لم يكن مفاجئا ولا مستغربا أن يفوز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بولاية رئاسية جديدة خلال الانتخابات الأخيرة، فكل المؤشرات كانت تؤكد أن بوتين سيفوز بها ويحقق انتصارا جديدا على جميع منافسيه وبنسبة كبيرة وبفارق واسع، لدرجة أن الجميع كان مقتنعا بأن العملية الانتخابية نفسها كانت تحصيل حاصل وهي محسومة من البداية لصالح بوتين الذي أصبح زعيما روسيا بلا منازع؛ ولذلك سارت العملية الانتخابية بكل سلاسة وهدوء ومن دون اعتراضات أو مشاغبات وذلك لعدة أسباب منها: - أن بوتين وصل إلى سدة الحكم في بداية الألفية الثالثة خلفا للرئيس الراحل بوريس يلتسين، حيث تسلم بلدا منهارا اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وغارقا في الفوضى والديون والقروض، بلدا على حافة الإفلاس، حيث كانت روسيا أيام حكم يلتسين تعيش حالة من الفوضى على مختلف المستويات والأصعدة وحالة من الانفلات الأمني وسيطرة المافيا على البلاد والعباد واحتكارها لخيرات روسيا، وخلال فترة وجيزة من ولايته الأولى استطاع بوتين بكل كفاءة واقتدار فرملة بوصلة الأمور في روسيا وتعديل مسار الدولة الروسية والقضاء على المافيا وعودة قطار الدولة إلى مساره الصحيح بعد ان استعاد الأمن والاستقرار داخل المجتمع الروسي، وتمكنت روسيا خلال حكم بوتين من الوفاء بالتزاماتها وتسديد ديونها كاملة وتحقيق انتعاش اقتصادي وتجاري وعادت دورة العمل إلى المصانع والمعامل ودبت الحياة في الوزارات الأجهزة الحكومية بعد نفحة الأوكسجين التي ضخها بوتين فيها. - وفي ظل حكم بوتين شعر المواطن الروسي بالأمن والاستقرار وحصل على الخدمات التي من المفترض أن تقدمها الدولة له سواء التعليمية أو الصحية أو الخدمات العامة، فضلا عن الشعور بالاستقرار الوظيفي وصرف الرواتب والأجور في موعدها، وزاد الاهتمام بالشباب ورعاية كبار السن والمتقاعدين وتقديم الامتيازات التي كانت توفرها لهم الدولة. - ضم جزيرة القرم وإعادتها إلى السيادة الروسية من أوكرانيا رغم المعارضة القوية للغرب ولدول العالم، حيث مثلت استعادة القرم ضربة معلم قوية للغرب الذي كان يسعى إلى بناء قاعدة عسكرية بحرية في البحر الأسود لتكون خنجرا في خاصرة روسيا لمحاصرتها، بل إن روسيا مضت أكثر من ذلك وتم تدشين جسر يربط شبه جزيرة القرم بباقي المناطق الروسية طوله 19 كيلومترا، وهو أطول جسر في أوروبا في مدة قياسية وبكلفة بلغت أكثر من 3 مليارات دولار. - على المستوى الدولي تمكنت روسيا بقيادة بوتين من استعادة مكانتها الطبيعية على الساحة العالمية باعتبارها دولة عظمى لها هيبتها بعد التراجع الذي حدث بسبب انهيار الاتحاد السوفيتي وتداعياته وعدم تمكن روسيا من ممارسة دورها على المستوى الدولي بعد الفوضى التي عمت البلاد، فروسيا اليوم تمارس دورها الطبيعي كقوة عظمى في المحافل الدولية يحسب لها ألف حساب ولها حضورها القوى والمؤثر في العديد من الملفات والقضايا الدولية مثل الملف السوري والأوكراني وغيرها، ولها دور محوري في مناقشات مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة وفي الصراع العربي الإسرائيلي أو في الملف النووي الإيراني. - اقتصاديا نجحت روسيا في إقامة تحالفات اقتصادية وتجارية مع كبريات الكيانات الاقتصادية مثل الصين والهند وغيرها من هذه التحالفات القائمة على المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة. ففي روسيا اليوم تعمل العديد من الشركات الأجنبية التي فتحت لها مكاتب في مدن روسية كثيرة تعمل في مختلف القطاعات الاقتصادية والتجارية والصناعية وفي المقابل هناك العديد من الشركات الروسية تعمل خارج الحدود الروسية في آسيا وإفريقيا وأوروبا وحتى في الأمريكتين. - على المستوى العسكري طورت روسيا في الآونة الأخيرة قدرتها العسكرية وتفوقت على الغرب في بعض المجالات، وخصوصا في صناعة الصواريخ بعد النجاحات الكبيرة التي حققتها في هذا المجال، ويمكن ملاحظة ذلك بكل سهولة من خلال العرض العسكري الذي يقام في الساحة الحمراء بحضور الرئيس بوتين وكبار المسؤولين الروس بمناسبة الاحتفال بيوم العمال العالمي ويوم العمل. وهكذا لم يكن أمام الناخب الروسي إلا التصويت لبوتين بعد ان أصبح في نظره رمزا وطنيا أعاد الاعتبار لروسيا وشعبها، بل إن المؤشرات كلها تؤكد أن بوتين سيبقى قائدا ورئيسا لروسيا حتى إن انتهت ولايته وحتى لو لم يعدل الدستور، وخصوصا أن التجربة قد أثبت ذلك عندما كان ديميتري مدفييدف رئيسا للبلاد.
مشاركة :