مارتن وولف* لم يسبق لمؤشر تماسك الاتحاد الأوروبي الذي يصدره المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية أن تراجع في بلد عضو في الاتحاد بين عامي 2007 و2017 عدا اليونان، إلى الحد الذي تراجع إليه في إيطالياإيطاليا تختلف عن اليونان، لكن نقاط الاختلاف ليست كلها مشجعة. فحجم الاقتصاد الإيطالي أكبر عشرة أضعاف لكن حجم ديونها الحكومية البالغة 2.3 تريليون يورو، مخيف إذ يبلغ سبعة أضعاف ديون اليونان، وهو الأكبر على مستوى منطقة اليورو، ويأتي في المرتبة الرابعة على مستوى العالم. وربما تكون إيطاليا أكبر من أن تنهار لكنها كبيرة بحيث لا يمكن إنقاذها. والسؤال الملح الآن هو ما إذا كانت حكومتها الجديدة سوف تقودها إلى شفير الأزمة، ثم ماذا يمكن أن يترتب على ذلك.ولا تزال ردة فعل الأسواق نزقة نسبياً حتى الآن. فمعدلات العائد على السندات الحكومية لأجل 30 عاماً ارتفعت 220 نقطة أساس فوق نظيراتها الألمانية ليصل إلى 3.4%، وهذا رقم مطمئن مقارنة مع ما حصل عام 2011 عندما حلّق العائد على هذه الفئة 467 نقطة أساس ليصل إلى 7.7%. إلا أن احتمالات استمرار تحليقه حالياً قوية جداً.ولم يسبق لمؤشر تماسك الاتحاد الأوروبي الذي يصدره المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية أن تراجع في بلد عضو في الاتحاد بين عامي 2007 و2017 عدا اليونان، إلى الحد الذي تراجع إليه في إيطاليا، وهذا ليس مرتبطاً بالأزمة الاقتصادية فحسب، فقد سجل نصيب الفرد الإيطالي من الناتج الإجمالي نمواً بنسبة 3% فقط منذ عام 1997 حتى 2017 وهذا أدنى من النمو في نصيب الفرد اليوناني، كما أن الإيطاليين يشعرون أنهم تركوا وحيدين في مواجهة أزمة اللاجئين.ويشعر معظم الإيطاليين بأن ارتباطهم مع الاتحاد الأوروبي بات واهياً وأن شعورهم حيال المؤسسة يشوبه الحنق. ولعل هذا يفسر نتائج الانتخابات الأخيرة التي منحت اليسار القوي جنوب البلاد واليمين القوي شمالها حصة الأسد. وهذا التوزيع يعكس بكل دقة التباين الاقتصادي بين مكونات البلاد جغرافياً.هذه الحالة هي نتيجة طبيعية لأخطاء الطرفين إيطاليا والاتحاد الأوروبي. فالأخير فشل في تحقيق معدلات التضخم المستهدفة وتنشيط الطلب الخارجي على المنتجات الإيطالية، ما عرقل فرصة تحقيق توازن التنافسية الإيطالية في مرحلة ما بعد الأزمة المالية العالمية. وتسبب رفض الألمان الإقرار بأن هذه المشاكل تزيد الأمور سوءاً في تفاقم المشكلة. لكن الإيطاليين من جانبهم فشلوا في استيعاب الحاجة لإجراء إصلاحات جذرية لا بد منها لتحقيق الازدهار خاصة في ظل اتحاد نقدي مع الألمان.وربما يكون قد فات الأوان. فدوامة الحركة الشعوبية تغذيها الوعود الجوفاء والناخبون التعساء سوف تتطور في ظل البرنامج السياسي لحركة النجوم الخمس الذي يحمل بذور المواجهة مع الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو من خلال المطالبة بمعدلات إنفاق أكبر ومعدلات ضريبية أقل والهجوم على السياسة المالية والنقدية للاتحاد.وربما يخرج الحل التصالحي من هيمنة سيطرة المقرضين على القرار. وإذا أرادت الحكومة الجديدة التمرد على القوانين الاتحادية فلن يقدم البنك المركزي الأوروبي أي مساعدات لإيطاليا. وهذا يدفع الإيطاليين لاستخدام سلاح الإعسار في ظل حيازة المستثمرين الأجانب على سندات بقيمة 686 مليار يورو أو ما يعادل 36 % من الدين الحكومي يضاف إليها ديون البنك المركزي الإيطالي البالغة 420 مليار يورو للبنك المركزي الألماني في إطار نظام «تارغيت2».وفي حال تعرضت إيطاليا للأزمة أو أعلنت إفلاسها فحجم الكارثة سيكون هائلا. ولكن حتى إعلان الإفلاس يتجاهل التبعات الاقتصادية وحتى السياسية على الاتحاد لأن إنقاذ إيطاليا يختلف عن إنقاذ اليونان وخروجها من الاتحاد سيكون صاعقة.فما الذي يمكن أن يحدث؟ قد يلجأ رئيس الوزراء الجديد جوسيبي كونتي لقيادة حكومة تقليدية، أو أن الحكومة الجديدة ستنهار أمام أول هزة. وربما تتمسك بسياساتها وتفجر أزمة حول الديون الإيطالية والبنوك الإيطالية. وبدون مساعدة المركزي الأوروبي سيكون مستحيلاً تحويل الأموال خارج البلاد. وهذا يعني خروج إيطاليا من منطقة اليورو.وفي ظل هذا السيناريو سوف تحدث هزات ارتدادية في دول أوروبية أخرى أولها إسبانيا التي ارتفع حجم ديونها بسبب نظام «تارغيت2» ومن ثم تتراكم الضغوط على دول الاتحاد فإما الإصلاح أو التلاشي.وربما ينحي الطليان باللائمة على الأوروبيين فيما حل بهم لأن القرارات المهمة التي تصدر في الشأن الإيطالي تصدر في بروكسل. لكن تصويتهم الأخير الذي يعد مرحلة أولى على طريق الانفصال عن الاتحاد سوف يفشل. ومع ذلك لن يحل أزمتهم بل ربما يزيد الأمور سوءاً. وما لم تنجح إيطاليا في استعادة ازدهارها سوف تبقى سياساتها ومكانتها في الاتحاد الأوروبي غير مستقرة وعرضة لكل طارئ. *كبير المحللين الاقتصاديين في «فاينانشال تايمز»
مشاركة :