اللازم! محمد البلادي لا تكن لطيفاً أكثر من اللازم! m.albiladi@gmail.com • كل أمر يتجاوز حدّه ينقلب إلى ضده، حتى اللطف والوداعة.. هكذا قالت العرب، وهكذا يرى «ديوك روبنسون» صاحب الكتاب الشهير الذي اقتبسنا منه عنوان مقال اليوم.. فالتحلِّي باللطف الزائد عن الحد مع الآخرين مشكلة من شأنها إهدار الكثير من حقوقنا، بل والأسوأ أنها قد تصبح مجالاً لسوء الفهم والاستنقاص من الشخصية، والاستغلال الذي قد يصل حد الإهانة والتنمُّر في بعض الأحيان. • يعيد روبنسون أسباب هذا اللطف المرضي إلى محاولة البعض الظهور بمظهر الكمال في أعين الناس، ولو على حساب أنفسهم؛ وهذا خطأ فادح، فليس هناك أحد كامل، كلنا خطَّاؤون، والعمل الإنساني من سماته النقصان. لذا لا تخجل من أخطائك؛ ولا تُحمّل نفسك فوق طاقتها.. بل تقبَّل نقصك، وتجنَّب التعامل مع الأشخاص الذين يوهمونك بأنك مثالي.. فكّر قليلاً قبل القبول بأي مهمة، أو تلبية طلب، ولا تتردد في الاعتذار بشجاعة عن كل ما لا يتناسب معك. وقل (لا) وبقوة عندما يجب أن تقول (لا). • يقع المصابون بداء اللطف الزائد في مشكلة أخرى تكمن في محاولة إخفاء ملامح الغضب والانزعاج في نفوسهم، ظنًا أن هذا سيُحافظ على صورتهم المثالية في عيون الناس، وهذا خطأ آخر، فالتعبير عن الغضب (المنضبط) أمر صحي ومطلوب لتحسين علاقتك بالناس؛ وتحسين علاقتك بنفسك قبل ذلك، فالتعبير عن الغضب يزيل ما بداخلك من صراعات بين كتم حرارة الغضب في داخلك أو خسارة علاقاتك. عبّر عن غضبك لمن أساءوا لك، فهذا أفضل من أن تكتمه بداخلك، أو تفرغه في وجه أبنائك. • هذه ليست دعوة للفظاظة والخشونة في التعامل.. بقدر ما هي دعوة للشجاعة في الحق؛ وتصحيح لمفهوم أن الأدب والاحترام والتعامل الراقي لا يعني أبداً التساهل والتفريط.. وأن المجاملة على حساب نفسك من أكبر الأخطاء التي ترتكبها بحقها، فلا تقف حائراً متردداً أمام الانتصار لنفسك ولكرامتك ولاستقلالية شخصيتك. ولا تقمع فطرتك الإنسانية في قول الحق، فأن تكون صادقاً أمام الله، أفضل بكثير من أن تكون لطيفاً في أعين الناس. • في مقدمة كتابه الرائع (ذكريات طفل وديع)، يتوجه الأديب والتربوي الكبير الأستاذ عبدالعزيز الربيع -يرحمه الله- وهو رجل يُجمع الكل على صدقه وخلقه ولطفه وأدبه الجم، بالنصيحة إلى ابنه فيقول: «ما كرهت شيئاً في حياتي كرهي للوداعة في ذلك الطفل (يعني نفسه).. آه لو تعلم كم أكلت هذه الوداعة من روح أبيك واسمه، ونصيحتي لك يا بني ألاّ تثق في كلمات الذين يمدحون لك الوداعة، ويرغبونك فيها، فابذل كل ما تستطيع لتتخلص منها، فهي آفة أعيذك بالله منها». share_facebookshare_twittershare_whatsappshare_email
مشاركة :