أدى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسى، اليوم السبت، أمام مجلس النواب اليمين الدستورية عن فترته الرئاسية الثانية، عملا بحكم المادة (144) من الدستور، ويأتى نص القسم على النحو الآتى: «أقسم بالله العظيم أن أحافظ مخلصًا على النظام الجمهورى، وأن أحترم الدستور والقانون، وأن أرعى مصالح الشعب رعاية كاملة، وأن أحافظ على استقلال الوطن ووحدة وسلامة أراضيه». و «أداء اليمين» في مصر، يكشف عن مشاهد تاريخية، قبل نحو 3500 عام قبل الميلاد.. حيث عرفت مصر أداء اليمين الدستورية من قبل الحاكم، وكان القسم يعرف بـ «المرسوم»، ويحتوي على عبارات منها «فليحيا حورس، الثور القوي، أنا العدالة، جميع أرباب طيبة سعداء، والتاسوع فرح، لأن الخزائن ممتلئة بالفضة والذهب، ومصر قلبها سعيد وتطلق صيحات الفرح لأن الناس آمنون والبلد محمي»، وتعد هذه العبارات بمثابة عهد يقطعه الملك «الفرعون»على نفسه بأن يسعد مصر وأهلها وأن يحقق الأمن والأمان ويحافظ على اقتصادها منتعشًا، وكان تنصيب الملك «الفرعون» يتم بارتداء التاجين الأبيض والأحمر، ويرمزان إلى أنه أصبح ملك مصر العليا والدنيا. ومع بداية العهد الملكي في مصر ..لم يؤد الملك «فؤاد» الذي يعد أول ملك للبلاد والذي خلف والده السلطان حسين كامل، اليمين الدستورية أمام الجمعية التشريعية التي كانت تمثل البرلمان آنذاك، لأنها كانت معطلة منذ قيام الحرب العالمية الأولى في عام 1914، ولكن تم الاحتفال بتنصيبه يوم 11 أكتوبر/ تشرين الأول سنة 1917، حيث انتقل موكبه من قصر البستان بوسط القاهرة إلى سراي عابدين لاستقبال المهنئين. ومنذ أول دستور صدر فى تاريخ مصر المعاصر، وهو دستور 1923 نص على أن يؤدى الملك القسم أمام البرلمان، قبل توليه شئون الحكم، ووفقا لنص المادة 50 من الدستور، حيث تنص: ( قبل أن يباشر الملك سلطته الدستورية يحلف اليمين الآتية أمام هيئة المجلسين مجتمعين: «أحلف بالله العظيم أنى أحترم الدستور وقوانين الأمة المصرية وأحافظ على استقلال الوطن وسلامة أراضيه»).. وتم الاحتفال بتنصيب الملك «فاروق» يوم 29 يوليو/ تموز 1937 بأدائه اليمين، بعد انتهاء فترة الوصاية حيث كان قاصرًا، ففاروق الأول ظل طوال 15 شهرا، حاكمًا تحت الوصاية إلى أن بلغ السن القانونية لتولي العرش، وكان اليوم الذي حلف فيه الملك «فاروق» اليمين الدستورية أمام مجلس النواب يوما أسطوريا حافلا، وارتدى الحضور ملابس السهرة والأوسمة، ودخل الموكب الملكي إلى حديقة سراي البرلمان من الباب الخارجي الشرقي في شارع مجلس النواب، متجها إلى الباب الملكي بالجهة الغربية للمجلس. وبعد قيام ثورة 23 يوليو/ تموز 1952، تم إعلان الجمهورية في 18 يونيو/ حزيران 1953 وإلغاء الملكية، واختار الضباط الأحرار«محمد نجيب» رئيسًا للجمهورية، وقام بالقسم على الولاء للجمهورية في الفناء الداخلي للقصر الجمهوري بعابدين في 23 يونيو/ حزيران 1953 وكان ذلك أمام الوزراء ومجلس قيادة الثورة، وخرج إلى شرفة قصر عابدين، ليشهد الاحتفال بتنصيبهن وحينئذ أمسك زعيم الضباط الأحرار «جمال عبدالناصر» بالميكروفون وطلب من الجماهير التي احتشدت أمام القصر أن تردد وراءه يمين الولاء والمبايعة «لنجيب»: ( اللهم إنا نشهدك وأنت السميع العليم أننا قد بايعنا اللواء أركان حرب محمد نجيب قائدا للثورة، ورئيسا لجمهورية مصر، كما أننا نقسم أن نحمى الجمهورية، بكل ما نملك من قوة وعزم، وأن نحرر الوطن بأرواحنا وأموالنا، وأن يكون شعارنا دائما، الاتحاد والنظام والعمل والله على ما نقول شهيد والله أكبر وتحيا الجمهورية والله أكبر والعزة لمصر). وفي 14 نوفمبر/ تشرين الثاني 1954 ، قرر مجلس قيادة الثورة إعفاء «نجيب» من جميع مناصبه، على أن يبقى منصب رئيس الجمهورية شاغرًا، وأن يستمر مجلس قيادة الثورة في تولى كل سلطاته بقيادة «جمال عبد الناصر»، وفي ٢٤ يونيوم/ حزيران ١٩٥٦ انتخب «جمال عبد الناصر» رئيسًا للجمهورية بالاستفتاء الشعبي وفقًا لدستور 1956، وبعد انعقاد مجلس الأمة في سنة 1957 والذي يعد أول مجلس بعد ثورة يوليو، حلف عبد الناصر اليمين الدستورية أمام هذا المجلس يوم 23 يوليو/ تموز في الذكرى الخامسة للثورة..وأعيد اختيار «عبد الناصر» كرئيس للجمهورية العربية المتحدة بعد وحدة مصر وسوريا، وذلك في استفتاء شعبي بين مواطني الشعبين المصري والسوري في فبراير/ شباط 1958، حيث أقسم «ناصر» القسم الأول فى العام ذاته كرئيس أمام مجلس أمة الوحدة والذى ضم حينها النواب المصريين والسوريين نتيجة الإعلان الدستورى للوحدة بين مصر وسوريا، وبناء عليه أقسم اليمين الدستورية عام 1958، ثم أقسم بعد ذلك أمام مجلس الأمة المصري.. وفي مارس/ آذار 1965، اختير«ناصر» لمرة ثالثة كرئيس للجمهورية، وحلف اليمين الدستورية أمام مجلس الأمة. وبعد رحيل ناصر أدى الرئيس انور السادات فى 17 أكتوبر/ تشرين الأول 1970 اليمين الدستورية، أمام ممثلي الشعب في مجلس الأمة.. وبعد إغتيال الرئيس السادات، أدى الرئيس حسني مبارك في يوم 14 أكتوبر/ تشرين الأول، اليمين الدستورية أمام مجلس الشعب، ثم توالت فترات مبارك التي وصلت إلى خمس فترات استمرت قرابة ثلاثين عامًا. بعد أن قامت ثورة يناير 2011، وتم انتخاب الدكتور محمد مرسي العياط رئيسا للجمهورية، كان الرئيس الوحيد الذي أقسم ثلاث مرات، فقبل أن يقسم أمام المحكمة الدستورية العليا في 30 يونيو/ حزيران 2012، أقسم أمام الجماهير بميدان «التحرير» قبلها بيوم واحد، كما كرر القسم مرة ثالثة في جامعة القاهرة في احتفالية تنصيبه بقاعة الاحتفالات الكبرى بالجامعة!! ويقول المستشار ماهر سامى نائب رئيس المحكمة الدستورية والمتحدث الرسمى سابقا: لقد امتثل الرئيس المخلوع محمد مرسى بعد شد وجذب وطول مراوغة ومناورة لنصيحة العقلاء من رجال القانون بأنه لا مفر من أن تكون اليمين الدستورية أمام المحكمة الدستورية كما يقضى الدستور وأن أداءها فى أى مكان اخر يهدد بفقده الشرعية لتوليه السلطة، كانت قاعة الاحتفالات خالية تماما ولم يدع أحد لحضوره ، وأعلن عند حضوره أن وقائع حلف اليمين لن تبث على الهواء مباشرة فانسحب ثلاثة من نواب رئيس المحكمة من القاعة بعد خلع أروابهم وأوشحتهم ، وانتحى الرئيس المعزول فى ركن من القاعة يجرى بعض الاتصالات الهاتفية قبل أن يعود ويعلن موافقته على البث المباشر وبدا عابسا متجهما صامتا،منتظرا أن يتم توصيل الأسلاك وتركيب الأجهزة لبث وقائع اليمين ـ وشهد جلسة أداء اليمين 18 نائبا لرئيس المحكمة بالإضافة إلى رئيس هيئة المفوضين وقضى فى المحكمة أكثر من ساعتين واشترط أن يصطحبه المستشار فاروق سلطان رئيس المحكمة ونوابه إلى جامعة القاهرة ليتلو عليهم رئيس المحكمة محضر أداء رئيس الجمهورية لليمين الدستورية وهو الاحتفال الذى كان قد أعده له جماعته لأداء اليمين مرة أخرى. وبعد أن أعلنت القوى الوطنية عزل محمد مرسى واتفقت على تكليف رئيس المحكمة الدستورية العليا بتولى منصب رئيس الجمهورية لفترة انتقالية لحين إجراء انتخابات جديدة، كان على المستشار عدلى منصور رئيس المحكمة أن يؤدى اليمين الدستورية أمام الجمعية العامة للمحكمة رئيسا للجمهورية، ولم يكن قد أدى اليمين بعد رئيسا للمحكمةالدستورية العليا، وكان مقتضى ذلك أن أدى الرئيس عدلى منصور اليمين الدستورية رئيسا للمحكمة ثم أعقبه أداء اليمين رئيسا للجمهورية مرتين فى يوم واحد. ونظرا لضيق الوقت لم يشهد مراسم أداء اليمين أحد سوى مستشارى المحكمة الدستورية وأعضاء هيئة المفوضين. وفي 8 يونيو/ حزيران 2014 تم تنصيب الرئيس «عبدالفتاح السيسي» رئيسًا لجمهورية مصر العربية، وبحضور رؤساء وزعماء وملوك من الدول العربية والأفريقية والأوروبية، وممثلين عن رؤساء الدول الكبرى بقصر القبة. ومن أهم هذه اللحظات التى عاشها المصريون بعد تنحى مبارك أداء 3 رؤساء جمهورية اليمين الدستورية فى مدة لا تزيد على عامين ، وهو أمر فاق كل أحلام وتخيلات المصريين على مدار 30 عاما .. ولعل ما يثير الانتباه أن هذه المراسم جميعا كانت داخل المحكمة الدستورية العليا وفق نص الدستور «لاسيما بعد حل البرلمان»، وهذا ما أتاح لمستشارى المحكمة الدستورية الفرصة ليكونوا شهود عيان للتاريخ على وقائع وأحداث ومجريات أداء اليمين الدستورية لثلاثة رؤساء لمصر .
مشاركة :