منذ أن أوعز النظام في سوريا لجيشه بقصف المنتفضين في الشارع السوري، سقط نحو 500000 سوري بين قتلى وجرحى، ووصل عدد النازحين إلى 11 مليوناً. كان من الممكن في البداية، حقن الدماء في وقت كان لا يوجد فيه "داعش" ولا إرهاب، وكان بإمكان النظام السوري أن يسجل له التاريخ، أنه لبى نداء شعبه وسلم زمام أمور دولته لرجاله وللجيش، وفي من يثق بهم هو وشعبه، كما فعل غيره من الأنظمة. إن الهجمات العشوائية المتعددة بالأسلحة الكيميائية والبراميل المتفجرة، ضد المدنيين والبنية التحتية المدنية، حالت دون وصول المساعدات الإنسانية، وأجبرت السوريين على النزوح القسري عن بلداتهم ومواطن نشأتهم وممتلكاتهم، ما يعد مخالفة صارخة واضحة وصريحة للأعراف والقوانين الدولية، لما يتعرض له الشعب أثناء التهجير والنزوح من مآسٍ ومعاناة تفوق الوصف. إن سوريا تشهد اليوم تغييراً ديموغرافياً واضحاً، يستهدف التركيبة الديموغرافية للسكان في البلاد، بحيث يكون الأغلبية السكانية من السنّة الأكثر تضرراً.. ووفقاً لصحيفة لاراثون الإسبانية، فإنه «في المستقبل القريب، قد تتحول هذه الطائفة السنية إلى أقلية، للمرة الأولى في بلد عربي منذ قرون». وبينت أنه قبل اندلاع الحرب سنة 2011، كانت سوريا تضم حوالي 16 مليون سني، ونحو تسعة ملايين شخص بين علويين ومسيحيين وأكراد ودروز، وغيرهم من الأقليات الأخرى. وبعد سبع سنوات من الصراع، لم يتبقَ سوى ثمانية ملايين سنّي في سوريا، حيث اضطر النصف الآخر إلى اللجوء إلى بلدان أخرى من منطقة الشرق الأوسط وأوروبا. وقالت الصحيفة الإسبانية إن الحكومة السورية أعلنت منذ شهر، عن مرسوم تشريعي مثير للجدل، يسمح للدولة بمصادرة ممتلكات الملايين من اللاجئين والنازحين إلى المناطق الداخلية. في المقابل، منح النظام مهلة مدتها 30 يوماً للملاك، لتقديم ما يثبت ملكيتهم العقارية لهذه الأراضي. ولكن هذا الأمر يبدو مستحيلاً، إذا أخذنا بعين الاعتبار، أن العديد من السوريين قد حصلوا على ممتلكاتهم من دون تسجيلها، وحتى إذا فعلوا ذلك، فمن المؤكد أنهم فقدوا أوراقهم بعد سبع سنوات من الحرب. عمليات التغيير الديموغرافي، تحدث بشكل رئيس غربي سوريا، بين حمص ودمشق، حيث فرت الغالبية العظمى من السكان السنّة. كما حدث أيضاً في المنطقة العلوية في اللاذقية، وطرطوس، وجبل الأكراد شمال غرب سوريا، حيث تم طرد السنة، تحت ذريعة «تطهير المنطقة من الخطر الإرهابي». وتم في مرحلة أولى، تنفيذ عمليات القصف الجوي، وفرض الحصار والمجاعة على السكان، ومن ثم تنفيذ ما يسمى بعمليات «التطهير الإرهابي». وفي مرحلة ثانية، تم تحديد زمن وقف إطلاق النار، وطرد السكان المحليين الذي ظلوا على قيد الحياة من المنطقة. من الواضح أنه في الوقت الذي تستخدم فيه روسيا، بالتحالف مع تركيا، اتفاق وقف إطلاق النار، لتعزيز الإجماع السياسي بين نظام الأسد والمعارضة في المنفى، تتحرك إيران نحو إرساء مشروع قادر على تغيير المشهد الديموغرافي في سوريا. ويهدف ذلك إلى تعزيز معاقل حزب الله شمال لبنان، ونفوذها على الحدود الشمالية لإسرائيل. وقد حذرت منظمات حقوقية، من أنّ تطبيق قانون التنظيم العمراني الجديد في سوريا، من شأنه أن يؤدي إلى «الإخلاء القسري» للمواطنين غير القادرين على إثبات ملكياتهم. ويتيح القانون المعروف بتسمية القانون رقم 10، للحكومة، إحداث منطقة تنظيمية أو أكثر، ما يعني إقامة مشاريع عمرانية في هذه المناطق، على أن يُعوَّض أصحاب الممتلكات بحصص في هذه المشاريع، إذا تمكنوا من إثبات ملكياتهم خلال 30 يوماً. هذا القانون يؤثر في حقوق الملكية، ولا يقدم إجراءات محاكمة أو تعويضاً، ويصل حد الإخلاء القسري بحق المالكين ومصادرة أملاك من لا يملكون حقوقاً ملكية معترفاً بها. كما لا يلاقي القانون معايير العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والتي تتضمن التشاور الحقيقي مع المتضررين، وضرورة وجود إشعار كافٍ ومتوقع لجميع الأشخاص المتأثرين قبل الموعد المقرر للإخلاء. القانون المذكور، يشكل تهديداً واضحاً للتركيبة الديموغرافية في سوريا، ويهدد مستقبل سوريا والمنطقة بكاملها.
مشاركة :