لقد أولى ديننا الإسلامي الحنيف منذ ظهوره اهتماماً بالغاً بمفهوم المسؤولية الاجتماعية، ومن مظاهر حرص الدين الإسلامي على المسؤولية الاجتماعية ورود العديد من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة التي صاغت أحكام المعاملات على أساس عال من الدقة والتنظيم والشمولية في تطبيق أحكام الشرع، بحيث إنها جعلت الضمير الإيماني والمسؤولية الاجتماعية هما المحركان الأساسيان اللذان يحركان بوصلة الفرد وتدور في فلكهما مساهماته ومشاركاته في مجتمعه الصغير والكبير، ومن أمثلة ذلك قول الحق سبحانه وتعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (سورة المائدة: جزء من آية 2)، وقوله جل وعلا {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} (سورة التوبة: الآية 105)، وفيها توجيه قرآني وإرشاد إلى ضرورة القيام بمصالح الأمة والتعاون على ما فيه النفع. وتشمل المسؤولية الاجتماعية في الإسلام شتى صور العمل الخيري والتطوعي، وكل ما فيه نفع للناس وتقديم خدمات نفعية وإنسانية للمجتمعين الصغير والكبير. وتوضح هذه القصة الواقعية مثالاً ونموذجاً ملموساً للمسؤولية الاجتماعية والدور الاجتماعي المبتكر الذي قامت به عائلة الشايع الكريمة في مبادرة غير مسبوقة في المجتمع الكويتي، وذلك بتخصيص ما كان يسمى «بيت للمعاريس». وعن قصة بيت المعاريس يروي العم عبدالعزيز محمد الشايع في كتاب «أصداء الذاكرة» قائلاً: «حينما كنا في المرقاب كان لدينا بيت تملكه والدتي ووالدة صالح سنة 1950م، وقد قررت العائلة تحويل هذا البيت إلى بيت للزواج، وهو يحتوي على غرفتي نوم وغرفة جلوس ومطبخ وحمامين، ففي ذلك الوقت لم تكن ثمة قاعات وصالات للأفراح، ولا توجد فنادق متخصصة تهتم بإقامة حفلات الأعراس وما تتطلبه من خدمات وغيرها، فاستشعرت عائلة الشايع تلك الحاجة الملحة، خصوصاً من قبل المحتاجين الذين لم يكونوا يمتلكون بيوتاً واسعة يستطيعون استقبال المهنئين فيها، فخصصت العائلة ذلك البيت بعد إعداده بكل المتطلبات وفرشه بالسجاد الإيراني، كما وفرت العائلة بعض المصوغات الذهبية لاستخدام العروس ليلة عرسها، على سبيل الإعارة، بالإضافة إلى عدة كاملة للطبخ وغيرها من الاحتياجات التي تكفل المتزوجين حديثاً لمدة أسبوع أو أكثر حسب حاجة المستعملين من المعاريس الجدد، أي ان المعاريس صاروا يقيمون في هذا البيت بدلاً من اقامتهم في بيت أهل الزوجة كما كان معمولاً به في السابق، وقد استفاد من هذه المبادرة الكثيرون ممن لم تكن ظروفهم تسمح بالإقامة في بيت أهل العروس أو ممن ليس لديهم الإمكانية لإقامة العرس وإتمام الزواج في منزل مستقل، واستمر «بيت الزواج» يستقبل المعاريس لمدة طويلة، إلى ان ارتفع مستوى الدخل والمعيشة في البلد ولم يعد أحد بحاجة إلى هذا البيت، فحولناه إلى ديوانية تقع على شارع الهلالي بعد استملاك الديوان الأول، وبعدها بفترة قصيرة استملكته الدولة». وهكذا قدمت عائلة الشايع لوناً جديداً من العمل الاجتماعي المميز، فسعت إلى تخصيص بيت بالكامل للزواج، لتكون بذلك عوناً وسنداً لكل من يحتاج الى ذلك البيت لإتمام زواجه والانتفاع به، وهكذا كان حال العائلات الميسورة، لا سيما عائلات كبار التجار في كويت الماضي، لا تدخر جهداً في سبيل نفع باقي أفراد المجتمع، وكانت تحرص على إيصال ذلك النفع إلى الجميع، خصوصاً الأسر غير القادرة، لتسد الفجوة وتكمل النقص لديها، وتعينها على التغلب على مستلزمات ذلك العصر الذي قلت فيه الموارد، وقصرت فيه ذات اليد عن الوفاء بجميع المتطلبات، رحم الله جميع أهل الخير رحمة واسعة وأسكنهم فسيح جناته. د. عبدالمحسن الجارالله الخرافيajalkharafy@gmail.comwww.ajkharafi.com
مشاركة :