حتى الشيطان يرثي ما وصل إليه البشر

  • 6/2/2018
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

عمّان - تدور رواية “موعد مع الشيطان” للكاتب وائل البيطار، حول رجل يتعرّض للتعذيب والتنكيل في أقبية السجن؛ عقاباً له على جريمة لم يرتكبها. ويسرد الفصل الأول من الرواية التي تشتمل على ثلاثة فصول أحداث رحلة خيالية يقوم بها بطل الرواية الأربعيني رفقةَ إبليس، بعد أن التقى به في إحدى الحدائق العامة وهو مستغرق في قراءة رواية “الجريمة والعقاب”. فقد ظهر له رجل يرتدي بذلة سوداء أنيقة ونظارة داكنة تخفي عينيه، وجلس بقربه رغم أن الحديقة مليئة بالمقاعد الشاغرة، فارتعب البطل من هذا الرجل واحتار في أمره، واعتقد أنه رجل أمن يريد استجوابه بطريقة غير مألوفة، لكن هذا الرجل باذخ الأناقة لم يكن سوى إبليس. صوّر الكاتب الشيطان في روايته بصورة جديدة، حيث بدا لنا وحيداً مهموماً حزينا أراد أن يُشارك البطلَ آلامَه، فهو بعد آلاف السنين من العمل الدؤوب في إغواء الناس وإشعال الحروب أصبح عاطلاً عن العمل، بعد أن تفوّق الإنسان عليه في ارتكاب ما لا يخطر على البال من الفظائع. وفي أثناء الرحلة أتاح الشيطانُ للبطلِ رؤية العالم على حقيقته من الداخل والخارج، بصورة مختلفة عما رآه في الكتب والروايات، فعندما دخلا إحدى المدن المنكوبة وجدا فيها طفلاً يكاد يموت من البرد يبحث في التراب عن أيّ شيء يأكله، بينما كان هناك قصر خرافي يتلف من بقايا موائد الطعام ما يكفي مدينة بأكملها. عوامل كثيرة باتت تقوم بما لم يستطع الشيطان القيام به عبر قرون عوامل كثيرة باتت تقوم بما لم يستطع الشيطان القيام به عبر قرون وفي مشهد آخر يجد البطل نفسه في أحد الملاهي التي يشيع فيها اللهو، وهنا يتحسّر الشيطان على أنه لم تعد له حاجة إلى الإغواء، فمواقع الإنترنت تقوم في لحظةٍ واحدة بما لم يستطع هو القيام به عبر قرون. وفي مشهد آخر عرض الشيطان ما يعانيه السجناء في أقبية أحد السجون المخصصة للتعذيب والقتل والاغتصاب والتفنن في ابتكار الألم وسط ابتهاج السجّانين، و بعد هذه المشاهد ازداد حنق الشيطان على الإنسان، إذ أصبح يشعر أنه تلميذ أحمق في مدرسته العريقة، كما ازداد حقد البطل أيضاً على أبناء جنسه بسبب ظلمهم وبطشهم. وفي الفصل الثاني من الرواية، يتعرّض الكاتب لحياة بطله في مراحلها المختلفة، حيث عاش وحيداً منعزلاً بين ضعف أُمٍ لا حول لها ولا قوة، وجبروت أب لا يعرف المشاعر، فبدأ يدمن على القراءة للتغلّب على هذه الوحدة حتى ظهرت في حياته “سراب”، وهي “ياسمينة دمشقية معطّرة بآلام وطنها، متوشّحة ببياض أخّاذ كأكفان الشهداء، معتقة بحزن الأمويين، مسكونة بعشق أندلسي دمشقي، موشومة في روحها وعقلها بأفراح وأحزان شامها المسلوب”. وخلال دراستهما في الجامعة، تَشاركا هموم الأمة وأحزانها حتى توحّدت روحاهما، ووحّدتهما الأفكار والآلام والضحكات المخنوقة بمآسي الأمة، فأصبح كلٌّ منهما عالمَ الآخر وكيانه. وعندما اشتاقت “سراب” إلى دمشق قرّرت الرجوع إليها، لكنها تتعرض لحظة وصولها لأبشع أنواع التعذيب والاغتصاب، بما يؤكد مقولة إن الإنسان هو المخلوق الأكثر وحشية على الأرض. وفي الفصل الأخير يجد البطل نفسه في غرفة التحقيق غارقا في دمائه، تنهال عليه الضربات من كل اتجاه حتى تمزّق جسده، وحين تذكر ما حدث لـ”سراب” شعر بآلامها تتجمع مع آلامه فكان صراخه مرعباً. ثم استطاع كتابة مذكّراته في السجن قبل أن يموت تحت التعذيب، بينما زعموا أنه مات منتحرا. تتسم الرواية الصادرة مؤخرا عن الآن ناشرون وموزعون بالسرد العفوي المترابط، واللغة الجريئة، والأحداث المتسلسلة المحكمة، وهي تتقاطع مع أدب السجون. ومن جهة أخرى فإن الروائي لم يجعل لبطل روايته اسمًا؛ ليكون رمزاً لكل سجين قابع في ظلمات السجن منسياً، أينما كان، ولكل شخص مقموعحال الظلم بينه وبين محبوبه. كما اختار “سراب” اسماً للبطلة؛ لتدلّ على كل حلم بقي معلقاً أو تلاشى، وعلى كلّ وهم ظنه المؤمنُ به حقيقة وواقعاً، وعلى كل خيبة أمل. يُذكر أن وائل البيطار من مواليد سنة 1964، حصل على شهادة الماجستير في الأدب الإنكليزي من الجامعة الأردنية (1993). صدر له سابقاً كتاب “شهداء ولكن” (نصوص، 2016)، و”صرخات صامتة” (قصص، 2017).

مشاركة :