عودة إلى كتاب «كينغ ميكرز» (صنّاع الملوك). كان بول وولفويتز كبير المتحمسين لضرب العراق بعد 11 سبتمبر (أيلول) وضرب برجي التجارة في نيويورك ومبنى وزارة الدفاع (البنتاغون) في واشنطن، التي تُعتبر أضخم مؤسسة في العالم: 26 ألف موظف في المركز، ونصف مليون في الخارج. كذلك، كان جورج بوش نفسه يعتقد أن الرد على 11 سبتمبر يجب أن يكون ضخمًا وفي حجم الاعتداء، ووجد في وولفويتز، الأكثر حماسًا للفكرة، بين مساعديه. لم تكن أي من الدول الحليفة، أو المخاصمة، مقتنعة بأن العراق يملك أسلحة نووية، ولذا، يجب ضربه. لكن وولفويتز كان يملك الدلائل: شهادات أحمد الجلبي. لم تنفع مواقف فرنسا وألمانيا، أو روسيا والصين. ففي قناعة وكيل وزارة الدفاع، أنه بعد إسقاط صدام حسين، سوف يكون من السهل إحلال الديمقراطية في العراق، كما حدث في إندونيسيا والفلبين. بل كما حدث في رومانيا، حيث اغتيل الديكتاتور تشاوشسكو بعد محاكمة صورية ومعه زوجته. كانت المقارنة خاطئة. العراق ليس إندونيسيا ولا الفلبين ولا رومانيا. كما أن أحدًا من «الحياديين»، وبينهم مفتش الأسلحة ديفيد كاي، لم يكن مقتنعًا بوجود أسلحة نووية في بغداد. غير أن مؤيدي مشروع الحرب كانوا مبتهجين بسابقة مشجعة: النزول في كابل واقتلاع نظام طالبان. جميع الحسابات والمقارنات والخطوات التالية كانت خاطئة. يقول مؤلفا الكتاب: «لأسباب مالية، جزئيًا، لم تكن القوة الغازية كافية لإحلال الأمن في بغداد المحررة. وازدادت الأمور سوءًا بالحل المفاجئ للجيش العراقي الذي أغرق البلد بمسلحين عاطلين عن العمل. وأدّى إلغاء (البعث) الفوري إلى جيش آخر من العاطلين عن العمل والبيروقراطيين الغاضبين. إضافة إلى كل ذلك، مُلئت الإدارة في العراق بأعداد من الإجراميين الشبان الذين لا يعرفون شيئًا عن اللغة، أو عن تاريخ العراق ودينه. وهلل الإعلام، وخصوصًا جوديث ميللر في (النيويورك تايمز)، لفكرة أن (أحمد الجلبي سوف يتقدم الجميع كرجل مُنقذ، فيما يصفق له العراقيون المضطهدون)». أيضًا، من نص الكتاب: «فوجئ أصحاب فكرة الحرب في واشنطن عندما اكتشفوا أن الامتنان الذي كانوا يتوقعونه في بغداد، ما هو إلا تمرد في وجوههم. وعندما ظهر الجلبي في بغداد بعد تحريرها المدّعى، بدا أن قلّة من العراقيين تعرف من هو، ولذا تراجع الأميركيون عن تتويجه». أما هو فأنحى باللائمة على الأميركيين «المذنب الحقيقي في كل ذلك هو وولفويتز. ولقد جبن رجال البنتاغون. لقد جبنوا». الجميع رفضوا تحمل المسؤولية. واكتفى وولفويتز، بعد احتلال العراق، بإجابات غامضة. ودافع بول بريمر عن قراره حل الجيش العراقي. ولم يخطر لأحد مرة أن يقول لمُنظِّر الديمقراطية والغزو، إن العراق ليس إندونيسيا، ولا الفلبين، ولا رومانيا.
مشاركة :