فوائد عديدة وغير متوقعة للعمل بلغة أجنبية

  • 5/31/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

العمل بلغة أجنبية قد يفرض تحديات، إلا أن له أيضا جوانب إيجابية غير متوقعة! مؤخرا أمضيت أربعة أشهر أعمل في بي بي سي في لندن، ومشكلتي أن طلاقتي في الإنجليزية تبدأ في خيالي وكثيرا ما تنتهي حين افتح فمي! كثيرا ما لا أجد الكلمات التي أريد التحدث بها، ناهيك عن الأغلاط النحوية، وعدم تمكني من التعبير بالقدرة التي أعهدها حينما أتحدث لغتي الأم، الإسبانية. يبدو الأمر كما لو أنني أحاول تناول الحساء بشوكة! وحتى حين كتابة هذا المقال استعنت بقاموس مرارا لأني لا أثق في اختياري للكلمات بالإنجليزية. ولكن يبدو أن هناك فوائد غير متوقعة للعمل بلغات غير لغة المرء الأصلية، فقد أظهرت أبحاث جرت مؤخرا أن الذين يتحدثون لغة أجنبية قد تكون لديهم قدرة أكبر على التفكير التحليلي، ورجحت دراسات أخرى أن المتحدثين بأكثر من لغة يتخذون القرارات بطرق مختلفة عمن يتحدثون لغة واحدة.كيف تجعل نفسك أكثر جاذبية وتأثيرا؟كيف أصبح "الابتكار" ضرورة ملحة لنجاح الشركات والمؤسسات؟ست سمات شخصية "تؤهل أصحابها للنجاح" ففضلا عن إضافة مؤهل يساعد على العمل ويفتح أفقا لوظائف جديدة، وُجد أن معرفتك بلغة أجنبية تجعلك موظفا مختلفا - والسؤال هو أي نوع من الموظف هذا؟!موضوعية أكثر أظهر بحث أجراه ألبرت كوستا، وهو أستاذ باحث بمجال علم النفس بجامعة بومبيو فابرا في برشلونة بإسبانيا، أنه حين خضوع الأشخاص لاختبارات تقيس قدرتهم على التفكير المنطقي بلغة غير لغتهم الأم، تبين أنهم قد يرتكبون أخطاء أقل ممن خضعوا لنفس الاختبارات بلغتهم الأصلية. يقول كوستا: "يبدو أن الناس يكونون أكثر موضوعية في تقييم المخاطر، وأقل تأثرا وأكثر قدرة على التحليل حين يستخدمون لغة أجنبية".مصدر الصورةAlamyImage caption تقول سيري إليس، باحثة علم النفس بجامعة مانشستر، إن المرء قد يكون أكثر موضوعية حينما يستخدم لغة أجنبية، يخمن كوستا وفريقه أن هذا الأثر قد يكون بسبب عدم التأثر بنفس الدرجة انفعاليا عند استخدام لغة أجنبية، لأسباب غير معروفة، وإن قد ارتبطت بسياق استخدام اللغة، فمثلا "عند استخدام اللغة بشكل ودي ستكون درجة التواصل الانفعالي أكثر"، حسبما يضيف كوستا. كذلك يقول إن الأمر يختلف إذا تعلمت اللغة الثانية في سن مبكرة، عندها ستكون أكثر تأثرا انفعاليا بها - أما حين يتحدث المرء لغة أجنبية لا يتقنها كلغته الأصلية فعندها يتعين على ذهنه التركيز بشكل أكثر. ويشير عالم النفس دانيال كانمان الحائز على نوبل للاقتصاد عام 2002، في كتابه "التفكير بسرعة وببطء"، أن شحذ المدارك يجعل المرء أكثر قدرة على التحليل. ومن ثم ربما يرجع تأثير اللغة الأجنبية إلى أن استخدام لغة غير أصلية يتطلب تفكيرا أكثر. لكن كوستا يقول إنه حينما لا يتعلق قرار ما بالعاطفة من أساسه، يختفي ذاك الأثر للغة الأجنبية، مضيفا: "لا نجد هذا الأثر إلا حينما يتأثر المرء انفعاليا لاتخاذ قرار ما". ويشير علماء نفس آخرون إلى أن التحدث بلغة أجنبية يجعل الناس يفكرون ويتصرفون بشكل مختلف. وتقول سيري إليس، باحثة علم النفس بجامعة مانشستر، إن المرء قد يكون أكثر موضوعية حينما يستخدم لغة أجنبية، إذ يقل تأثره بالانتقادات التي ليست في محلها لثقافته حينما يكون الحديث بلغة أجنبية. وتضيف: "كلما زادت المسافة بين اللغة الثانية واللغة الأصلية، كلما تحلى المرء بموضوعية أكثر". وهكذا ربما تعوضني القدرة على التفكير بدقة أكثر عن الصعوبة التي أواجهها عند الحديث بالإنجليزية، ولو أصبحت أكثر قربا من اللغة الإنجليزية لربما فقدت تلك الميزة، ومن ثم لا يجب أن أحزن أنني لم ألتق بمن أحب أثناء فترة وجودي في بريطانيا!قدرات تفاوضية أفضلمصدر الصورةAlamyImage caption الطلاب الذين يتعلمون لغة أجنبية تكون لديهم فرص أكبر في استخدام مهارات متنوعة في العمل لكن ما المقصود بالقدرة التحليلية؟ افترض أن 600 ألف شخص أصيبوا بمرض سيودي بحياتهم ما لم يتلقوا علاجا. لو كان لديك خيار من اثنين: دواء سيقتل 400 ألف منهم، أو دواء آخر فرصة إنقاذه لـ600 ألف جميعا 33,3 في المئة، وفرصة عدم إنقاذه أي شخص 66,6 في المئة - أيهما تختار؟ لو اخترت الدواء الذي سيقتل 400 ألف من المرضى فقد اخترت الاختيار الصحيح والأقل مجازفة! ولكنه الاختيار الذي يتجنبه أغلب الناس لأن السؤال طُرح بطريقة مزعجة. والغريب أنه حينما طرح نفس السؤال ولكن بصيغة مختلفة - إذ قيل للمشاركين أنهم سينقذون حياة 200 ألف شخص - اختار أغلبهم ذلك. ورغم أن الأمر لم يختلف وإنما الطريقة التي صيغ بها السؤال هي التي اختلفت، وهو ما أثر في الاستجابة. عادة الأقلية هم من يختارون الاختيار الصحيح وفق تلك التجربة النفسية، ويعتبرون أكثر قدرة على التحليل وأقل انفعالا وانسياقا لاختيارات لامنطقية. وفي سياق الأعمال هناك فائدة جمة لعدم الوقوع في مزالق لامنطقية عند اتخاذ قرارات حرجة. من الأكثر تمكنا؟ والقدرة على التحلي بموضوعية أمر مفيد أيضا، إذ يجعل المرء أقل عرضة للاستنزاف عاطفيا في المواقف الصعبة، وهو الأمر المفيد بشدة خلال التفاوض على أمور مهمة. وبينما يبدو للوهلة الأولى أن التفاوض بلغة غير لغتك الأصلية يجعلك في وضع أسوأ، إلا أن الواقع أنك قد تكون أكثر رزانة. يقول كوستا: "كثيرون يثورون سريعا أثناء التفاوض، أما التحلي بالهدوء فيأتي بنتائج أفضل. الحديث بلغة أجنبية يمنحك وقتا أطول أثناء التفاوض، من قبيل أنك تتصرف كما لو لم تفهم المقصود بالضبط، ما يتيح مزيدا من الوقت للتروي في الرد". هذه القدرة هي تحديدا سبب نجاح المفاوضين المخضرمين من قبيل الدبلوماسيين ورجال الأعمال الدوليين. كما أن عدم إتقان اللغة قد يكون استراتيجية جيدة إذ يجعلك تبدو أقل ذكاء ما ينطلي على الخصم فيدفعه إلى هفوات ترجح كفتك. مصدر الصورةAlamyImage caption التفاوض حول الراتب بلغة أجنبية قد يكون مفيدا وبالتالي في المرة القادمة التي تحتاج فيها إلى الدخول في نقاش حاد مع زميل العمل، فعليك بالحديث بلغة أجنبية! وهناك أبحاث تشير إلى أن الكلمات الجارحة تكون أقل وقعا حينما تُنطق بلغة أجنبية، ومن ثم لا تترك أثرا في النفس يضر ضررا دائما بالعلاقة بزميل العمل، ما يكون بدوره مفيدا جدا إن تعين التعامل مع نفس الشخص يوميا ولأجل غير مسمى. النظرية إذا تقول إن الحديث بلغة أجنبية قد يساعد المتحدث على تقييم المواقف تقييما موضوعيا - أما في الواقع فالأمر أكثر تعقيدا. يظهر البحث الذي أجرته إليس أن ذلك مفيد في حماية الأشخاص من التعنيف الهدام، ولكنها كشفت أيضا أن اعتداد المرء بكرامته يلغي تلك الفائدة، كما في "صراعات فرق العمل"، حين يرفض شخص الاستماع إلى نقد بناء من آخر يعتبره خصما. ولم تجر أبحاث لتأكيد هذا الافتراض، ولكن من عمل في مواجهة فريق مناوئ يدرك ما تتحدث عنه إليس، فأثر اللغة الأجنبية قد لا يكون كافيا لإصلاح ذات البين. أمثلة من الواقع وشخصيا لا أذكر أنني كنت أكثر تعقلا أثناء عملي في لندن؛ ربما لأن لغتي الإنجليزية كانت من الطلاقة بما ألغى هذا الأثر، أو ربما لأنني لم ألحظ ذلك. ولكن كثيرين من العاملين بلغة أجنبية يوافقون الدراسة الرأي. وتذكر ناتاليا فيفاس، مستشارة كولومبية تعمل في مجال خبرة المستخدم وتعيش حاليا في لندن، كيف كان الوصول إلى صفقة أفضل أمرا أيسر مع عميل سويدي تحدثت معه بالإنجليزية. وتقول: "لم أكن أخشى أن أقول له صراحة: هذا ثمن الصفقة!". وربما لم تكن اللغة الأجنبية هي السبب الوحيد في قدرتها على الحديث المباشر مع العميل، فربما لأنهما من بلدين مختلفين يتحدثان في بلد ثالث وليس من المتوقع أن يلتقيا مرة أخرى. مصدر الصورةGetty ImagesImage caption أماكن العمل كثيرة باتت تتبنى ثقافة العمل بأكثر من لغة تضيف فيفاس أن "التفاوض كان أبطأ مع العملاء الإسبان وكنت أقل ثقة بكثير في التعامل معهم". والبعض الآخر تجعله قلة حصيلته من اللغة الأجنبية أكثر اقتضابا وأكثر عملية. تقول المهندسة الكولومبية ماريا باز كاستانيدا، التي تعمل بمصفاة نفطية في روتردام بهولندا: "أجد من الأيسر أن أشرح لفريقي ما أريد دون التعبير عن مشاعري إزاء ذلك. بإمكاني التعبير عن نفس الشيء بالإسبانية بخمس طرق مختلفة، أما حينما أتحدث الهولندية فليس عندي سوى طريقة واحدة أعبر بها عما أريد". هناك أيضا صعوبة فهم الثقافة المختلفة والأعراف السلوكية. تقول فيفاس معلقة على وظيفتها الحالية في لندن: "لم أعرف ما إذا كنت سأتمكن من كتابة رسائل البريد الإلكتروني بشكل صحيح بالإنجليزية وبالطريقة المتبعة في التحية والختام"، فتعين عليها أن تستخدم ما قل ودل تجنبا للأخطاء. والمحصلة هي أن كثيرين من الموظفين الذين يستخدمون لغة أجنبية يضطرون للتمعن أكثر من زملائهم المتحدثين الأصليين، وتعبر فيفاس عن ذلك قائلة: "في الإنجليزية يتعين علي أن أفكر أكثر". والخلاصة أن العمل بلغة أجنبية ينعكس على طريقة عملك، ولكن ليس بالضرورة للأفضل أو للأسوأ: فإذا تطلبت وظيفتك سرعة البديهة ودقة التعبير فقد تكون في موقف أصعب كونك متحدثا غير أصلي - أما إذا لزم لعملك التروي والتحلي بعقل رزين، فقد تجد في اللغة الأجنبية فائدة أكثر منها إعاقة. أما أنا فللأسف تطلب عملي في لندن الأمرين معا! يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على صفحة BBC Capital.

مشاركة :