بن مستور يستعيد ذكريات الطفولة في رمضان ومعاناة الآباء والأجداد

  • 6/1/2018
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

لابد لكل حاضر مجيد ماضٍ تليد ولكل ماضٍ ذكرياته التي ترسخ في الأذهان، إما لجمالها وروعتها أو لشدة قسوتها وبما أننا في شهر رمضان المبارك شهر الخير والرحمات أردنا أن نستعيد أجمل الذكريات لنعيش تلك اللحظات التي عاشها الآباء والأجداد في حياة معيشية بسيطة متواضعة إلا أنها قوبلت بنفوس طيبة وقلوب ناصعة البياض تحمل في حناياها حب الخير للآخرين. هذا ما يجده القارئ الكريم عبر هذا اللقاء الذي أجرته صحيفة “مكة” الالكترونية مع شخص عاصر وعايش تلك الطقوس والظروف القاسية وقابلها بالصبر والتحمل والعزيمة والإصرار رغم صغر سنه في ذلك الوقت، إليكم الحوار: معلوماتك الشخصية من خلال هويتك الوطنية؟ أحمد إبراهيم مستور القلوي الزهراني من مواليد ١٣٧٨/٧/١قرية الدار بقلوة شيخ قبيلة باللسود بزهران، وأنا معلم متقاعد. حدثنا عن بداية صيامك ؟ ومتى كانت؟ بداية صيامي كانت تقريبًا سنة ١٣٨٦هجرية، وأنا عمري عشر سنوات كنت أدرس بالصف الرابع الابتدائي وندرك ذلك تماما بل ونتفاخر به أمام الزملاء. هل كنت تصوم من تلقاء نفسك أم أن الوالدين كان لهما دور في ذلك ؟ طبعًا نصوم من تلقاء أنفسنا دون إجبار ولكن الوالدين كانا يحثاننا على الصيام ويشجعاننا عليه وكنا نشاركهما في الجلوس على مائدة الإفطار بحجة أننا صائمون عكس الذين لا يصومون فليس لهم مكان إلا بعد أن ينتهوا أفراد العائلة وهذا كان بمثابة حافز كبير نحرص عليه. كيف كان يستقبل الأهالي شهر رمضان في ذلك الوقت ؟ شهر رمضان كان له روحانية خاصة يستشعر بها الجميع كباراً وصغاراً وكان يُستقبل رمضان بفرحة كبيرة لدرجة أن الجميع يظهرون جمال البيوت بالنقوش والدهانات في ذلك الزمن وهو اللون الأبيض ( النورة أو الرخام ) واللون الأسود مع بعض الألوان الأخرى وفِي مقدمتها اللونين الأحمر والأخضر وتجهز الفوانيس التي يستخدم فيها القاز. حدثنا عن المعاناة التي كان يعيشها الآباء والأجداد في شهر رمضان وعن كيفية توفير مستلزمات الصيام من مأكل ومشرب في زمنكم؟ كانت هناك معاناة شديدة لاسيما أن الحرارة مرتفعة ولا يوجد كهرباء وكنا نلجأ في أوقات الظهيرة إلا الماء نبلل به ملابسنا كالشراشف وبعض إحرامات العمرة ثم نضعها على أجسادنا أمام تيارات الهواء وهي شبيهة الآن بمكيفات صحراوية ونشرب الماء من القرِب المصنوعة من جلود الماعز وهي باردة نسبياً. أما الفواكه كانت تجلب لنا من الباحة على ظهور الحمير (أكرم الله القارئ) وهي العنب والتين الشوكي والرمان وكان الصندوق من هذه يشترك فيه أكثر من شخص قد يصل العدد خمسة وستة وهكذا وكان يصلنا من جبل شدا زهران الخوخ والرمان والبن وكانت نفوس الناس طيبة ويودون بعضهم ويواسونهم في كل شيء ولا أحد يترك جاره أبداً. ما هي أبرز المأكولات والمشروبات التي كان يتناولها أهالي المنطقة في سحورهم وإفطارهم ؟ المأكولات تختلف عند الناس في الإفطار ولكن السائد في ذلك الوقت البر الذي يعمل منه أصناف المأكولات كالخمير والفطير وأكلة تسمى الكسكسيّة مشهورة وعلى ما أعتقد أنها أخذت من المغاربة حينما كانوا يتواجدون في الحج وغيره، الشوربة من البر وأيضاً من الأرز مع اللحم والعصائر كانت التوت والبرتقال والليمون وهذه كانت لدى الأُسر الميسورة فقط – أما السحور فكان الأرز والعصيد والخبز واللبن وإدام الصلصة المشهور في ذلك الوقت. كيف كان برنامجكم اليومي الرمضاني ؟ و هل هناك ألعاب معينة كنت تمارسها أنت وأقرانك من أبناء القرية ؟ وما هي تلك الألعاب ؟  البرنامج الرمضاني غريب جداً أشغال البيت كما هي في الإفطار رعي ومزاولة الأعمال على اختلاف أنواعها والصلاة في المساجد جماعة والإفطار فيها وهي عبارة عن أحواش من الحجارة بعضها مسقوف بالخشب والغالبية بدون سقوف وتتجمع الأسر لتناول الإفطار جماعيا وبعدها يتفرقون وكبار السن من العائلات تنام بعد العشاء أما الشباب يتجمعون مع بعض ويزاولون بعض الألعاب كالمطاردة والبعية ولعب الباصرة وغيرها حتى وقت السحور وكل يذهب إلى بيته ويوقظ أهله لعمل السحور وكان الجيران ينادون بعضهم البعض حتى يقوم الجميع للسحور وكنا نسمع أصوات الهوند ( المهراس ) حينما يتم طحن البن ونشم رائحته ورائحة الأكل من بعيد وكنا نسمع الأصوات بوضوح وكانت حياة جميلة جداً بكل ما تعنيه الكلمة. حدثنا عن مظاهر العيد وكيف كان يستقبله الأهالي ؟ مظاهر العيد حدث ولا حرج حينما يثبت العيد عن طريق المذياع أو المشاعيل وهي نار توقد في قمة جبل في الحجاز من قبل بعض الناس المحتسبين الأجر من الله، لإعلام الناس وبعد ذلك تشاهد الطلقات النارية من البنادق والمسدسات من أعالي المنازل فرحاً وابتهاجا بالعيد لدرجة أن من يطلق الأعيرة النارية في البداية يكون له السبق ويشاد له بالبنان ويكون حديث المجالس وفِي صبيحة يوم العيد تؤدى الصلاة ثم يتبادلون الناس التهنئة ويمرون الناس على البيوت في صورة جماعية يتنقلون من بيت إلى بيت ويتذوقون أصناف المأكولات المتاحة كل حسب إمكانياته ولكن يكملها طيبة ورحابة النفس ويكون هذا الْيَوْمَ مميزاً لدى الجميع. ماذا يقول الشيخ أحمد لأبناء وقتنا الحاضر من خلال معايشته لأنواع الطقوس المختلفة ؟ أقول لأبنائنا احمدوا الله على نعمه التي لا تعد ولا تحصى وفِي مقدمتها الأمن والرفاهية وسبل الراحة، فأنتم لم تمروا بأي نوع من أنواع المعاناة وهذا يجعلكم دائماً ترددون كلمة (طفش) وتبحثون عن طرق السعادة ولن تجدوها إلا بتقوى الله وشكره على نعمه واستشعار هذه النعم التي حٌرم منها الكثير في البلدان الأخرى. هل من كلمة لقراء صحيفة “مكة”؟. أقول لقراء صحيفة مكة أنتم عرفتم طريق التميز واختياركم لصحيفة مكة هو دلالة على وعيكم لما يعرض من الكم الهائل من الصحف المختلفة، شكراً لكم ولذوقكم الرفيع واختياركم الموفق وأقول لكم أنتم محظوظون وفالكم التوفيق، ونشكر لكم إتاحة فرصة هذا اللقاء لنا. وشكراً من الأعماق للعاملين في صحيفة مكة فرداً فرداً وفِي مقدمتهم الصحفي اللامع دائماً حسن الصغير وأقول له أنت يا صغير كبير في أعمالك وجهودك دائماً مثمرة، وأنا أعرفك جيداً لن ترضى بغير التميز، تستحق العلم الغانم شكراً لكم لإتاحة الفرصة لي في هذه العجالة لنتذكر بعض من الماضي التليد.

مشاركة :