إن التعرض المباشر أو السلبي للتبغ كان وما يزال السبب الرئيس، الذي يمكن الوقاية منه، للإصابة بالعديد من الأمراض القاتلة، خاصة مع استمرار غياب ثقافة الوقاية من توابع تدخين التبغ، وللتدخين تأثيرات مهمة على صحة الأجنة في أرحام أمهاتهن، ويعرضهم للإصابة بباقة من أمراض العصر المزمنة التي تبدأ معهم وتستمر لفترات الطفولة والمراهقة من خلال التعرض السلبي للتدخين التجريبي و الإيجابي إلى سن البلوغ، وما بعده، ومن أبرز تلك الأمراض، الأمراض الرئوية وأمراض القلب والأوعية الدموية.وتدخين الشيشة ليس ببعيد حيث أكدت دراسات سابقة أن تدخين الأم الحامل للشيشة يقلل من وزن الوليد ومن فرص الرضاعة الطبيعية، والجديد الذي توصل إليه العلم هو إمكانية دخول النيكوتين للجسم عن طريق الجلد.وقد فجرت أبحاث ودراسات عام 2018 العلمية التي أجريت عن التبغ والحمل، وعددها حتى الآن 20 بحثا، حقائق علمية مذهلة عن أثر التبغ على الأجنة وانتقال هذا التأثير الضار لأجيال قادمة، وأهمها أن تدخين الأم الحامل خاصة في الشهور الثلاثة الأولى من الحمل ، يستتبعه تأخر الطفل فيما بعد فى التحصيل الدراسي، وصعوبة القراءة والتعثر في مهاراتها وهو ما يعرف علميا بـ "الدسلكسيا"، وهي نوع من صعوبات التعلم يسبب صعوبة القراءة رغم ذكاء الطفل الطبيعي، وما يصحبه من صعوبة في التهجي والمعالجة الصوتية (التلاعب بالأصوات)، والاستجابة البصرية السريعة والقراءة الشفهية والقراءة بطلاقة.وأكد الدكتور مجدى بدران عضو الجمعية المصرية للحساسية والمناعة، واستشاري الأطفال وزميل كلية الدراسات العليا للطفولة بجامعة عين شمس ـ فى حديث خاص اليوم لوكالة أنباء الشرق الأوسط بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للامتناع عن تعاطي التبغ والذى يوافق بعد غد الخميس ـ أن من هذه الحقائق أن تعرض الأجنة للتبغ يزيد من احتمالات إقبالهم فى الكبر على التدخين، وأن تدخين المراهق قد يؤثر على أطفاله فى المستقبل نتيجة حدوث تغيرات وراثية متوارثة فى خلاياه الجنسية، وأن تدخين الأم الحامل يدخل وليدها فى دوامة الربو الشعبي، ويزيد أيضا من احتمالات ولادة طفل الشفة الأرنبية.ولفت إلى وجود أدلة علمية وعلاقة سببية بين تدخين التبغ وعرقلة النمو داخل الرحم، ومتلازمة موت الرضيع المفاجىء، وزيادة معدلات وفيات المواليد بنسبة 150 في المائة، وولادة طفل ميت، وانخفاض وظائف الرئة فى المواليد والرضع، وزيادة معدلات عدوى الجهاز التنفسي، والتهاب الأذن الوسطى، وأزيز الصدر الناتج عن ضيق الشعب الهوائية، والاضطرابات العصبية السلوكية.وأشار بدران إلى أن التعرض للتبغ أثناء الحمل قد يؤدى إلى اضطرابات فى نمو الجنين، ويمكن أن يؤثر سلبا على الحمل ذاته وعلى الحالة الصحية للوليد، ويمكن أن يؤدى إلى الإجهاض وزيادة احتمالات الحمل خارج الرحم بنسبة 250 فى المائة .وأضاف إن التدخين يسبب 15 فى المائة من الولادة المبكرة، وحتى فى غياب التدخين فوجود أدخنة التبغ فى الهواء يسبب صعوبات فى الحمل، ومشاكل بالمشيمة، وقلة تدفق الدم فيها وفى الحبل السرى، وزيادة تكلس المشيمة وقلة قدرتها على تجديد خلاياها والانتحار المبرمج لها وشيخوختها وانقطاعها وقلة وزنها وصغر حجمها.وذكر استشارى الأطفال أن الحقائق العلمية أثبتت أن التدخين المباشر والسلبي خلال الحمل يقلل من وزن الجنين، ويقلل فيتامين سى فى الجسم ولهذا يتحتم على الحوامل المدخنات تناول فيتامين سي لضمان أثره فى تقليل إصابة الطفل بالربو بعد الولادة، ناصحا بتناولهن هذا الفيتامين المتوفر فى الجوافة والكيوي والبروكلى والفلفل الأخضر والأحمر والأصفر والبرتقال واليوسفى للتقليل من التأثيرات السلبية للتدخين على وظائف الرئة، ومن احتمالات إصابة أبنائهن بربو الأطفال بما يمكن اعتباره تدخل آمن وغير مكلف.وأشار إلى أثر عمل فيتامين سى على التقليل من آثار التدخين على المواليد ومن الإجهاد التأكسدى، وبالتالى تحسين وظائف الرئة وتقليل ضيق الشعب الهوائية فى السنة الأولى من العمر، وكذلك يقلل من أمراض الجهاز التنفسى فى الأطفال حديثى الولادة ٠وقال إن التدخين يؤثر فى منع حدوث الحمل لإقلاله الخصوبة لدى الزوج والزوجة خاصة مع التدخين الشره، إذ ثبت علميا أن النساء المدخنات لعشرين سيجارة يوميا لديهن فرص للحمل خارج الرحم أربعة أضعاف غير مدخنات.ولفت إلى أن الأخطر هو أن التدخين خلال الحمل يؤثر أيضا على نمو وتطور وكفاءة قناة فالوب فى الجنين الأنثى، ويهدد بتحويلها لأنثى عقيمة..مشيرا إلى أن وجود مادة "الكوتينين" فى الهواء كأحد مشتقات نيكوتين التبغ يسبب مشاكل فى نمو الأطفال ربما تكون خافية ولكن تظل مستمرة وفاعلة مسببة بعض الآثار الضارة على الأوعية على القلبية، وأن تعرض الأمهات الحوامل لأدخنة التبغ يقيد نمو الجنين ويؤخره، وتؤكد الأبحاث كل يوم هذه الحقيقة.وأضاف" هناك عاملان يزيدان من هذا الخطر الذى يتعاظم فى الشهور الثلاثة الأخيرة من الحمل وهما زيادة عدد مرات التدخين، وتقدم عمر الأم، لافتا إلى أن الخطر يظل قائما بتدخين الأم السلبي، ويمتد ليتعدى حدود الوزن، فيظهر جليا فى تأخر النمو فى عدة مقاييس في الجسم، منها طول الفخذ والطول الكلي، ومحيط الرأس، ومحيط الصدر ومحيط البطن.ونوه بدران إلى أن التدخين السلبي طويل الأجل يزيد من مستوى التعرض للمعادن السامة فى الجسم بما في ذلك الرصاص والفضة والزئبق؛ ما يزيد من فرص الإجهاض أوالإصابة بالتأخر العقلى أو التشوهات، وغالبا ما يكون سبب حالات الإجهاض غير محدد، وهناك حاجة لتحديد الدور المحتمل لعوامل البيئة ونمط الحياة في خطر فقدان الحمل.وأكد أن التدخين السلبي أيضا يؤثر على قلب الجنين وأوعيته الدموية، حيث يضيق النيكوتين الأوعية الدموية فى الأم والحبل السرى والرحم والمشيمة والجنين، حيث يقلل غاز أول أكسيد الكربون الناتج عن احتراق الأكسجين المتاح للأنسجة فى الأم الحامل وجنينها أيضا .ولفت إلى أنه مع دخان كل سيجارة يقل التدفق الدموي في المشيمة لمدة 15 دقيقة، الأمر الذي يتسبب في زيادة معدل ضربات قلب الجنين، وقلة وصول الأكسجين له بنسبة 40 فى المائة ما يؤثر على نموه فيصبح وزنه أقل، حيث يقل وزن المولود بمعدل 20 جراما لكل سيجارة تدخنها الأم فى اليوم، بالإضافة إلى أن الذين يولدون لأمهات مدخنات تزداد لديهم احتمالات ضيق شريان الأورطى (أكبر شريان فى الجسم) عند البلوغ.وأكد أنه من المعروف أن تدخين الوالدين خلال الحمل يقلل من وزن المواليد، وتأكد ذلك بدراسات عديدة على مدار ثلاثة عقود، ولكن الجديد أن ذلك يصيب الأولاد الذكور بشكل أكثر خاصة مع تقدم عمر الأم.وأوضح أن الأبحاث أثبتت أن تدخين الأب ربما يغير من جينات الجنين، وهذا يهدد بوصول جينات معيبة له؛ ما يزيد من فرص إصابته بأمراض مزمنة في المستقبل، مشيرا إلى أن هناك أدلة على أن تدخين الجدات أيضا قد يكون له ذات التأثير على الأحفاد الذين ربما لا يعيشون معهم أولم يلتقوا بهن من قبل وكذلك أبناء الأحفاد، وذلك بسبب تعديل الشفرات الوراثية.وشدد بدران فى ختام حديثه، على ضرورة التثقيف الصحي للأمهات لتحفيزهن على استنشاق هواء خالي من التبغ خاصة خلال الحمل ، وتوفير الحماية للأجنة من تدخين التبغ.
مشاركة :