فضيلة الشيخ أحمد مهنا السيسي: بين الصيام والجهاد المكلل بالنصر علاقة وصلة وثيقة

  • 6/2/2018
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

في خطبته الجمعة أمس لفضيلة الشيخ أحمد مهنا السيسي بجامع أبو حامد الغزالي تحدث فضيلته عن «بدر حيث تجلت القيادة الفطنة.. فلنأخذ العبرة من أدب الحباب مع نبيه.. حيث قال: إن بين الصيام والجهاد المكلل بالنصر علاقة وصلة وثيقة، ففي الصيام مجاهدة للنفس بالامتناع عن الشهوات طاعة لله وإرغاما للشيطان، وفي الجهاد مصابرة للنفس لصد الأعداء. ففي السابع عشر من رمضان من السنة الثانية للهجرة صبيحة يوم الجمعة كانت معركة بدر الكبرى، إنه يوم الفرقان حيث أيد الله جنده بجنده.. وحاصل ذلك أن رسول صلى الله عليه وسلم علم أن قافلة تجارية لقريش عائدة.. وقد اعتزم اعتراضها لتعويض المهاجرين عما فقدوه من أموال وممتلكات بمكة عند هجرتهم، فخرج معه قرابة الثلاثمائة من المهاجرين والأنصار، وذلك أن قصده القافلة، وكان صلى الله عليه وسلم، يتناوب مع أَبُي لُبَابَةَ وَعَلِي رضي الله عنهما ركوب الجمل فيقولان له: (نَحْنُ نَمْشِي عَنْكَ)، فيقول: (مَا أَنْتُمَا بِأَقْوَى مِنِّي وَمَا أَنَا بِأَغْنَى عَنِ الْأَجْرِ مِنْكُمَا). ولما بلغ ذلك أبا سفيان قائد قافلة قريش أرسل إلى قريش طلبا للنجدة، فخرج أكثر من ألف مقاتل من أهل مكة مزودين بالسلاح والعتاد، إلا أن أبا سفيان قد استطاع الإفلات بالقافلة، وذلك بانحرافه إلى ساحل البحر، وكتب إلى قريش أن ارجعوا، فقال أبو جهل قائد جيش المشركين: لن نرجع حتى نأتي بدرا وننحر الجزر ونشرب الخمور ويتسامع بقوتنا العرب فيهابونا، وفيهم نزل: «ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس». فسار جيش الباطل متجبرا مختالا بطرا، وسار جند الحق والإيمان صابرا مصابرا مرابطا. وحانت المواجهة، وهنا يقول صلى الله عليه وسلم: (أشيروا علي أيها الناس) فتكلم المهاجرون فسكت عنهم، فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال: قد آمنا بك وصدقناك وشهدنا ما جئت به هو الحق، وأعطينا على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة. فامض يا رسول الله فوالذي بعثك بالحق نبيا لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد، ثم قام المقداد بن عمرو فقال: امض لما أمرك الله فنحن معك والله ما نقول لك ما قالت بنو إسرائيل لموسى: «اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون»، ولكنا نقول: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون. فظهر السرور على وجهه صلى الله عليه وسلم وقال: أبشروا فكأني أرى مصارع القوم، وسار النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون إلى بدر، حتى نزلوا في أدنى ماء من بدر، فقال الحُبابُ بن المنذر: يَا رَسُولَ اللّهِ أَرَأَيْت هَذَا الْمَنْزِلَ، أَمَنْزِلاً أَنْزَلَكَهُ اللّهُ، لَيْسَ لَنَا أَنْ نَتَقَدّمَهُ ولا نَتَأَخّرَ عَنْهُ، أَمْ هُوَ الرّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ؟ قَالَ: «بَلْ هُوَ الرّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ».. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ فَإِنّ هَذَا لَيْسَ بِمَنْزِلِ، فَانْهَضْ بِالنّاسِ حَتّى نَأْتِيَ أَدْنَى مَاءٍ مِنْ الْقَوْمِ، فَنَنْزِلَهُ ثُمّ نُغَوّرَ (أي ندفن) مَا وَرَاءَهُ مِنْ الْقُلُبِ، ثُمّ نَبْنِيَ عَلَيْهِ حَوْضًا فَنَمْلَؤُهُ مَاءً، ثُمّ نُقَاتِلَ الْقَوْمَ، فَنَشْرَبَ وَلا يَشْرَبُونَ.. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: «لَقَدْ أَشَرْت بِالرّأْيِ» وأخذ برأي الحباب، ومن هذا الموقف لا بد أن نقف عند ما يلي: فالحباب رضي الله عنه لم يُلغِ عقله وخبرته ورأيه حتى وإن كان مخالفا لرأي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن بأدب مع الله ورسوله، فكيف نلغي عقولنا عند من هم دون رسول الله؟! وكيف يُسلم البعض نفسه للأشرار ليُصنَعَ على عيونهم فيخون وطنه وأهله؟!. فحينما قال الحباب: أمنزلا أنزلكه الله..؟ أي إن كان الأمر وحيا من الله سبحانه، فمهما أوتي من خبرة وعلم وذكاء فأمر الله يجب اتباعه من دون تردد. وهنا -أيضا- تتجلى القيادة الفطنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حينما علم أن رأي الحباب كان صوابا. فيا من يُسلِّم عقله ونفسه بثمن ما أبخسه! خذ العبرة من أدب الحباب رضي الله عنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. يقول صلى الله عليه داعيا: (اللهم هذه قريش جاءت بخيلائها تحادك وتكذب رسولك، اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض)، والصديق رضي الله تعالى عنه يشفق عليه ويقول: يا رسول الله خفف عن نفسك فإن الله منجز لك ما وعدك، وشرع النبي صلى الله عليه وسلم يحرض أصحابه على القتال قائلا: (قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ) والتقى الجمعان والتحم الفريقان وأيد الله جند الحق بجند السماء فكان النصر المؤزر لمن نصروا الدين وتركوا أموالهم وأوطانهم في سبيله. وكانت الهزيمة والخذلان لمن خرجوا بطرا ورياءً.. (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ). ومن أسرار النصر الالتجاء إلى الله والاستغاثة به، (إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم). ولا شك أن النصر حليف الفئة المؤمنة الصابرة الثابتة على الحق، قال تعالى: (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين)، فليس النصر بالعدد والعدة فحسب، كذا الاستجابة لله تعالى ولرسوله. كما أن للشورى مع أهلها أثرا كبيرا في تحقيق النصر، تجلى ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم : (أشيروا عليّ أيها الناس) وفي الأخذ برأي الحباب رضي الله عنه. ورغم كل هذه الأسباب فإنما النصرُ من عند الله كما أخبر سبحانه: (وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ(. أيها المسلمون، بعد أيام معدودات تدخل العشر الأواخر المباركة، وهي أعظم أيام شهركم فضلا ورفعة وقدرا، فهيئوا أنفسكم لتصفوا للذيذ مناجاة ربكم، ولنسخ بسكب العبرات ولنتخلص من أسر الذنوب والأوزار فنفوز بوصل ربنا، عسى أن يكرمنا في زمرة عتقائه من النار، فلا تضيعوا هذه الفرصة التي لا تعوض وربما لا تعود. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ أَحْيَا اللَّيْلَ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ وَجَدَّ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ».

مشاركة :