن وتقلص المخزونات وأصبحت ظروف السوق مهيأة لعودة زيادات الإنتاج. من ناحية أخرى، تراجعت أسعار النفط في مستهل تعاملات الأسبوع، لتواصل الانخفاض الكبير الذي سجلته يوم الجمعة، في الوقت الذي تقول فيه السعودية وروسيا إنهما قد تزيدان الإمدادات في حين لا تظهر أي مؤشرات على انحسار نمو الإنتاج الأمريكي. وبحسب "رويترز"، بلغت العقود الآجلة لخام القياس العالمي مزيج برنت 75.09 دولار للبرميل بانخفاض 1.35 دولار أو ما يعادل 1.8 في المائة مقارنة بالإغلاق السابق. وبلغت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 66.22 دولار للبرميل بانخفاض 1.66 دولار أو 2.5 في المائة، وهبط العقدان 6.4 في المائة و9.1 في المائة على الترتيب من مستوى الذروة الذي لامساه في وقت سابق من الشهر الجاري. وفي الصين، تراجعت عقود شنغهاي الآجلة للنفط الخام 4.8 في المائة إلى 457.7 يوان (71.64 دولار) للبرميل. وبدأت منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" وروسيا أكبر المنتجين وغير العضو في المنظمة في كبح الإمدادات في 2017 لتقليص الفجوة بين العرض والطلب في السوق ودعم الأسعار التي انخفضت في 2016 لأدنى مستوياتها في أكثر من عشر سنوات عند ما يقل عن 30 دولارا للبرميل. لكن الأسعار ارتفعت منذ بدأت التخفيضات في العام الماضي، ليتجاوز «برنت» 80 دولارا للبرميل في وقت سابق من أيار (مايو)، ما أثار مخاوف من أن ارتفاع الأسعار قد يعوق النمو الاقتصادي ويذكي التضخم. وبهدف تعويض النقص المحتمل في الإمدادات، قالت السعودية أكبر منتج في أوبك وكذلك روسيا أكبر منتج في العالم يوم الجمعة، إنهما تناقشان زيادة إنتاج النفط بنحو مليون برميل يوميا. في الوقت ذاته لا يظهر الإنتاج المتزايد للنفط الخام الأمريكي أي مؤشرات على التراجع، في الوقت الذي واصلت فيه شركات الحفر الأمريكية توسعة أعمال البحث عن حقول نفطية جديدة لاستغلالها. وأضافت شركات الطاقة الأمريكية 15 منصة حفر نفطية في الأسبوع المنتهي في 25 أيار (مايو) ليصل عدد الحفارات إلى 859 حفارا، وهو أعلى مستوى منذ عام 2015، في مؤشر قوي على أن إنتاج الخام الأمريكي سيواصل النمو.Image: category: النفطAuthor: أسامة سليمان من فييناpublication date: الثلاثاء, مايو 29, 2018 - 03:00
مشاركة :